إنّ الحكومة التركية ووسائل الإعلام التركية أخذتْ تملأ الدنيا صراخاً وعويلاّ منذ تحرير العراق من الحكم البعثي الفاشي قائلة أنّ التركمان مضطهدون في العراق مدعيةّ أنها تُدافع عن حقوقهم. لو أجرينا مقارنة بين وضع التركمان في ظل نظام صدام حسين ووضعهم في العراق الجديد، نرى أنّ التركمان خلال الحكم البعثي تعرضوا للإبادة والتعريب والتبعيث وتم تهجيرهم من ديارهم الى المناطق الوسطى والجنوبية وإلى كردستان بعد أن تم ألإستيلاء على ممتلكاتهم. لم تسمح السلطات البعثية أن يشكل التركمان أحزاباً أو منظمات أو جمعيات أو مدارس خاصة بهم ومنعتهم من تعلم لغتهم الأُم وعانوا من الإرهاب والبطش كما عانت الأطياف العراقية الأخرى، بينما بعد تحرير جزء من كردستان من براثن الحكم الصدامي في عام 1991 وجعله منطقة آمنة لشعب كردستان من قبل قوات التحالف الدولي بعد تحرير الكويت من الإحتلال البعثي، بدأ التركمان بالتمتع بنسيم الحرية في كردستان في ظل الحكومة الكردستانية الفتية فبدؤوا بتأسيس أحزابهم و منظماتهم وجمعياتهم وبدء أطفالهم بتعلم اللغة التركمانية لأول مرة في تأريخهم ودبت الحياة في الحركة السياسية والثقافية والأدبية والفنية التركمانية في كردستان وأصبحتْ لهم محطات البث التلفزيونية والإذاعية وصحفهم ومجلاتهم ووسائل إعلامهم ليعيشوا أحراراً في بلدهم ولا زالوا مستمرين في ممارسة هذه الحقوق في العراق الجديد. من هنا نرى أنّه لا يمكن مقارنة وضع التركمان في العراق في عهد صدام حسين و الوضع الممتاز الذي يعيشون فيه سواء في إقليم كردستان أو في العراق الجديد حيث أصبحوا أحراراً ولأول مرة في تأريخهم الحديث منذ تأسيس الدولة العراقية و يتّم الإعتراف بهم كقومية في العراق لها حقوقها المشروعة كما للقوميات الأخرى. إذن من حق المرء أنْ يتساءل إذا كان النظام التركي يدافع عن حقوق التركمان في العراق كما يدعي، فلماذا تحالف هذا النظام مع النظام البعثي في العراق في الوقت الذي كان التركمان يتعرضون للإبادة والترحيل والتعريب ومحرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية وكان النظام البعثي يقوم بتغيير هوية المواطن التركماني الى الهوية العربية؟ لماذا تملأ الحكومة التركية وصحفها الدنيا صراخاً وعويلاً مدعية أن حقوق التركمان مهضومة في العراق الجديد وأن الأكراد يضطهدونهم في الوقت الذي أصبح التركمان أحراراً لأول مرة في تأريخهم وثُبتتْ حقوقهم في قانون إدارة الدولة المؤقت العراقي وسيعترف الدستور الدائم بهذه الحقوق أيضاً وفي الوقت الذي تدافع القيادة الكردية عن حقوق التركمان كما تدافع عن حقوق الأكراد؟ إنّ سبب التباكي الكاذب للحكومة التركية على المظالم التي يتعرض لها تركمان العراق في العراق الجديد هو تمتع الشعب الكردي بحقوقه في العراق كما يتمتع بها العرب و التركمان والكلدان والآشوريون والأرمن. إنّ النظام التركي يحاول جاهداً وبكل الوسائل الممكنة حرمان الشعب الكردي في العراق من التمتع بحقوقه المشروعة لأنّ حرية الكرد في العراق ستحفّزالشعب الكردي في تركيا على المطالبة بحقوقهم المشروعة التي هم محرومون منها. كما أنً محاولة الحكومة التركية في التدخل في الشؤون الداخلية للعراق تأتي أيضاً من تخوف تركيا من زيادة النفوذ الإيراني في العراق من خلال مشاركة الشيعة في الحكم بالرغم من أنّ الشيعة هم الأكثرية في العراق وكانوا محرومين من أبسط الحقوق الإنسانية في العهدالبعثي..

