هذه الكتابة هي رد على مقالة للصحفي خالد القشطيني التي كانت بعنوان “سؤال للمواطن الكردي: مالفائدة من الإستقلال؟ والتي نُشرتْ في إيلاف قبل فترة. يبدي السيد القشطيني برأي عنصري خطيرداعياً إلى تعريب الشعب الكُردي والقضاء على لغته وثقافته وأدبه وفنه ضاماً صوته الى أصوات العروبيين الذين يدعون الى تعريب الشعوب غير العربية المتعايشة مع العرب. إنّ هؤلاء يعتبرون الكُرد جزء من الأمة العربية وكُردستان أرض عربية أي جزء من الوطن العربي والذين يدعون الى إلغاء الآخر و إلغاء هويته وخصوصيته. إنّ رأي الأستاذ القشطيني هذا يؤيد ضمنياً ما قام به الدكتاتور الجرذ صدام حسين من تعريب الشعب الكردي وذلك بتغيير قومية المواطنين الأكراد من الكُردية الى العربية في السجلات الرسمية العراقية وتعريب المدن والقرى الكُردية بتهجير المواطنين الكُرد من كُردستان الى وسط وجنوب العراق كما حصل في مدن كركوك وخانقين ومندلي وسنجار وغيرها. السيد القشطيني يدعو الأكراد الى ترك إستعمال اللغة الكردية وإستخدام اللغة العربية بدلا من الكردية، بإدعائه أن اللغة الكردية هي لغة بدائية ومتخلفة. لا أفهم كيف يسمح الكاتب المذكور لنفسه بالحكم على بدائية اللغة الكردية وتخلفها في الوقت الذي يجهل التكلم باللغة الكردية وليس له أي إلمام يذكر باللغة والأدب والفن الكردية حسب ما يستنتج المرء عند قراءة مقالته؟ هناك العديد من المنظمات والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة والدول الأوروبية التي تعمل جاهدةً للمحافظة على الأقوام واللغات المهددة بالإنقراض والفناء وينفقون الكثير من الجهد والمال في تحقيق هذا الهدف السامي. في بلد مثل السويد، تنفق الحكومة السويدية أموالاً طائلة على تعليم أطفال الأجانب الذين يعيشون في السويد، لُغاتهم الأُم، فنجد هؤلاء الأطفال يتعلمون الفارسية أوالتركية أوالكردية أوالإنجليزية أوالصينية أوالسواحلية وغيرها من لغات الدنيا كلاً حسب لغته الأم، للإحتفاظ بهذه اللغات والثقافات المتنوعة لإغناء الحضارة البشرية وتنويعها وتكاملها وتطويرها بشكل فريد و رائع. أنا لا ألوم الأستاذ القشطيني في دعوته الى إفناء اللغة الكردية لأنّ الفكر والثقافة العروبية تُلغي حياة الإنسان فكيف لا تُلغي هوية ولغة الإنسان؟

يدعي السيد خالد القشطيني أنّ كل الدول الأوروبية كانت فيها قوميات مختلفة ولكن سادت لغة واحدة في كل دولة ويأخذ بريطانيا كمثال لإثبات صحة كلامه، حيث تسود اللغة الإنجليزية في كل من إنجلترا وويلز وأسكتلندا وإيرلندة الشمالية، بينما يتهرب من الحديث عن دول أوروبية أخرى مثل سويسرا حيث اللغات الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانية هي لغات رسمية فيها، وبلجيكا حيث اللغتان الفرنسية و الفلمنكية رسميتان فيها، و لكسمبورغ، حيث اللغات الرسمية فيها هي الفرنسية واللوكسمبورغية والألمانية وفي أمريكا الشمالية،في كندا، اللغتان الإنجليزية والفرنسية هما لغتان رسميتان. لماذا نذهب بعيداً، فجارتنا إسرائيل فيها اللغتان العبرية والعربية هما اللغتان الرسميتان في البلاد. لم يحاول أي شعب من هذه الشعوب من أن يسود على الشعوب الأخرى في هذه البلدان التي تتعايش فيها شعوب وقوميات مختلفة ولم يعمل على إستئصال لغات الشعوب الأخرى كما يدعو إليه السيد القشطيني بل يحترم كل قومية خصوصية القوميات الأخرى المتآلفة معها و يحافظ على هذا التنوع الجميل في ثقافات ولغات وتراث الشعوب.

