ضرورة دراسة الأسباب والمبررات!!!


الأعمال الإرهابية التي تحدث في الكويت من حين إلى آخر، وأخذت شكلا متطورا في الأعمال التي شهدتها منطقة ( أم الهيمان ) الأيام القليلة الماضية، تختلف جذريا في أسبابها وخلفياتها عما يشهده العراق من الأعمال الإرهابية ذاتها، ففي العراق:

1. بقايا النظام الديكتاتوري المنهار، الذين فقدوا الإمتيازات غير القانونية، التي لا يستحقونها إلا بسبب تزلمهم للنظام الإجرامي، ومحاولاتهم زعزعة الأمن والإستقرار، أملا في عودة ذلك النظام.

2. المتسللون من دول الجوار بدعم من تلك الدول، لزعزعة الأمن والإستقرار في العراق، لأن قيام نظام ديمقراطي في العراق يهدد بقاء تلك الأنظمة الشمولية المجاورة، و هذا ما يفسر تكثيف إرهابهم قبل موعد الإنتخابات العراقية القادمة نهاية الشهر الجاري، والتركيز على المراكز الإنتخابية والشخصيات المدرجة على القوائم الإنتخابية.
3. شيوخ وعلماء دين كانوا كالخرسان والطرشان والعميان إزاء جرائم النظام المنهار، مقابل إمتيازات شخصية وطائفية وعشائرية، وعندما أدركوا أنهم سيفقدوا أغلب هذه الإمتيازات غير القانونية في ظل نظام ديمقراطي، عملوا على تشجيع العمليات الإرهابية بفتاوي تحت غطاء و ذريعة مقاومة الإحتلال، دون أن يفسروا للشعب العراقي علاقة قتل المواطنين الآمنين وتفجير الكنائس المسيحية والفنادق والمرافق العامة ومنشآت النفط، والعاملين في شركات النقل، بمقاومة الإحتلال...ولو إنجرت المقاومة الفلسطينية المسلحة لهذا الفهم الإرهابي، أي قتل من يعمل في مرافق لها علاقة بالإحتلال، لقتلت في السنوات الماضية ما لايقل عن مائة وأربعين ألفا من الفلسطينيين الذين يعملون في المصانع والمرافق الإسرائيلية، ويخرجون كل صباح من قطاع غزة والضفة الغربية إلى أعمالهم داخل دولة إسرائيل، وبعضهم في المستوطنات الإسرائيلية المقامة فوق أراض في القطاع والضفة...و لماذا يسكت هؤلاء الشيوخ على مقاومة أشبه بالمقاولة، عندما يتم خطف المدنيين الأبرياء، و يتم الإفراج عنهم مقابل عشرات ومئات الآلآف من الدولارات، وفي العديد من الحالات، يتوسط هؤلاء الشيوخ في الإفراج عن المخطوفين وإيصال الفدية للإرهابيين...هل هذه ( مقاومة ) أم ( مقاولة )، لهؤلاء الشيوخ نسبة من الفدية التي أسهموا في الحصول عليها؟. والمهم هل هذه النسبة تنسجم مع مقاييس التوزيع القرآني الواردة في سورة (الأنفال)،على إعتبار أنها نوع من غنائم الحرب كما يشيعون في دواوينهم، وهناك سابقة معروفة لهم، عندما إقترحوا على المجرم صدام حسين أن يطلق على حملاته العسكرية والكيماوية ضد الشعب الكردي عام 1988، إسم حملة ( الأنفال ) مستغلين إسم سورة القرآن الكريم التي تتحدث عن غنائم حروب الرسول صلى الله عليه وسلم، وسمع المجرم البائد نصيحتهم اللآ شرعية، و أطلق على كل جرائمه بحق الشعب الكردي ( حملات الأنفال )، وفات أولئك الشيوخ المتاجرين بالدين الإسلامي أن ينصحوا مجرمهم بأن يسميها ( غزوات ) بدل ( حملات )!!.