قبيل تحرير العراق من السلطة الفاشية من قبل قوات التحالف، بدأت الحكومة التركية و جنرالاتها بإطلاق تهديداتها بالقيام بغزو كردستان وكأنما لا يدركون بأنّنا نعيش في ظل نظام عالمي جديد وأن الحرب الباردة قد إنتهتْ وأن الأهمية الإستراتيجية لتركيا للولايات المتحدة الأمريكية قد إنخفضتْ بشكل كبير مقارنة بفترة الحرب الباردة مما إضطرتْ الحكومة الأمريكية الى إرسال وزير خارجيتها آنذاك، كولن باول، إلى تركيا لإفهام الأتراك بأنّ العالم قد تغّير و قابلَ خلال هذه الزيارة المسؤولين الأتراك وخاصة رئيس أركان الجيش التركي لعلم الأمريكان بأن الجنرالات في تركيا هم الحكام الفعليين لها وأفهمهم باول بأنّ الأمريكان لا يسمحون للأتراك مطلقاً بأن يتدخلوا في الشؤون الداخلية للعراق وخاصة القيام بأي عمل عسكري ضد كردستان العراق وحذّرهم من عواقب ذلك، حينئذ عادت جنرالات تركيا إلى رشدهم وإستوعبوا الإشارة الأمريكية وإستسلموا للأمر الواقع. إلاّ أنّ محاولاتهم لزعزعة الإستقرار في كردستان إستمرت وذلك بتخطيط المخابرات التركية للقيام بإغتيال مسؤولين أكراد و خاصة في مدينة كركوك لخلق الفوضى والخلافات بين الأكراد والتركمان هناك ولإيجاد ذريعة للتدخل في شؤون كردستان بحجة الدفاع عن التركمان، إلاّ أنّ الإدارة الأمريكية أوقفتهم عند حدهم وأهانتْ الجيش التركي وجرحتْ كبرياءه وذلك بالقيام بإعتقال عدد من ضباطه الذين كانوا متواجدين في مدينة السليمانية و نقلهم مخفورين الى بغداد والإحتفاظ بهم هناك لعدة أيام. كانت هذه الحادثة إهانة كبيرة للحكومة التركية وخاصة للجيش التركي،حيث يلّقّن النظام التركي شعبه بإستمرار بأنّ هذا الجيش هو جهاز مقدس لا يجوز المساس به أو إنتقاده. إنّ الأمريكان طعنوا في قدسية هذا الجيش وأحرجوا النظام أمام شعبه. إلّا أنّ تركيا لم تتوقف عن محاولاتها المستميتة في إيجاد موطئ قدم لها في كردستان وهذه المرة كانت محاولة ملتوية وخادعة منها للتدخل في شؤون كردستان وبالتالي إجهاض التجربة الديمقراطية فيها، عندما عرضتْ إرسال قوات عسكرية الى العراق لحفظ الأمن فيه، إلاّ أنّ القيادة العراقية، وخاصة القيادة الكردستانية أحبطت هذه المحاولة في مهدها وبذلك تم رفض العرض التركي المذكور. بعد ذلك بقيتْ الوسيلة الوحيدة أمام النظام التركي في محاولته تحقيق أهدافه الخبيثة، هي تحريض الأحزاب التركمانية العراقية، التي قامت المخابرات التركية بإنشائها من بين صفوف التركمان الذين كانوا يعيشون في تركيا كلاجئين أثناء فترة الحكم البعثي البائد في العراق،لإثارة المشاكل والإقتتال ضد الأكراد وخاصة في مدينة كركوك والتي يأمل النظام التركي من ورائها خلق ظروف مؤاتية لتحقيق حلمها في إحتلال ولاية