إنّ إنكارالكاتب المذكور لوجود لغة مشتركة بين الأكراد يثير السخرية، حيث أنّ اللغة الكردية شأنها شأن اللغات الأخرى، لها لهجات عديدة. أتذكر عندما كنت أواصل دراستي في إيرلندا الشمالية، كان الأستاذ المشرف على دراستي أسكتلندياً، كلما كنا نقوم بزيارات للريف الإيرلندي معاً، كان أستاذي الأسكتلندي يشكو من صعوبة التفاهم مع القرويين الإيرلنديين لإختلاف لهجاتهم مع البعض رغم أن اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية في كل من إنجلتره وإيرلنده وأنّ الأستاذ المذكور كان قد عاش في إيرلنده لأكثر من ثلاثين عاماً. إنّ الإختلاف بين لهجتي سكّان مدينتي حلبجة والعمادية ربما هو أقل من الإختلاف بين اللهجتين العراقية والجزائرية مثلاً. إنّ إستعمال الأكراد للحروف العربية في جنوب و شرق كردستان (كردستان العراق وإيران على التوالي) واللاتينية في الشمال (كردستان تركيا) و السنسكريتية في كل من أرمينيا و أذربيجان، يعود الى تقسيم كُردستان بين هذه الدول. الحكومات العنصرية في كل من العراق وسوريا وتركيا وإيران والإتحاد السوفيتي السابق لم تسمح للشعب الكردي بإستعمال لغته الأم أو إختيار حروف مشتركة في الكتابة. لقد آن الأوان، حيث نعيش في عصر الديمقراطية وحرية الشعوب وإحترام حقوق الإنسان، أن يبدء اللغويون والمثقفون الأكراد بكل همة ونشاط من أجل العمل لإيجاد وسيلة مشتركة للكتابة الكردية، كما تقع على عاتق القيادة الكردستانية في جنوبي كُردستان مسؤولية تأريخية للإسهام في إنجاز هذه المهمة الوطنية والقومية الكبرى وذلك بتقديم الدعم المادي والمعنوي لللغويين الأكراد لتوحيد الكتابة الكردية والتي هي إحدى المستلزمات الأساسية لتوحيد الشعب الكردي. إنّ تجربة الأتراك في نهاية الحرب العالمية الأولى ماثلة أمامنا في هذا الشأن، حينما إستعملوا الحروف العربية في كتاباتهم منذ هجرتهم الى المنطقة وإستقرارهم فيها الى أن تم تبديلها الى اللاتينية والتي أصبحت اللغة التركية تكتب بها.

يقول السيد القشطيني بأنّ ترك الأكراد للغتهم الكردية وإستبدالها بالعربية سيساعد الأكراد على إيجاد فرص العمل في الدول العربية. إنّ كُردستان غنية ببترولها ومعادنها وزراعتها ومصايفها التي توفر فرص العمل لمواطنيها وربما ستحتاج الى عمالة أجنبية للمساهمة في بناء البلد. وفيما لوأنّ المواطنين الأكراد عملوا في الدول العربية فأنهم يستطيعون إستعمال اللغة الإنجليزية خلال عملهم في هذه الدول كما هو الحال مع الكثير من الأجانب العاملين هناك دون الحاجة الى تغيير هويتهم أو لغتهم.

