لا ادري ان كنت محقا في مقالي هذا، لان ما ابوح به، وهي حقائق، ليست باليسيرة، خاصة وأن ما أريد ان أبوح به منذ فترة كان معلقا بأوتار صوتي لأنطق به لعل به نفع لإخواننا من أهل الجيرة للعراق، لأن الأحداث التي يعيشها العراقييون ليست باليسيرة ولا بالهينة، ولا نظير لها في حياة المنطقة. والمسألة متعلقة بهؤلاء من إخواننا في الجيرة من أهل الأوطان المجاورة للعراقيين، وهم يتلقون بين الحين والأخر أخبار إخوانهم أو أبنائهم وهم مفجرين أنفسهم في العمليات الانتحارية أو مقتولين في العمليات الإرهابية التي يرتكبونها داخل المدن والمناطق العراقية.
والحقائق التي أبوح بها هي متعلقة بخصوصيتنا العراقية الأصيلة لإخواننا من أهل الجيرة، خاصة منهم العرب، لأن البعض منهم غير متفهمين للوقائع الحاصلة بعد غياب نظام الحكم السابق. وأول هذه الوقائع أن البعض من هؤلاء من أهل الجيرة، لا يتعاملون مع العراقيين وفق مفاهيم إنسانية بحتة مبنية على نية خالصة مؤمنة بالإخاء والمحبة والمودة التي تؤكد عليها ديننا الإسلامي الحنيف وبقية الأديان السماوية السمحاء التي نزلت من الله العزيز الحكيم لخدمة الفرد والمجتمع ضمن إطار منهج إنساني وسلوك أخلاقي. وثاني هذه الوقائع أن الذي حصل في العراق شأن عراقي خالص، وهو تغيير حصل وفق رغبة ومتطلبات متعلقة بالعراقيين، أساسها بناء عراق مبني على مباديء وقوانين تحترم حقوق وكرامة الإنسان، وتوفر العدل للجميع، وتؤمن العدالة الاجتماعية للكل وفق لوائح دولية شرعية اعتمدت على أساسيات ومباديء لمفاهيم حضارية نابعة من إيمان راسخ بالسلام والحرية وكرامة الإنسان، ونقل السلطة بين العراقيين بعملية ديمقراطية حقيقية مستندة الى شرعية رأي الشعب، وكل هذا كان غائب عنا في السابق.
أجل أنت يا أخي في الجيرة، والآن بعد إزاحة عهود الطغيان من العراق في التاسع من نيسان، وبعد القضاء على نظام حكم فاسد وجائر وطاغي ومستبد، حان الوقت لتتعرفوا على عراقيتنا وعن حلمنا وعلى خصوصيتنا، خاصة بعد تحقيق التحول الديمقراطي لانتخاب سلطة شرعية للشعب، لنعبر عن كياننا و ذاتنا وشعورنا وإحساسنا بصورة مختلفة تماما عن الصورة المعهودة من العهد البائد، لاستنشاقنا هواء الحرية ولإدراكنا بهويتنا الإنسانية الحقيقية، هوية كانت غائبة عنا طوال عقود طوال. أجل أقول لأخي من أهل الجيرة، خاصة العرب منهم.. يا أخي في الدين.. يا اخي في الانسانية اقول لك بملء فمي إن خصوصيتنا وعراقيتنا، التي برزت إلى الساحة بعد إطلاق فجر الحرية والكرامة، تكمن في تعدد لغاتنا الجميلة فهي باقة ورد من اللغات الأصيلة تلمع منها ألوان زاهية بالعربية والكردية والتركمانية والآشورية والكلدانية، وهي ما تعلمناها من طفولتنا وسنظل نتجمل بها طيلة حياتنا. أجل يا أخي في الجيرة، خصوصيتنا وعراقيتنا تكمن في تعدد ألوان ملبسنا وكساءنا وأزياءنا فهي زاهية بألوان طيف زاه على جبالنا وسهولنا وودياننا وأهوارنا وصحارينا، كاسيا أبداننا بألوان أزيائنا الزاهية.. أجل يا أخي في الجيرة، إن عراقيتنا وخصوصيتنا تكمن في تعدد القومية والدين والمذهب عندنا، ففينا العربي والكردي والتركماني والآشوري والكلداني، وفينا المسلم والمسيحي واليزيدي والصابئي، وفينا الشيعي والسني.. أجل كل هذا فينا، فنحن نسيج ملون من القوميات والأديان والمذاهب، ونحن أمة واحدة من عرب وكرد وقوميات أخرى.. أجل هذا هو العراق، عراق الأمة العراقية.
