ليس ثمة شك في ان هناك خللا ما ينتاب خطط الحكومة الامنية، وان الوقائع على الارض تفيد ان ليس ثمة خطوة نحو الامام في هذا المجال وان الاجهزة الحكومية الامنية وغير الامنية بدأت تختلق الاعذار وتبرر عجزها في توفير الامن باسباب خارجية ونقص في الامكانيات تارة، وانعدام التنسيق بينها وبين القوات الامريكية تارة اخرى.
وبين هذا وذاك يراق الدم العراقي، ولامخرج من هذه الدوامة على مايبدو في المدى القصير.
كما ان تصريحات المسؤلين تبرر هذا الانفلات الامني بدعم دول الجوار وكان الامر كله اصبح بيد هذا الدول تصول وتجول في العراق، وليس من سبب غير ذلك كما يفهم من تصريحات المسؤولين بحيث بدا الامر وكانه محاولة لذر الرماد في العيون وتبرير العجز بتصدير اسباب الازمة الى جهات خارجية، وهنا تغيب الصراحة من جديد في الاسباب والدوافع وراء الانتكاسات الامنية.
وربما كان تصريح الرئيس العراقي غازي الياور من ان كل جيوش الارض لن تستطيع ان تحفظ الامن في العراق ما لم تكن هناك قوات امنية عراقية كفوءة تحترم حقوق الانسان ولا تكون اداة في قمع العراقيين. هذا المقال وضع المبضع على الجرح، وهو يعكس حقيقة العوامل على الارض ذات العلاقة بواقع الحال الامني اليوم، فبالرغم من ان الولايات المتحدة هو اللاعب الفاعل في الوضع الامني، فان رسالة الياور واضحة :يجب ان تكون هناك مشاركة قوات امنية عراقية كفوءة تحترم حقوق الانسان العراقي وليست اداة لقمع العراقيين.
لكن الامر لايخلو من الصراحة في حقيقة تورط اطراف اجنبية في تاجيج نار الفوضى الامنية، وعلى الحكومة العراقية ان تعلن على الملا الادلة الدامغة بشان تورط دول الحوار في الشان العراقي، فما زال الامر ملتبسا لدى الكثيرين، سيما وان العراق قد شارك في مؤتمر وزراء داخلية دول الجوار العراقي، ولايعرف على وجه اليقين حقيقة ماجرى في ذلك اللقاء، والى اي مدى نجح العراق في اثارة قضية ضبط الحدود لمنع تسلل الارهابيين الى الاراضي العراقية، والمساعدة في استتباب الامن فيه.
ان حالة الفوضى التي يعيشها العراق وتزايد الخسائر الاميركية مع بدا العد التنازلي للانتخابات والتراخي في الاخذ بزمام الموقف يحمل اكثر من علامة استفهام وهذا يعني ان ماصرح به قائد القوات الاميركية في العراق من ان هناك خطة مفصلة لتدريب وتجهيز قوات الامن العراقية بغية نقل مسؤولية الامن الى العراقيين، لم يكن دقيقا تماما والا فما معنى مايحدث اليوم في الشارع العراقي مع اقتراب الانتخابات.
لقد اضحى واضحا الان ان الاجتماع الامني الوزاري لدول الجوار والذي شارك فيه لم يحقق الهدف المنشود، بل ان الامور اندفعت نحو الاسوا باتهام سوريا بانها وراء انفجارات النجف واتهام ايران بالسعي لاستغلال الموقف ومحاولة تشكيل حكومة موالية لها في العراق.

والحق يقال ان الامر لايتعلق بدول الجوار فحسب بل ان المسؤولية الاولى في ازالة الضبابية في التصريحات المتضاربة، ووضع النقاط على الحروف بدلا من القاء تبعات مايحدث على دول الجوار، ومع ان هناك متسلين من دول الجوار كسوريا وايران والسعودية والاردن، الا ان مصدر ذلك جهات اصولية متطرفة، ضيق عليها الخناق في اوطانها وحكوماتها لتتسلل الى العراق هربا من مطرقة امن بلدانها حيث تجد في العراق ساحة وملعبا لتحقيق ماربها، ولو وجدت قوة امنية رادعة في العراق لقفلت راجعة الى بلدانها او تسللت عبر الحدود الى بلدان اخرى، فالارهاب يترعرع حيث يجد ملاذا وملعبا يسجل فيه اهدافه، وعلى الحكومة العراقية ان تضيق الخناق عليه ليولي هاربا من حيث اتى بدلا من التوسل بالحكومات المجاورة للمساعدة في قطع دابر ذلك، وهي وان فعلت فليس بقدر من المه الجرح، وماحك جلدك مثل ظفرك.

ان ماتمخض عن اعمال عنف في العديد من المدن العراقية، يتطلب من الجميع تحمل المسؤولية، فلا الطائرة ولا البندقية قادرة على توفير الامن مالم يشارك المجتمع في حماية نفسه، ولايكون ذلك الا باتخاذ اجراءات علمية مدروسة والاعتماد على الكفاءات ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، بديلا للزج في اعداد هائلة من الشرطة وقوات الامن تعتمد المحسوبية والولاء الضيق لهذا وذاك، لتنشا جيوشا من ورق لاتهش ولاتنش امام اعمال الارهاب التي تبطش وتفتك كل يوم، كما يتطلب الامر الكشف عن الفاعليين الحقيقيين ومن يقف وراءهم بدلا من القاء الاتهامات على هذا الطرف وذاك داخليا او خارجيا بدون الدليل الذي يقيم الحجة ويزيل اللبس.
وليس ثمة شك في ان الأمن يرتبط بالعملية الديمقراطية القادمة، وكلاهما الامن والديمقراطية يجب ان لايكونا على طرفي نقيض في السلوكيه العراقية،بحيث لايؤدي الى خلق خلاف ينسف اي اتفاق للمجموعة العراقية الواحدة، والاحساس بالامن على مستوى الممارسة بالنسبة للفرد او المؤسسة، ويتطلب ذلك ان نعبد طريق الامن امام العملية الانتخابية ليصبح الامر سلوكا وممارسة حتى تتحقق الحريات المدنية من دون تمييز عرقي او ديني، لتجلي لنا الانتخابات اناسا يملؤون المناصب العليا في الدولة بكفاءة واقتدار تحت رقابة مؤسسية يتسيدها قضاء مستقل قادر على محاسبة اي مسؤول مهما كان.
[email protected]