من خلال التمعن في مقالة الأستاذ القشطيني، يستنتج المرء أنّ هذا الكاتب رغم كونه عراقياً عاش مع الأكراد في بلد واحد ورغم أنه يعمل في مجال الصحافة، إلّا أنّه يجهل أبسط المعلومات عن الشعب الكردي ولغته وأدبه وشعره و فنه وبذلك أوقع نفسه في مأزق لا يحسد عليه بكتابته لمقالته تلك. يذكر بأنّه لم يسمع بأي شاعر كردي، في الوقت الذي ظهر في كردستان شعراء عظام، أمثال أحمدي خاني وپيره ميرد ونالي وشيخ رضا طالباني وگوران وشيركو بيكه س وآخرين كثيرين الذين تُرجمتْ أشعارهم الى لغات مختلفة ومنها الإنجليزية والعربية اللتين يلم بهما السيد القشطيني. يستنتج القارئ أيضاً أنّ الكاتب المذكور لم يكن على إتصال وتحاور مع المثقفين والأدباء الأكراد الذين عاشوا أو لا زالوا يعيشون في لندن حيث هو يعيش، من أمثال السياسي والأديب الراحل إبراهيم أحمد والشاعر عبدالله پەشيو والدكتور محمود عثمان والسادة هوشيار زيباري وعادل مراد وغيرهم ليتعرف على الشعب الكردي وتأريخه ولغته وأدبه وشعره قبل الكتابة عن الكرد.

إنّ الأستاذ القشطيني يرى أنّ كردستان لا تستطيع أن تدوم شهراً واحداً بدون نفط كركوك الذي سينفد بعد بضع سنوات حسب قوله ويضيف أيضاً بأنّ كردستان تقع في زاوية جبلية لا تمر بها خطوط تجارية لتعيش على التجارة. إنّ إحتياطي نفط كركوك يبلغ حوالي عشرة بلايين برميل وهو ثاني أكبر مخزون نفطي في العالم وحسب المعلومات الجيولوجية فأنّ كردستان تسبح في بحيرة من النفط. كما يجب أن نعرف أنّ مصادر مياه دجلة والفرات تقع في كردستان والمياه ستلعب دوراً أكثر أهمية من النفط في ديمومة الحياة في منطقة الشرق الأوسط. ثم أن كردستان غنية بالمعادن وفيها سهول واسعة خصبة للزراعة ولتربية المواشي والتي تعطي فائضاً إنتاجياً للتصدير. إنّ تضاريس كردستان الجبلية وطبيعتها الجميلة ومناخها وآثارها تؤهلها أن تكون بلداً سياحياً تجذب الكثير من السواح الأجانب للتمتع بجمالها ودفء مناخها صيفاً وللتزلج على الجليد شتاء. يعيش أكثر من مليون مواطن كردي في المهجر في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا، فزيارة هؤلاء وحدهم لكردستان تُنعش الحركة السياحية فيها. إنّ كردستان هي مهد الإنسانية حيث أنّ سفينة نوح نزلت على جبال أرارات في كردستان، لذلك أنّها تحوي الكثير من الآثارالقديمة بعكس ما يقوله الأستاذ القشطيني. إنّ الإهتمام بهذه الآثار والتنقيب عن الآثار غير المكتشفة وتنظيمها وفتح المتاحف لها، ستجذب الكثير من السواح الى كردستان. كما أنّ لكردستان موقع إستراتيجي مهم حيث تربط آسيا بأوروبا، وهذا الموقع الإستراتيجي المهم لكردستان هو أحد العوامل الرئيسية الذي حرم الشعب الكردي من بناء دولته المستقلة حيث كانت بسببه هدفاً للغزوات ومسرحاً للحروب والمعارك.