أجل يا أخي في الجيرة، هذه خصوصية العراقيين، فان كنت اخا فإنا إليك اقرب من حبل الوريد، وان كنت صديقا فإنا اقرب إليك من حبل الشريان، وان كنت غريبا فإنا اقرب إليك من الشقيق، وان كنت في ضيق فإنا اقرب إليك من الصديق.. اجل يا اخي العزيز في القلب كنا لك كل هذا، اجل يا أخي كنا لك نوفر الأمان في زمن كان كل السبل أمام الجميع مسدودا والسيف كان على الرقاب ممدودا، والضحايا بالألوف والملايين كانت قربانها فقط من العراق.
اجل يا أخي، كنا معك أمينا، كنا لك حاميا، كنا لك كريما، كنا لك حنونا.. ولكن مقابل هذا ما ذا أصابنا؟ أصابنا نزف للدم، فننزف دما غزيرا وصار فينا جرحا كثيرا، وفوق هذا تنثر الملح على جروحنا.. اجل يا أخي، فإذا بنفر منكم، تزفر موتا لتقتل فلذات أكبادنا وتفجر أمهاتنا وآبائنا وأخواتنا وإخواننا وزوجاتنا وبناتنا وأولادنا.. أجل يا أخي، يفجرون ويذبحون رجال قومي من شرطة وحراس وجنود ومهندسين وفنيين وعمال وخدميين، وهم أحفاد اللذين كانوا لدين محمد (ص) حافظا امينا وناصرا مبينا في كل زمان ومكان، خاصة في زمن كاد أن يذر بكل رجال العرب والمسلمين امام ابواب القدس، فكان لحفيد الاكراد والعراقيين وسلطان المسلمين صلاح الدين الايوبي المنقذ الأمين لحماية امة الإسلام من الفناء والزوال.
اجل يا أخي من أهل جيرتي، اكتب لك هذا لأصحو بك إلى الصباح الجديد الذي كنا في اشراقها سببا، لأنهض بك من ركام الحريق الكبير الذي كان في إشعاله بطل مغوار، حامي أمة العرب صدام، سببا مأجورا.. أجل يا أخي أدعوك لأخرج بك من سبات ظلمات عوالم عاتية، إلى عوالم فيها مشاعل للحرية والإنسانية، لأرسي بك في شاطيء الأمان وأريح بك من ساحات الحروب والقتال، لأصل بك إلى بر الأمان ودرب السلام.
اجل يا أخي من أهل الجيرة في الشام وغور الأردن والحجاز ونجد ويمن السعيد، اكتب لك هذا لاعاتب سيد قومكم الكريم، وأقول له نحن العراقيين، أحفاد صلاح الدين منقذ ديار المسلمين من الضياع والزوال، لماذا هذا الغدر بنا، المتسم بالهمجية والعدوان المتسم بالوحشية، من نفر من أفراد لكم، يملكون قلوبا لا رحمة فيها ولا شفقة، وهم من أبناء رعيتكم؟ لماذا هذا الإصرار من هؤلاء النفر -وهم بمسميات فردية وجماعية- على سفك دماء العراقيين بهذه الصورة الموحشة التي تقطع الأبدان وتشقق القلوب؟ لماذا هذا الإلحاح على أذية العراق وإلحاق الضرر والتخريب بمؤسساتها وأنظمتها الخدمية وأجهزتها المدنية؟ لماذا هذا التفجير لدور العبادة من المساجد والحسينيات والكنائس؟ لماذا كل هذا الكره تجاه شعبي وقومي، لماذا هذا الكره تجاه العراق؟ لماذا اقتحام حفلات الزواج وتفجيرها وهي مكملة لنصف الدين؟ لماذا وألف لماذا مرسوم أمامك يا أخي في الجيرة، وأدري أنك بريء منهم ولكنهم نفر منكم ومن قومكم.