إذا كانت هذه هي الظروف والمخلّفات التي تغذي الإرهاب في العراق...فماذا عن الكويت؟..ولماذا الكويت؟. إن هذا السؤال من الأهمية مما يستدعي دراسة معمقة من علماء الإجتماع والنفس والتربية وفقهاء الدين المتنورين الذين يعون أن الدين هو السلام والتآخي والمعاملة بالتي هي أحسن، لأن حالة الكويت مع الإرهاب والإرهابيين، ومنهم مواطنون كويتيون، تستدعي هذه الدراسة..ولماذا خصوصية الكويت تستدعي هذا الإهتمام والدراسة؟؟

1. يقولون إن الفقر وعدم توفر الحياة الكريمة للمواطن، يولّد التذمر الذي يعبر عن نفسه بمثل هذه الأعمال، كنوع من الإحتجاج على الدولة والمجتمع. فهل يوجد في الكويت فقر؟. وهل يوجد في الكويت مواطن كويتي محتاج؟. فكل الإحصائيات العربية والدولية تثمّن نوع الحياة والرفاهية التي تتوفر للمواطن الكويتي: مجانية الدراسة في كل مراحل التعليم،البعثات التعليمية المجانية للخارج بالآلآف، مجانية العلاج، قروض السكن والزواج، الجمعيات التعاونية الإستهلاكية ذات الأسعار المنافسة رخصا مع المحلات التجارية الخاصة، فرص العمل للجميع برواتب محسودة حتى من دول الجوار الخليجي، لدرجة أن بعض الدراسات تشبه التطبيقات والضمانات الإجتماعية المتوفرة للمواطن الكويتي، وكأنه يعيش في ظل نظام ( إشتراكي ) وليس ( أميري وراثي )...إذا عامل الفقر و ما ينتج عنه من تداعيات غير موجود في دولة الكويت!!.

2. يقولون إن قمع الحريات وإنعدام الديمقراطية يؤدي إلى هذه الظواهر الإرهابية!!...فهل ينطبق هذا على الكويت؟؟. إن التجربة والتطبيق الديمقراطي في الكويت من أقدم التجارب وأنضجها وأعمقها في كافة الأقطار العربية في المشرق والمغرب، وذلك بإعتراف أصدقاء الكويت وأعدائها، بدءا من حرية الصحافة والسجالات البرلمانية، إذ لا أعتقد أن هناك برلمانا عربيا يمتلك الحرية والجرأة والتعامل الديمقراطي الباسل مع الحكومة مثل مجلس الأمة الكويتي، والدليل الدامغ لكل من يجادل في ذلك، هو عدم وجود أي لاجىء سياسي كويتي في الخارج، وعدم وجود أي تنظيم كويتي معارض في الخارج، والسبب أنه لا داعي للجوء أو المعارضة من الخارج، لأن أي كويتي يستطيع أن يقول مايريد، ويكتب ماهو مقتنع به وهو داخل ( الديرة )، دون أن يكون في السجن قبل صدور الجريدة ونزولها إلى الأسواق، كما يحدث في العديد من الأقطار العربية....ولا أعتقد أن هناك حرية صحافة كما هو سائد ومطبق في الكويت، والكثيرون يعترفون ويقرون أن حرية الصحافة الكويتية من أقدم التجارب وأعرقها في الشرق الأوسط....ونحن من عشنا في الكويت وعملنا في صحافتها، نعرف ونتذكر مساحة الحرية الواسعة التي كنا نعمل من خلالها، وفي مجلس الأمة الكويتي لا يخاف شخص من حضور جلساته أكثر من وزراء الحكومة، فنقدهم بقسوة وكشف تجاوزاتهم والمطالبة بإستجوابهم وإستقالتهم، لا يحدث إلا في مجلس الأمة الكويتي والبرلمانات الأوربية....إذا القمع ومصادرة الحريات وسجناء الرأي وإنعدام الديمقراطية ليس موجودا في الكويت، وبالتالي ليس سببا لهذه الأعمال الإرهابية في الكويت!!!
إذا ما هو السبب؟. هذا السؤال إعتمادا على الحقائق السابقة عن المجتمع والحياة الكويتية، هو ما يدعوني إلى القول بأهمية دراسة الظاهرة الإرهابية في الكويت، لمعرفة أسبابها و حوافزها، خاصة عندما يكون بعض مرتكبيها من المواطنين الكويتيين، الذين يعيشون في الظروف الإيجابية السابقة غير المتوفرة لغالبية الشعوب العربية ومنها بعض الشعوب الخليجية النفطية المجاورة للكويت...ما هو السبب كما أراه، حسب تجربتي وخبرتي في المجتمعات الخليجية، ومنها الكويت عملا وإقامة سنوات طويلة؟