الموصل، التي تدعي تركيا بعائديتها التأريخية لها، وبذلك يستطيع الإستيلاء على نفط كركوك وتقويض الحكومة المحلية لكردستان وبالتالي حرمان الشعب الكردي من أبسط حقوقه القومية والإنسانية كما هو الحال بالنسبة لإخوانهم الأكراد في الجانب الآخر من الحدود الذين يعيشون في ظل النظام التركي، و خلق توازن في المنطقة للحد من النفوذ الإيراني بعد إنهيار النظام العراقي البائد وإشتراك شيعة العراق في الحكم، أو على الأقل تحقيق بعض هذه الطموحات إنْ لم يتمكن النظام التركي من إحتلال ولاية الموصل القديمة والذي يكون تحقيقه غير ممكن في ظل الظروف الدولية المستجدة. هنا يجب التأكيد بأنّه لولا الولايات المتحدة الأمريكية وجبروتها، لَأقدمتْ تركيا على غزو كردستان ولَعمل على إبادة الشعب الكردي، إلاّ أنّ من حسن حظ الكرد أنّ تركيا، في ظل الظروف الدولية الحالية، لا تستطيع تنفيذ مخططاتها التوسعية في المنطقة وخاصة بعد إنتهاء الحرب الباردة و تحرير العراق من الدكتاتورية، حيث أصبحت الأهمية الإستراتيجية لتركيا قليلة مقارنة بالفترة السابقة،. لذلك عندما تقوم تركيا بتحريض الأحزاب التركمانية العراقية الموالية لها، على إستعمال العنف ضد الأكراد في كركوك فأنّها تكون حذرة وقلقة خوفاً من التأثير على المصالح الأمريكية وبالتالي مواجهة رد فعل أمريكي غير سار تجاه أنقرة حيث أنّ الأمريكيين لم يتركوا للأتراك أي مساحة ولو صغيرة للمناورة للتدخل في الشؤون الداخلية للعراق والإضرار بالمصالح الأمريكية في المنطقة..

إنّ العراق دولة مستقلة ذات سيادة وعضو في الأُمم المتحدة، لذلك فلا يحقّ لتركيا التدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد. إذا شعر التركمان بالإضطهاد أو الغبن في العراق الجديد، فأنّ بإستطاعتهم مطالبة الحكومة العراقية برفع ذلك الإضطهاد أو الغبن عنهم والتمتع بكافة حقوق المواطنة كغيرهم من المواطنين العراقيين. إذا لم تستجب الحكومة العراقية لمطالبهم العادلة، عندئذ فإمكانهم الإلتجاء الى منظمات حقوق الإنسان العراقية والأوروبية والدولية وإستعمال الوسائل الديمقراطية كالمظاهرات السلمية والإضرابات والإعتصامات لتحقيق مطالبهم العادلة بعيداً عن العنف أوالتهديد بإستعماله. حيث أن النظام الدكتاتوري الشمولي إنتهى وأن النظام العراقي الجديد هو نظام ديمقراطي فيدرالي تعددي يحترم حقوق الإنسان و حقوق القوميات والأقليات والأديان والطوائف، وعليه فأنّ بإمكان أي مواطن أوقومية كالقومية التركمانية أن تجعل الحكومة العراقية تعترف بحقوقها كاملة عن طريق إتباع الوسائل الديمقراطية المتوفرة في هذا البلد بعيداً عن تخرصات وتهديدات النظام التركي بالتدخل في شؤون دولة مستقلة مثل العراق..