اجل أعاتبكم يا أخي في الجيرة، لأن البعض منكم لا يريد منا أن نحلم بالعهد الجديد، ويريدون منا أن نعود إلى سبات العهد القديم، مأسورين ومجروحين.. اجل أعاتبكم لأقول لكم برغم همومنا ومناجاة آلامنا ان حلمنا بالعراق الجديد قد انطلق، وها قد فتح أول صفحات لكتاب الحلم العراقي الجميل، وأول صفحة منه انتخابات الشرعية التي ستطلق شرارة العراقيين للوقوف بوجه الارهاب يدا واحدا، صفا واحدا. أجل ستقف امة العراق وقفة واحدة لتقول للعالم ها قد نهضنا فنحن امة لا نركع للإرهاب الذي يسفك بدماء أمهاتنا وأطفالنا، نحن أمة لا نركع للإرهاب الذي يفجر دور عباداتنا المقدسة من مساجد وحسينيات وكنائس، نحن أمة لا نركع لإرهاب يضرم النار بمواردنا ويخرب مياهنا ويدمر أرزاقنا.. أجل نحن أمة فيها لا يركع العراقي حتى وقد ضاق به الصعاب.
أجل يا أخي في الجيرة، لكي نعبر عن الأخوة بالحسنى بين أهل الجيرة، لا بد أن نشق بيننا جسرا للسلام، جسر تعبر عليه قوافل المحبة والمودة والخير، لا أن تعبر عليه قوافل لا تريد للمحبة منهجا ولا للمودة مسلكا ولا للسلام دربا. ولهذا أناديك أنت يا أخي في الجيرة، إن كنت من ديار السعودية أو بلاد الأردن أو سوريا أو في اليمن أو في بلد أخر، إن كان لك قريب من أخ أو شقيق أو أب، وممن وسوس له أهل الضلالة ويريد إلحاق الأذية بالعراقيين والمسلمين، كن أنت أول الساعيين الى مد يد العون له ومهد له طريق الهداية، وأبسط له يدك لعلك تسعفه وتنقذه من الدرب الذي أوقع نفسه في.. يا أخي في الجيرة، مد له يد المحبة والمودة لعله يسمعك ويعود الى الرشد والعقل.. يا أخي إقتح له قلبك و اسأل عنه واستفسر عنه لتجده وتحضنه بصدرك الحنون، وتعيد به الى حضن أهله وأولاده.. أجل يا أخي أبسط له ذراعك، ستجده حتما في مكان ما في العراق أو في خارج العراق وهو يبغي الدخول إليه، وقول له إن أبوة أبيه وأمومة أمه لم ينجباه ليكون بدنا بلا قلب وصدرا بلا رحم، بل أنجباه كإنسان له قلب من الرحمة.
أجل يا أخي في الجيرة، تحرك واسأل عن من تشك أنه ابتعد عن درب الهداية والسلام والتسامح، بفعلك هذا ستنجو بقريبك وترسي به الى طريق الإسلام الصحيح. بفعلك هذا ستنجو بقريبك وتضعه على طريق الإيمان المشهود بالتسامح وتقدير الانسان أيا كان وعلى أي دين كان وبأي لون كان، لأنه نفس وروح مخلوق، عزه وكرمه الرحمان الرحيم في القران الكريم فجعل منه خليفة على الأرض لتزهو به الجبال والصحارى وتعلو به مكارم الأخلاق في السلوك والعمل، وتفخر به الدين والإيمان في الصالح من الأعمال، وتزهو به الخلق في حب السلام وفي طيبة النفس وحكمة العقل.. أجل يا أخي في الجيرة، سيكون لفعلك خيرا كثيرا، وهداية كبيرة.. وستكون لجيرتنا فيها نبع للأخوة ومنبت للإنسانية، و بهما سوف تزداد القلوب ألفة ومحبة ومودة، وأنت على دراية إن قلوب العراقيين فيها من الصفاء والمودة ما يكفي لحضن كل قلوب أهل الجيرة.
* كاتب عراقي كردي من اقليم كردستان
التعليقات