أعتقد أن هؤلاء الشباب المتورطين في هكذا أعمال إرهابية، قد تعرضوا بشكل مباشر أو غير مباشر، لعمليات غسيل مخ من جراء ما يستمعون إليه في بازار الفتاوي في العامين الأخيرين، فإذا كان شيخ مثل يوسف القرضاوي أحلّ في القاهرة قبل شهور قتل العراقيين العاملين في مرافق تابعة أو داعمة لقوات التحالف في العراق، فكيف سيميز هذا الشاب بين خصوصية الساحة الكويتية وما يجري في العراق..وربما فات هؤلاء الشباب أن القرضاوي تنكر من فتواه تلك فور وصوله إلى قطر التي يحمل جنسيتها، لأنه لايوجد ما يحول دون أن تسلمه السلطات القطرية لأي دولة غربية، تطالب بمحاكمته على هذا التحريض الإرهابي، ويفوت هذا الشباب المعجب بالمفتين وفتاويهم، أن الشيخ القرضاوي لا يجرؤ على ذكر كلمة واحدة عن القواعد الأمريكية في قطر، ولا يجرؤ على الإفتاء على قتل المدنيين والعسكريين القطريين العاملين في هذه القواعد، فالجنسية القطرية والملايين الدولارية التي تم تجميد بعضها في البنوك الغربية والإطلالة السينمائية الجزيرية إسبوعيا، أهم من الإلتزام بقياس قرآني فقهي واحد...فما هو حلال في العراق والكويت مسكوت عنه في قطر!!....في هذا الجو البازاري، لا نضمن عدم غسيل دماغ العديد من الشباب الباحثين عن الجنة وحورياتها التي يفصّل هؤلاء الشيوخ في وصفهن، أكثرمما يفصلون في ضوابط الوضوء والصلاة والحج. ومن المهم التذكير أنه في الشهر السابع من العام الماضي، إشتكى بعض أولياء الأمور الكويتيين من شخصيات غررت بأولادهم وأرسلتهم إلى العراق عن طريق سورية، لأن الحدود الكويتية مع العراق مراقبة بشدة ودقة...إن هؤلاء الشباب المغرر بهم بإسم الجهاد، يستوي عنده الإرهاب في العراق أو الكويت أو السعودية، وربما غدا في قطر والإمارات، أو أي قطر عربي....لأن التحريض عام وشامل للكفار والملحدين، ويمكن التمعن في حادثة خطف القس العراقي قبل أيام قليلة في مدينة الموصل، وطلب فدية مائة ألف دولار، والإفراج عنه بعد أربع وعشرين ساعة، ومن غير المؤكد هل هناك جهات دفعت هذه الفدية أم لا....

لا أعتقد أن هناك مبررات محلية كويتية تبرر هذه العمليات الإرهابية، وهنا يأتي دور التيار الإسلامي الكويتي وصحافته و وسائل وعظه وإرشاده للتوعية بالسلوك الأسلامي الصحيح، ومن المهم أيضا التدقيق في ما إذا هناك جهات خارجية من مصلحتها زعزعة الأمن والإستقرار والرفاهية الكويتية...ولا يمكن أن نغفل دور الأسرة في التوعية، لأن إغفال ذلك يكون كمن يتعمد أن ( يرفص ) النعمة المتوفرة له. إن الوضع يحتاج إلى هذه الدراسة والمراقبة، فهو وضع لا يجدي فيه مجرد الدعاء أن يحمي الله الكويت...لأن الدعاء يحتاج إلى عمل دؤوب يعززه!!.
* كاتب وأكاديمي فلسطيني، مقيم في أوسلو [email protected]