إنّ من مصلحة الشعب التركي أنْ يتمتع الشعب الكردي في تركيا بحقوقه السياسية والإجتماعية والثقافية الكاملة ومنها حق تقرير المصير وأن تُنهي الحكومة التركية أفكارها الطورانية العنصرية التي عفا عليها الزمن وأصبحتْ جزء من الماضي وتركيز جهود الشعبين التركي والكردي للعيش في ظل نظام ديمقراطي فيدرالي تعددي تسوده العدالة والسلام والتفرغّ للبناء ومواكبة العصر والتعاون والتكاتف معاً من أجل تقدم وإزدهار بلدهم ورفاهية مجتمعهم بدلاً من الدخول في معمعة الحروب وإزهاق الأرواح وتدمير البلاد وتخريب الإقتصاد وأحداث الماضي القريب تُذّكرنا بالمآسي والويلات التي عاشها الشعبان هناك. إنّ من الغباء حقاً أن تستمر الحكومة التركية في سياستها القديمة الخاطئة التي إتبعتها منذ تأسيس الدولة التركية الحالية دون مراعاة التغييرات العالمية الكبرى التي حدثت منذ ذلك التأريخ بدء بإنهيار الإتحاد السوفيتي ومروراً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر وثورة المعلومات وحضور قوي في الشرق الأوسط لإنتشار مبادئ و أفكار ليبرالية لقيم الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان وقبول الآخر والتي جسدتها تجربة الإنتخابات الديمقراطية في العراق وإنتهاء بتحرير العراق من الدكتاتورية ومشروع الشرق الأوسط الكبير. إلاّ أنّ الأوساط التركية الحاكمة لا تزال ملتزمة بأفكارها الطورانية العنصرية متجاهلة كل هذه المتغيرات ومتمسكة بسياسة العصا الغليظة مع الشعب الكردي. بدلاً من الإعتراف بحقوق الشعب الكردي في تركيا بما فيها حق تقرير المصير ومن ثم البدء بالتفرغ لبناء البلد وإنعاش الإقتصاد المتدهور و توفير الرفاهية الإجتماعية والإقتصادية لشعوب تركيا، فأنّ الحكومة التركية تريد زج بلادها في حروب ودمار وأن تدفع شعوبها نحو التهلكة والكوارث في محاولتها اليائسة والمستحيلة لتصبح شرطياً في المنطقة لمنع الشعب الكردي في الأجزاء الأخرى من كردستان و خاصة في العراق، من تحقيق مطامحه المشروعة لكي لا تصل شرارة الحرية الى شمال كردستان (الجزء المحتل من قبل تركيا). إلّا أنّ النظام التركي سيفيق من أحلامه قريباً ليجد نفسه قد فاته الزمن والتأريخ. قبل أيام، صرح وزير الخارجية التركية، عبدالله غول، بأنّ التركمان العراقيين هم أقاربه. طبعاً هذا النفاق الكاذب يأتي لإستغلال التركمان لخدمة النظام التركي كما أسلفت سابقاً، إلاّ أنّ هذا التصريح العنصري الغبي كان إستفزازاً خطيراً لمشاعر الشعب الكردي وخاصة في كردستان تركيا حيث أنّ الشعبين الكردي والتركي يعيشان معاً منذ قرون عديدة.يتساءل المواطن الكردي لماذا عبدالله غول لا يعتبر نفسه قريباً له حيث يعيشان معاً في نفس الدولة؟ إنّ مثل هذه التصريحات اللامسؤولة تحدث شرخاً كبيراً في العلاقة بين الشعبين الكردي والتركي مما يجعل من الصعب جداً للشعبين أن يعيشا معاً في بلد واحد. إنّ منطقة الشرق الأوسط بدأت تدخل في تحولات و تغييرات كبرى التي ستُرغم الحكومة التركية للتجاوب مع هذه التطورات ولا تستطيع تركيا الإستمرار في تجاهل الواقع الجديد في المنطقة والتمسك بأوهام أيام الإمبراطورية العثمانية التي ولّتْ الى غير رجعة ومن الحكمة للحكومة التركية الإعتراف الكامل بحق الشعب الكردي في تركيا في تقرير مصيره بنفسه وإلّا ستسحقها رياح التغيير بلا رحمة..