يذكر السيد القشطيني بأنّ الكرد يكرهون العرب بسبب ما جرى من حروب، ولكن هذه الحروب لم تكن لتقع لولا سعيهم للإستقلال الذاتي أو الكامل، خاصة تمردهم على صدام حسين عندما كان يخوض حرباً طاحنة مع إيران، ويستطرد قائلاً أنّها ليست مشكلة بين عرب وكرد وإنّما مشكلة الجبل الفقير والوادي الغني. إنّ الأكراد لا يكرهون العرب كشعب ولكنّهم عانوا الأمرين من الأنظمة الدكتاتورية العنصرية العربية. يريد السيد القشطيني أن يتنازل الشعب الكردي عن هويته وحريته وحقوقه، بل يدعم أيضاً نظام صدام حسين في حربه الكارثية ضد إيران ليصبح الكرد جزء من محرقة حروب صدام العبثية ومن ثم لينتصر ويتفرغ بعد ذلك ليكمل تنفيذ مخططه العنصري لإبادة الشعب الكردي وتغيير قوميته الى العربية وتعريب كردستان كما فعلها عندما إستعمل السلاح الكيمياوي ضد الأطفال والنساء والرجال العزّل لمدينة حلبجة. ما أنْ وضعت الحرب أوزارها حتى بدأ النظام البعثي العنصري بعمليات الأنفال التي خلالها دفن أكثر من 182ألفاً من المواطنين الكرد الأبرياء أحياء في صحارى العراق وفي معسكرات النظام. إنّ القوانين السماوية والدولية تمنح الحق لكل شعب مظلوم ومضطهد أن يناضل ويدافع عن حقوقه المغتصبة والتأريخ يسرد لنا الكثير عن كفاح الشعوب من أجل نيل حقوقها العادلة. إنّ الحروب التي نشبت بين الشعب الكردي والأنظمة المتعاقبة التي حكمت العراق لم تكن يوماً من الأيام حرباً بين الجبل الفقير والوادي الغني وإنّما كانت بين شعب مظلوم جرد من أبسط حقوقه القومية والإنسانية ومن أبسط حقوق المواطنة وبين أنظمة عروبية عنصرية متعالية تهدد وجوده. كردستان ليست بلداً فقيراً كما يدعي الأستاذ القشطيني، فهي كما أسلفتُ، غنية بمواردها النفطية والمائية والمعدنية والزراعية حتى أنّ أحد الشعراء، في إحدى قصائده المؤثرة، يشكو لبابا گُرگُر (إسم للمنطقة التي توجد فيها حقول نفط كركوك) ويتمنى لو أنها كانت بلا نفط لأنّ واردات نفط كردستان تذهب إلى أعداء الشعب الكردي حيث تبيعه الحكومة العراقية وتشتري بأثمانه قنابل وطائرات وأسلحة فتّاكة أخرى تُبيد بها الشعب الكردي وتُدمر قراها ومدنها وغاباتها وزرعها وينابيعها وينفقها أيضاً على أجهزتها القمعية والجاسوسية ومرتزقتها وعلى شراء الذمم وتوزيع الكوبونات بدلاً من أن تُنفَق واردات بترول كردستان على بنائها وتقدمها وترفيه شعب كردستان وتوفير مستوى معيشياً راقياً له.

يستطرد السيد القشطيني في مقالته بأنّ الحكومة العراقية البائدة عمرت كردستان أكثر من الجنوب وعبدت جميع الطرق الرئيسية وبكلفة عالية بسبب الوعورة الجبلية وبنتْ فيها فنادق ودور ضيافة ومصايف. السيد القشطيني أما يجهل أو يتجاهل سياسة الأرض المحروقة في كردستان التي إتبعتها الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق. إنّ نظام صدام حسين دمر أكثر من 4500 قرية في كردستان ونقل سكانها الى مجمعات سكنية أشبه بمعسكرات الإعتقال يعيشون فيها في ظروف مأساوية صعبة للغاية و كانت تحرسها قوات الأمن و المخابرات والجيش العراقية. كما أنّ إستعمال الأسلحة الكيمياوية في مناطق عديدة في كردستان أدتْ الى قتل عشرات الآلاف من البشر بالإضافة الى إبادة الحيوانات وموت الأشجار والزرع والأرض وتسميم الينابيع و نتجتْ عنها كارثة بيئية ستستمر آثارها المدمرة لعقود طويلة والتأثير على الجينات البشرية وبالتالي ظهور تشوهات جنينية وزيادة كبيرة في حالات الإجهاض والتي سيستمر تأثيرها لأجيال عديدة. صحيح أنّ الأنظمة العراقية العنصرية قامت بشق الطرق في كردستان، إلاّ أنّ الهدف منها كان عسكرياً بحتاً لتسهيل مهمة قواته العسكرية من السيطرة على كردستان وخنق حرية شعبها. كردستان كانت مسرحاً للحروب منذ أن أُلحقت بالعراق بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها فلم تكن في فترة ما منطقة سياحية وإنما تم بناء بعض الفنادق والقصور لإستجمام وإستراحة المسؤوليين العراقيين وكبار ضباط النظام ومرتزقته.

