في العراق لم يكن المنصب في عهد النظام السابق والحالي مبعثا للراحة لمن تمتع ويتمتع به بل على النقيض من ذالك كان ولايزال هما كبيرا ومجازفة خطيرة كلَفت وتكلف صاحبها حياته ومستقبله. ربما يتفق الكثيرون في ان الكثيرين من الاوربيين ممن يعملون موظفون صغار في شركات بسيطة سيرفضون العمل - لو عرض عليهم جدلا - كوزراء في العراق او الصومال او افغانستان اوغيرها من الدول المثقلة بالصراعات لابل اننا نعتقد جازمين ان الامين العام للامم المتحدة يلاقي صعوبات كبيرة في اقناع الموظفين للذهاب والعمل كمندوبين للهيئة الاممية في الدول اعلاه لانه من الطبيعي ان يحسب الانسان الى الاًلف بل الى المليون قبل ان يقرر تحمل اطنان من التركة المتراكمة ويغوص في وحل المياه العفنة

لم يكن الهاجس الامني من محاولات الاغتيال هو مايؤرق المسؤول في النظام السابق فالدولة باجهزتها القمعية المتعددة كانت تترك ذالك المسؤول مطمئنا نوعا ما على نفسه وعائلته بفضل الحماية المتوفرة والوضع الامني المستقر الى حد ما ولكن تلك الاجهزة المخابراتية -وكتاب القلم العريض- المنتشرين والمزروعين في كل زاوية في البيت والمكتب والسيارة ممن كانوا ضلا لذالك المسؤول كانوا جميعا يجعلون منه دمية تتحرك حسب اهوائهم فكان الوزير مثلا يتقياً في الصباح على مرؤوسيه ما قد اجتره في المساء من قبل رئيسه دون اية زيادة او نقصان بحرف واحد. ولذالك كان اي من اصحاب المناصب حذرا في اختيار الكلمات حتى امام اقرب الناس اليه وكان القلق على الحياة يكبر كلما اقترب الانسان اكثر الى الدائرة الضيقة وكان الناس يتندرون بان صعود نجم فلان دليل على اقتراب عملية احتراقه كما يتندرون بقدرة البعض على اظهار خنوع منقطع النظير او تمكنهم من السير مسافات طويلة على الحبال قبل ان يسقطوا -في عين - الحاكم او احد افراد الحاشية. كان اي من اصحاب مناصب الحلقة الوسطى يرى نفسه- امبراطورا صغيرا- حيث يمثل الامبراطور الكبير يجلس سعيدا في اية زاوية من زوايا العراق بمجرد ان يعقد الصفقة على تقاسم الغنائم مع العيون الامنية الموجودة ضمن الرقعة الجغرافية لمنصبه وكان ينتاب القسم الكبير منهم الحزن والهم عندما كان الدكتاتور يدعوهم الى بغداد لكي يكونوا قريبين منه لانهم كانوا واثقين ان ذالك يعني ان اًجلهم قد بانت ملامحه. اما من الناحية المادية واذا استثنينا افراد الحاشية والعشيرة فان الكثيرين من مسؤولي النظام السابق وبسبب الخشية من سيف الجلاد - وليس بسبب العفة - كانوا حذرين جدا في هذا الجانب كما لم تكن الوجبات الماًكولة من قبلهم دسمة بالمقارنة مع مايحدث في الوقت الحاضر

عندما سقط النظام واستبشر الناس خيرا ببزوغ فجر الديموقراطية فان المنصب في العراق شانه شان ملامح الحياة الاخرى التي هبت عليها رياح الحرية والديمقراطية قد تحرر من شبح الاجهزة الامنية والمخابراتية الى الحد الذي اصبح فيه الوزير مثلا قادرا على ان يدلي بتصريح يناقض ما صرح به رئيس الحكومة او بالعكس يعبر رئيس الحكومة عن عدم تبنيه لما ذهب اليه احد وزرائه. لكن المنصب في العراق قد وقع اسيرا للهاجس الامني المتمثل في التهديد الجدي لحياة صاحبه وعائلته واقربائه ولذالك وبفضل هذا الهاجس الامني قد وجد عدد كبير من العراقيين فرصتهم للحصول على لقمة العيش عن طريق الانخراط في - جيش الحماية - فلنا ان نتصور القدرة البشرية والمادية المهدورة في هذا الجانب اذا كان لاي عنوان ابتداء باعضاء المجالس البلدية في النواحي والاقضية من يقوم بحمايتهم ناهيكم عن مايتطلبه حماية الالاف من مسؤولي الاحزاب والدكاكين السياسية المنتشرة في العراق

اما من الناحية المادية فان الفساد الاداري ليس اقل مما كان عليه في عهد النظام السابق ومسلسل الفضائح في سرقة اموال الشعب العراقي من قبل البعض عراقيين كانوا ام اجانب يملاً صفحات الصحف والانترنيت لابل قد وجد البعض في الديموقراطية وغياب القانون فرصة ثمينة له لكي - يضرب ضربته - ويضمن مستقبله

ان المشكلة الكبرى تكمن في ان المنصب في العراق كان ولازال هدفا - وليس وسيلة للخدمة - لقسم كبير من عشاقه يؤمن من يصل اليه ان وجوده فيه مؤقت وليس دائم وانه سيحاسب في الدنيا والاخرة ان لم يستثمر وجوده في ذالك المنصب وان كان قد وجد حلا لحساب الاخرة بصلاة طلب للرحمة يمكن ان يخصص دقائق معدودة لها لاحقا الا انه لايجد حلا لحساب الدنيا الا ان يحصل على - هبرته - من هذه الفريسة التي تسمى الدولة لان ذالك افضل بكثير من ان ينعت بعد ذالك بتلك الكلمة الشهيرة ( زوج ) الذي دمر نفسه وهو يبيع المبادئ و الاخلاق

اننا نصلي من اجلك ايتها الانتخابات ان تفرزي للعراق ( ازواج كثيرين ) - عفوا - اصحاب مبادئ حقيقيين لانه لم يعد في جسد هذه الدولة المسكين قدرة لتحمل طعنات اضافية .

[email protected]