إنّ الأحزاب التركمانية الموالية لتركيا تعمل جاهدة، بتحريض من الحكومة التركية، لخدمة المخططات التركية والتي هي ضد مصلحة التركمان العراقيين.إنْ خدمة مصالح النظام التركي من قبل الأحزاب التركمانية الموالية له، ستكون على حساب التركمان في العراق لأنّ مصالح الطرفين متباعدة ولا تلتقي مع البعض. تقف هذه الأحزاب ضد تطبيق المادة الثامنة والخمسين من قانون إدارة الدولة العراقي المؤقت التي تنص على تطبيع الأوضاع في كركوك وذلك بعودة الأكراد والتركمان الذين رحلّهم النظام البعثي البائد وإعادة ممتلكاتهم المغتصبة إليهم ورحيل العرب الوافدين الذين أتى بهم النظام البائد وأسكنهم في كركوك، الى مناطقهم الأصلية في وسط وجنوب العراق. إنّ هذه الأحزاب تضحي بمصالح التركمان بهدف منع عودة الأكراد المهجرين الى ديارهم وبيوتهم وإبعادهم من مدينتهم لتخفيض الكثافة السكانية للأكراد في هذه المدينة النفطية وسلخ كركوك من كردستان وبذلك ليتّم حرمان شعب كردستان من الحصول على مقومات تأسيس دولة كردية لهم كما يدعون، مدافعةً عن السياسة العنصرية التي إتبعها صدام حسين لإبعاد الكرد والتركمان من كركوك وذلك بالإبقاء على التعريب البعثي. هذا هو هدف النظام التركي لحرمان الشعب الكردي في العراق من حقوقه المشروعة وذلك تفادياً للتأثير الذي ُيحدثه تمتّع الشعب الكردي في العراق بحقوقه، على الشعب الكردي في تركيا للوصول الى تحقيق أمانيه المشروعة. هل من الإنصاف المطالبة بعدم عودة المواطنين الأكراد، الذين أُخرجوا عنوة من بيوتهم و من موطن آبائهم وأجدادهم؟ حتى فيما لو أنّ الأكراد كانوا لوحدهم تعرضوا للتهجير من دون المواطنين التركمان، فإنّ الوازع الأخلاقي والديني والإنساني يحتّم على الإنسان الدفاع عن حقوق المظلومين أينما كانوا بغضّ النظر عن قوميتهم أو دينهم أوطائفتهم أو جنسهم. من المواقف الأخرى للأحزاب التركمانية الموالية للنظام العنصري التركي الذي يلحق الضرر بحقوق القومية التركمانية في العراق، هو الموقف المعادي لهذه الأحزاب من إقرار نظام فيدرالي في العراق. إنّ النظام الفيدرالي لا يعني تقسيم العراق كما تدعي هذه الأحزاب، بل يعني توزيع السلطات بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم وإدارات المحافظات لإيجاد آلية شفافة ولامركزية للقضاء على البيروقراطية الإدارية ومنع بروز دكتاتورية مركزية في البلاد بالإضافة الى منح القوميات و الأقليات الإثنية و الدينية والطائفية في العراق ومن بينها القومية التركمانية، سلطات وصلاحيات تتيح لها أن تحافظ على وجودها وهويتها وتراثها وخصوصيتها والقيام بإدارة شؤونها بنفسها ضمن الحدود التي يرسمها الدستور العراقي الدائم. النقطة الرابعة هي قيام هذه الأحزاب بمعادات الشعب الكردي والعزف على وتر التعصب القومي ونشر روح الكراهية ضد الكرد والتحريض على خلق الفتن والمشاكل والإقتتال بين الأكراد والتركمان. إن هذه السياسة الخاطئة لا تخدم القومية التركمانية أبداً، بل تضرها كثيراً لأنّ بث روح المحبة و التعاون والحواروالتوافق هو الطريق الصائب لتمتع كافة الأطياف العراقية، بما فيها التركمان، بحقوقها ويبعدها عن مآسي الإقتتال والفوضى والخراب. الخطأ الخامس لهذه الأحزاب هو المبالغة الكبيرة في تقدير نفوس التركمان في العراق و التي قد تدفع التركمان الى سوء التقدير في الدور الذي بمقدورهم أن يلعبوه في الساحة العراقية والكردستانية. إنّ نتائج الإنتخابات في المناطق التي يتواجد فيها التركمان ستكشف هذه المبالغات والإدعاءات لهذه الأحزاب و أنّ إجراء الإحصاء السكاني في العراق في المستقبل سيظهر الحجم الحقيقي لكل طيف من الأطياف العراقية. هنا لا أحاول التقليل من الدور المهم للتركمان في العراق، بل بالعكس حيث أن المواطنين العراقيين متساوون في الحقوق مهما كان عدد نفوسهم وأنَ عهد المواطنة الناقصة والمواطنة بدرجات قد ذهب الى غير رجعة.