يستمر الأستاذ خالد القشطيني في حديثه قائلاً بأنّه لم يكن أي تمييز عنصري ضد الأكراد وأنّ شخصيات كردية مثل بكر صدقي و سعيد قزاز وغيرها قد شاركوا في حكم العراق. أريد أن أنوه هنا أيضاً بأنّ كل من طه الجزراوي وطه محي الدين معروف وغيرهما كانوا أكراداً ومن رجالات صدام حسين. إنّ الأكراد الذين تبوؤا مناصب حكومية بارزة في العراق لم يكونوا ممثلين للشعب الكردي وإنما كانوا جزء من النظام، يخدمون تلك الأنظمة الدكتاتورية ويقفون ضد حقوق الشعب الكردي ويشتركون في إضطهاده وكبح حريته، بإستثناء فترة بداية حكم عبدالكريم قاسم و بعد صدور بيان 11 آذار عام 1970، حيث شارك ممثلي الشعب الكردي في الحكومات العراقية. هناك أشخاص أكراد مستعربون شاركوا في الحكم من أمثال طه الجزراوي وأنكروا كُرديتهم وعملوا بما يدعو إليه السيد القشطيني حيث تركوا لغتهم وهويتهم الكردية وساهموا في قمع الشعب الكردي وفي تدمير وحرق كردستان. إذن من هنا ندرك أنه كان هناك تمييزاً عنصرياً ضد الشعب الكردي والأفراد الأكراد الذين شاركوا في الحكم كانوا مرتزقة يشاركون الأنظمة العراقية في قهر إرادة الجماهير الكردية.

يتهم السيد القشطيني الأكراد بكونهم مستعدين ليكونوا أداة بيد الأجنبي. لو أنّ المرء تمعن في الموقع الجغرافي لكردستان والدول الإقليمية المحاطة بها وموقف الدول العربية والٌإسلامية والعالمية من قضية الشعب الكردي، لَأدرك التحديات الكبرى التي تواجه الشعب الكردي في تطلعاته نحو الحرية وحق تقرير المصير. شعب وبلد مقسمان بين أربع دول رئيسية، تركيا وإيران والعراق وسوريا، وأن كردستان محاطة بهذه الدول من كل الجهات. تحكم هذه الدول حكومات شمولية عنصرية (كما نعلم أنّ العراق تحرر من الحكم الدكتاتوري مؤخراً) والتي لا تقيم وزناً للإنسان وحقوقه. هذه الدول المحتلة لكردستان متنافرة في مصالحها وعدوة لبعضها البعض الاّ أنها متفقة فيما بينها لخنق تطلعات الشعب الكردي نحو الحرية والمساوات وحق المواطنة. لنتصور المأساة التي يعيشها الشعب الكردي حيث يتم تغيير قوميته الى العربية أو التركية أوالفارسية ويتم تفريس وتتريك وتعريب مدنه وقراه ويحرم من التكلم بلغته وتعلمها ويعامل كمواطنين من الدرجة السابعة ويحرم من أبسط الحقوق الإنسانية وإذا رفع هذا الشعب صوته مطالباً بمعاملته كمخلوقات بشرية بشيئ من الرأفة والعدالة، فأنّ هذه الأنظمة الهمجية تبيده بالأسلحة الكيمياوية كما تبيد الحشرات و تدفن أبناءه وبناته أحياء وتدمر بيوته وقراه ومدنه بدون أية رحمة تذكر. الحكومات العربية بدورها تعتبر القسم الجنوبي والغربي من كردستان( الواقعة في العراق وسوريا على التوالي) أرضاً عربية وحتى أنها تعتبر الشعب الكردي جزء من الأمة العربية بالرغم من أنّ الأكراد ينتمون الى الشعوب الآرية بينما العرب ينتمون الى الشعوب السامية وأن كردستان كانت موطناً للأكراد منذ فجر التأريخ، بينما العرب قاموا بإحتلال كردستان في زمن الخليفة عمر بن الخطاب والأتراك نزحوا الى كردستان وإحتلوا جزء منها قبل حوالي تسعة قرون فقط. إذن الحكومات العربية تقف في صف الحكومات المحتلة لكردستان، تؤيدها وتساندها بكل الوسائل مادياً وسياسياً