:إنّ من مصلحة التركمان أن يكونوا جزء من شعب كردستان للأسباب التالية:
ا. في هذه الحالة سيكتسبون نفوذاً وسلطة أكثر. لنفرض أنّ نفوس التركمان في العراق هي ثلاثة بالمائة، وهذا يعني أنهم سيشغلون ثمانية مقاعد فقط من مجموع مائتين وخمسة و سبعين مقعداً في البرلمان العراقي وهذا العدد الضئيل لا يؤهلهم للعب دور كبير في رسم السياسة العراقية، بينما في حالة إنضمامهم الى إقليم كردستان، ستكون لهم ثلاثة عشر مقعداً في البرلمان الكردستاني من مجموع مائة و أحد عشر مقعداً أي بنسبة إثنتي عشر بالمائة والتي تمنحهم صوتاً مسموعاً في إقرار التشريعات والقرارات التي تُصدر في الأقليم بالإضافة الى تمكنهم من أن يلعبوا دوراً رئيسياً في الإدارة المركزية في بغداد من خلال وجودهم ضمن الكتلة الكردستانية.
۲ إنّ كردستان غنية بمواردها النفطية والمعدنية والسياحية والزراعية مما تعني ازدهار ورخاء الإقليم وارتفاع المستوى المعيشي لسكانه ومن ضمنهم التركمان.
3 إنّ العلاقات بين التركمان و الأكراد جيدة نتيجة للتزاوج والجيرة والعشرة الطويلة لذلك أنهم يفهمون بعضهم الآخرجيداً ويتفاعلون معا بسهولة وبشفافية، حيث يعرف أحدهما لغة الآخر في المناطق المختلطة.

4 إنّ التركمان سيحصلون على المساعدات والخبرات من الشعب الكردي في المجالات الإدارية والتنظيمية وغيرها التي إكتسبها خلال فترة حكمهم..

5 وأخيراً فأنّ الأكراد و التركمان يعيشون معاً وقدرهم هو أن يستمروا في هذا العيش المشترك ويتكاتفوا ليبنوا بلدهم ويلتحقوا بركب الدول المتطورة وأن الإقتتال والإحتراب ليستا في مصلحة الشعبين أبدا.ً

من المعروف أن لكل دولة في العالم مصالحها الخاصة وتبني علاقاتها مع الدول الأخرى علىضوء تلك المصالح، لذلك فأنّ الحكومة التركية تفكر بمصالحها فقط، وفي إدعائها أنها تدافع عن القومية التركمانية في العراق، انما تستغل التركمان للوصول الى أهدافها وعلى القوى التركمانية أن تُدرك أن تركيا تدفع التركمان الى التهلكة و تجعل منهم كبش فداء لمصالح المافية العسكرية والسياسية التركية لأنّ تركيا ستكون غير قادرة على الدفاع عن التركمان إذا دخلوا في إقتتال مع الأكراد في كركوك حيث أنْ أي تدخل عسكري تركي يعني إعلان حرب على الولايات المتحدة الأمريكية وهذا الأمرلا تجرؤ تركيا حتى مجردالتفكير به أبداً. وعليه فأنّ تهديداتها بالتدخل العسكري في كركوك إنما هي وسائل دعائية، الغرض منها تخويف القيادة الكردية بها ورفع معنويات الأحزاب التركمانية الموالية لها وللإستهلاك الداخلي حيث أنّ النظام التركي يعلّم الطفل التركي منذ صغره، ليردد العبارة المشهورة «أنا تركي وأنا سعيد أنْ أكون تركياً« ولذلك عليه أن ُتبرز عضلاتها أمام الشعب التركي لتدعي بأنّ تركيا دولة عظمى وبإستطاعتها مناطحة أمريكا لتضليل الرأي العام التركي. إنّ النظام التركي يذرف دموع التماسيح على المظالم التي يتعرض لها التركمان في العراق في الوقت الحاضر، فلو أنّ هذا النظام كان صادقاً في إدعاءاته، لدافع عن التركمان عندما هجرهم نظام صدام من كركوك وكان في مقدور تركيا التدخل للدفاع عن التركمان بسهولة نظراً لضُعف النظام العراقي آنذاك. من هنا يجب على الكرد والعرب و التركمان والكلدانيين والآشووريين في إقليم كردستان أن يدركوا بأنّ قدرهم هو العيش معاً، وعلى كل قومية أن تتقبل الأمر الواقع الذي لا مناص منه والإعتراف بالقوميات الأخرى وأن تُشّمر عن سواعدها لبناء الوطن وخدمة أبنائه دون الإستماع الى تخرصات الأعداء. يجب على كافة أبناء كردستان زرع الثقة بينهم وزرع ثقافة الإعتراف بالآخر والتوصل الى حل المسائل المطروحة بالتوافق وبالوسائل الديمقراطية السلمية المتحضرة ونبذ ثقافة العنف والكراهية وإلغاء الآخر ولنأخذ الدروس والعبر من الدمار والموت الذي تعرض لهما الشعب العراقي و شعب كردستان في الماضي القريب والى الحالة المأساوية التي تعيشها شعوب المنطقة التي تعاني من الإستبداد و التخلف والأمية والفقر والمرض والحرمان والحروب والدمار.

من أجل خلق نظام ديمقراطي عادل في إقليم كردستان، يجب أن يحتضن الشعب الكردي كل القوميات الأخرى المتعايشة معه وأن تقوم الإدارة الكردستانية بتقديم كل الدعم و إستثمار الخبرات التي إكتسبتها خلال السنين الماضية من حكمها لمساعدة القوميات العربية والتركمانية و الآشورية والكلدانية لكي تمارس حقوقها السياسية والثقافية والإجتماعية وإنشاء أحزابها ومدارسها وجمعياتها و ونواديها الثقافية والإجتماعية والفنية والرياضية الخاصة بكل قومية وبكل حرية ودون وصاية أحد، للمحافظة على وتطويروإثراء لغاتها وثقافاتها وتأريخها وفنونها وآدابها وتراثها. بخلق مثل هذا النظام العادل الذي يعترف بالآخر ولا يفرق بين المواطنين بسبب القومية أو الدين أو المذهب أوالجنس أوالعقيدة ويعمل على إزدهار الإقليم والعراق بشكل عام ويقدم الخدمات الضرورية للمواطنين ويؤمن لهم الضمان الإجتماعي والصحي وضمان ضد البطالة وفرص العمل وغيرها، فأنّ المواطن العربي والتركماني والآشوري والكلداني والكردي سيشعر بروح الإنتماء الى الوطن ويتفانى في خدمة شعبه ووطنه ويقطع الطريق أمام دولة مثل تركيا لإستغلال التركمان لخدمة نظامها.

نفهم مما سبق، أنّ من مصلحة القوميات التي تعيش في كردستان أن تتعاون فيما بينها لتأسيس نظام سياسي ديمقراطي عادل يتساوى في ظله المواطنون كافة وأن يتحلى الجميع بقبول الآخر وبروح التوافق واللجوء الى الوسائل الديمقراطية الحضارية لحل المسائل العالقة وترك التعصب ومآسي الماضي وتحريم إستعمال العنف والسلاح والقوة والبدء ببناء الإقليم وبالتالي بناء العراق للإرتقاء ببلدهم الى مستوى البلدان المتقدمة بتوفير مستلزمات العيش الجيد للمواطنين و رفع مستواهم الفكري والثقافي والتعليمي والعلمي والتكنولوجي والمادي والصحي وبناء المدارس والمعاهد والجامعات والمستشفيات والمعامل والمصانع وشق الطرق والتوصل الى إبتكار التقنية الحديثة وتوفير فرص العمل وسن قوانين عصرية للضمان الصحي والإجتماعي والتقاعد وتعويض البطالة والإهتمام برعاية الطفولة والشيخوخة والإعتراف الكامل بحقوق المرأة. إن السير على هذه الخطى، سيؤهلنا لنصبح جزء فعالاّ من المجتمع المتحضر، نساهم في بناء صرح الحضارة الإنسانية ولنترك الحروب والبطولات والقتل والدمار والشعارات الجوفاء للعروبيين والإسلامويين الذين أصبحوا خارج الزمن والتأريخ. ليحتضن التركماني والعربي و الكلداني والآشوري والكردي بعضهم البعض وليتحدوا معاً من أجل غد سعيد لأنفسنا وللأجيال القادمة ولنعزل العنصريين وأسيادهم ونمضي قُدماً لتحقيق حياة كريمة سعيدة لأبناء كردستان والعراق.



[email protected]