وإعلامياً وحتى عسكرياً إذا تطلب الأمر. الدول الإسلامية من جهتها متأثرة بدعايات الحكومات العربية ولا ننسى أنّ معظم دولها فقيرة وعيونها على جيوب العرب الأغنياء بالإضافة الى المصالح الإقتصادية والتجارية التي تربطها مع الأنظمة العربية، لذلك فأنّ موقف الحكومات الإسلامية تجاه حقوق الشعب الكردي سلبي وغير جيد حتى لدرجة أنّ إنعقاد مؤتمرالقمة الإسلامية الذي عقد في الكويت، تزامن مع القصف الكيمياوي لمدينة حلبجة الكردية من قبل نظام صدام في عام 1988، إلّا أنّ قتل أكثر من خمسة آلاف من أطفال ونساء وشيوخ وشباب أبرياء في هذه الكارثة الإنسانية المروعة لم يهزّ مشاعر القادة المسلمين الذين يدعون الإسلام زوراً وبهتاناً فلم يشيروا خلال مؤتمرهم المذكور لا من قريب أو بعيد، الى هذه الفاجعة الإنسانية الكبرى. أما مواقف الدول العظمى تجاه القضية الكردية في زمن الحرب الباردة، فكان الشعب الكردي ضحية للتنافس والتناحر بين معسكري الحلفين الأطلسي ووارشو. المعسكر السوفيتي السابق كان حليفاً للحكومتين العراقية والسورية اللتين تحتلان القسم الجنوبي والغربي من كردستان، وكان حليفاً لكل الحكومات العروبية في المنطقة حيث كان يكسب أموالاً ضخمة من تجارة بيع الأسلحة لهذه الدول والتي أصبحت أيضاً سوقاً للبضائع الأوروبية الشرقية بالإضافة الى حصوله على النفط بأسعار رخيصة و بث أفكاره الإشتراكية في المنطقة وايجاد مناطق نفوذ فيها، حيث أنّ الكرد لا دولة لهم ولم تكن أية مصلحة تربط المعسكر السوفيتي بالشعب الكردي وهذا كان يعني أنّ الكرد لم يتأملوا أي بصيص أمل من هذا المعسكر. أما بالنسبة لدول حلف الناتو، فأنّ تركيا التي تحتل الجزء الشمالي من كردستان، كانت تشكل الجناح الجنوبي لهذا الحلف في مواجهة قوة حلف وارشو و قربها من آبار نفط الخليج وعلاقاتها الجيدة مع إسرائيل، بالإضافة الى فتح أبواب السوق التركي على مصراعيه أمام المنتجات الغربية. كل هذه الأمور جعلت من تركيا أن تكون لها أهمية إسترايجية كبيرة للغرب. أما إيران الشاه الذي يحتل القسم الشرقي من كردستان، فكان شرطي الخليج للغرب فضلاً عن كونه بلداً غنياً بالنفط وكان يشكل سوقاً رائجاً للغرب. بالإضافة الى العلاقات الحميمة بين الدول العربية المعتدلة والمحافظة من جهة وبين الدول الغربية. نستنتج من خلال ما تقدم، لم تكن أية دولة في العالم مستعدة للدفاع عن الشعب الكردي وعن حقوقه المشروعة بل الكل كانوا ضده لا كرهاً بالشعب الكردي بل حفاظاً على مصالحهم الحيوية، لذلك كان للأكراد قولاً مأثوراً وكان صحيحاً تماماً وهو أن الشعب الكردي لا صديق له غير جبال كردستان الذي كان يحتمي بها كلما شعر بخطر الأعداء. ومما سبق، نفهم لماذا يلجأ الأكراد الى الأجنبي ويطلب المساعدة منه لأنهم يذبحون ويدمر بيتهم من قبل إخوة لهم في الوطن والدين، لأنهم يحاولون جاهدين من إنقاذ أنفسهم من الإبادة والفناء. كثير من العروبيين والإسلامويين يتهمون الشعب الكردي بخيانة الوطن والعمالة للأجنبي. أحب أن أقول هنا: أي وطن هذا الذي يفنى فيه شعب أو يعيش فيه عبيداً؟ ماذا أفعل بحفنة تراب الوطن إذا يصبح جحيماً لا يطاق؟ أنا أستغرب من الذين يتغنون بالوطن ويهملون الإنسان الذي يعيش في هذا الوطن والذي يخلق الأوطان. ثم هل الوقوف مع الأجنبي الذي يحررك من عبودية حكامك، كما في حالة تحرير العراق، ضد الحكام المستبين هو خيانة؟ كلا وإنما واجب وقرار حكيم و صائب. هنا لا أريد أن أخرج عن الموضوع الذي أنا بصدده ولكن أحب أن أنوه بأنّ علينا أن ندرك بأنّ الكثير من المفاهيم والتي كانت من البديهيات في السابق تتغير وتتبدل بإستمرار مع تغيير مراحل التطور والحقب الزمنية وحتى أنّ هناك الكثير من التعابير والمفردات اللغوية التي يستعملها عدد كبير من الكُتّاب، أصبحت بالية ومتخلفة في هذا العصر فتعطي معان مشوهة أو مغلوطة أو غير دقيقة لاتُجاري لغة العصر. أتساءل هل عدم الإشتراك في حروب صدام حسين مع إيران وفي إحتلاله للكويت هو خيانة للوطن؟ كلا بل العكس هو الصواب، فالإشتراك في هذه الحروب المدمرة والعدوانية هو خيانة للوطن وللشعب العراقي لأن المساهمة في الإعتداء على وإحتلال بلدان مستقلة وعضوة في الأمم المتحدة والمشاركة في قتل عشرات الآلاف من الأبرياء من مواطني بلدان جارة للعراق ومباركة زج أبناء العراق في حروب هوجاء وأخيراً تأييد نظام دكتاتوري عنصري دموي مثل نظام صدام حسين، هي خيانة بحق الشعب العراقي والعراق وبحق الإنسانية جمعاء. حتى أنّ زج الشعوب العربية المسحوقة في حروب غير متكافئة ضد إسرائيل في عامي 1967 و 1973 كان حروباً إنتحارية من قبل القادة العروبيين والتي تسببت في هلاك مئات الآلاف من البشر وفقدان أراض عربية جديدة مثل القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان وصحراء سيناء وتدمير البلدان العربية وإنهاك إقتصادها، حيث لم يؤخذ بنظر الإعتبارأنّ إسرائيل دولة ديمقراطية متقدمة علمياً وتكنولوجياً وصناعياً وعسكرياً التي تجعل من المستحيل أن تتمكنّ حكومات دكتاتورية شمولية تقهر وتستعبد شعوبها من الإنتصار على دولة مثل إسرائيل. بالإضافة الى حقائق مهمة أخرى، منها سيطرة إسرائيل بصورة غير مباشرة على مفاصل الإقتصاد والإعلام العالمي و النفوذ الكبير لإسرائيل على مراكز القوى العالمية وخاصة الأمريكية والأوروبية. حتى لو فرضنا أنّ الجيوش العربية تمكنت في تلك الحروب من إحتلال تل أبيب والبدء بإلقاء الإسرائيليين في البحر، هل كانت إسرائيل تقف متفرجة مكتوفة الأيدي وهي تملك ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية وتواجه موقفاّ خطيراً جداً يهدد شعبها بالفناء ويؤدي الى إختفاء دولة إسرائيل؟ بكل تأكيد، لكانت اسرائيل في هذه الحالة تقوم بضرب الدول العربية بالأسلحة النووية وتبيد الشعوب العربية وتمحوها من الوجود. وعليه فأن الإستهتار والإستخفاف بأرواح المواطنين العرب من قبل الحكام العرب جريمة كبرى وذلك بزج شعوبهم في حروب مدمرة وخاسرة سلفا.ً

الأستاذ القشطيني في مقالته، يخلط بين القومية والتجمعات السكانية المناطقية ويتساوى بينهما لاغياً الخصوصية التي تتمتع بها القومية. إنه لَأمر غريب أن يجهل أويتجاهل صحفي عراقي مخضرم مثل القشطيني، بأن الفيلية هي شريحة كردية وليست قومية مستقلة، والأغرب من ذلك أنّ الكاتب المذكور يخطئ في ذكرإسم ”الفيلية“ ويطلق عليها إسم ”الفويلية“.

في ختام مقالته، يذكر السيد القشطيني أنّ إستقلال كردستان هو في صالح عرب العراق ويقترح خلع السن المقلقل ”كردستان“ ونفض يد العرب من كردستان. إنه إقتراح عملي وواقعي وجيه لأنه سيجنب الشعبين العربي والكردستاني المزيد من المشاكل والكوارث. تزامن مع الإنتخابات العراقية والكردستانية، إستفتاء شعبي جرى في كردستان لمعرفة رأي شعب كردستان في كيفية تقرير مصيره، فأظهرت نتيجة الإستفتاء أنّ الغالبية العظمى منهم ”حوالي 98 ٪ من مجموع مليونين شخص أدلوا بأصواتهم“ يريدون إستقلال كردستان. الشعب الكردستاني عبر علناً وبكل وضوح أنه يرغب في بناء دولته المستقلة وعلى الشعب العربي في العراق والشعوب العربية الأخرى والشعوب التركية والإيرانية والدول الكبرى وخاصة الإدارة الأمريكية والإتحاد الأوربي والصين وروسيا أن تحترم إرادة شعب كردستان في الحرية ببناء دولته المستقلة. إنّ إلحاق كردستان بالعراق قسراً، دون إحترام إرادة الشعب الكردستاني، سيؤدي الى الكثير من المشاكل والتأخر حيث أنّ الشعبين العربي والكردي في العراق في غنى عنها. يجب أن نستدرك أيضاً بأن المسألة الكردية أعقد من أن يتم حلها ضمن العراق لأنّ كردستان وشعبها مقسمان بين أربع دول، والذي يعني أنّ القضية القومية الكردية يجب حلها أولاً كردستانياًً ليكون شعب كردستان حراً في وطنه ومن ثم سيحدد علاقاته مع جيرانه لاحقاً. إنّ عراقاً فيدرالياً يعيش شعب كردستان ضمنه أمراً جيداً، إلاّ أنه في تصوري وبعيداً عن العواطف والتمنيات أنّ الظروف الذاتية غير ناضجة بعد لمثل هذا النظام لأن شعوب الدول المحتلة لكرستان لا زالت شعوباً متخلفة تعيش في وجدانها العنصرية والتعصب والعنف وإلغاء الآخر وووصولها الى النظام الديمقراطي والمجتمع المدني، كما نراه في الدول الغربية المتقدمة، يحتاج الى عقود وأجيال لأننا كما نعرف، أنّ التغييرات والتحولات الإجتماعية لا تأتي في لمحة بصر بل تحتاج الى فترة زمنية طويلة وخاصة إذا ما عرفنا أنّ شعوبنا لازالت عبارة عن مجتمعات بدوية وقروية وقبلية بدائية. وفي مثل هذه الظروف، أرى أنّه يستحيل على شعب كردستان أن يمارس حقوقه كاملة اذا شارك العيش مع هذه الشعوب. وبناء على ما تقدم، أعتقد أنّ الحل الصائب للقضية الكردية هو القبول ببناء دولة كردستان ما دام شعبها يريد ذلك بدون إراقة دماء أو مشاكل تؤدي الى وقف عجلة البناء والتقدم في العراق ومن ثم التعاون الأخوي بين شعوب المنطقة لإزدهار دولها ورفاهية شعوبها. بعد أن تتمكن شعوب المنطقة من تأسيس أنظمة ديمقراطية لها، ستكون الظروف ملائمة لهذه الشعوب أن تدخل مع بعضها لإيجاد سوق مشتركة أو تأسيس إتحاد لدولها كالإتحاد الأوروبي حيث حينئذ ستقتضي المصالح الإقتصادية والأمنية والسياسية لهذه الدول لمثل هذا التعاون وستكون دولة كردستان شريكة في الإتحاد اذي يمكن تسميته بإتحاد دول الشرق الأوسط وعندئذ يعود شعب كردستان بملء إرادته للعيش من جديد مع الشعوب العربية والفارسية والتركية والآذرية والبلوجية في دولة أو منظومة إتحادية في علاقات شفافة تقود شعوب المنطقة الى حيث التقدم والرخاء والسعادة وحياة حرة كريمة تاركة وراءها آلام ومعانات الماضي والى الأبد.

د. مهدي كاكه يي

[email protected]