الاسلام الراديكالي ينظر للقرأن الكريم كمصدر حرفي ضيق لكل المفاهيم التي يعتقدوا بها ويريدوا انتشارها. يرفضوا البعد الثقافي والاخلاقي العلماني ويستبدلوه بنظام عقائدي ومباديْء تنبع من النص القرأني الحرفي ويستعملوه ليناسب جميع الحالات والمواقع من اليمن جنوبا وافغانستان شمالا وحتى نيويورك غربا. وهدف الحملة ليس الغرب لانه غرب وانما الاسلام الغير حقيقي كما ينظروا اليه. فالطالبان استهدفوا الحضارة الافغانية التقليدية ولم يستهدفوا الغرب. والسلفية هي وسيلة للتخلص من الحضارات والثقافات والمفاهيم السائدة وليس اثرائها. الاجندة هي بناء هوية دينية صافية بحتة غير مرتبطة بحضارة معينة. ينظروا للغرب كمجتمعات ضالة منحطة ومنحلة اخلاقيا وتحتاج الى تقويم.
العولمة عّقدت الصورة حيث طمست الروابط بين الدين والحضارة والجغرافيا. وانتشار العولمة أعطى السلفيين الفرصة لتأكيد انفصاليتهم عن حضارات معينة محددة ومن ثّم تشكيل اطار عالمي ديني لا يعترف بالحدود والفوارق الحضارية.
الحركات الاسلامية التي ظهرت في القرن العشرين مثل الطالبان، الوهابية، وحتى مدرسة بن لادن لا تهتم للحضارة الاسلامية التقليدية ولا تعير اهتماما للرموز الاسلامية كقبر النبي محمد عليه السلام او تماثيل بودا التي حطمها الطالبان، وتدمير مركز التجارة الدولي في نيويورك هو تعبير عن هذا الرفض للحضارات.

انطلاقة الحركات الاصولية لا تعبر عن ذاتها بصدام الحضارات، لانها ترفض هذه الحضارات من الاساس. وهي لا تستهدف مجتمعات كاملة بل افراد يساورهم الشك في الهوية والعقيدة التي ينتموا لها. والذين يشعروا بالاحباط والعجز ويحلموا بعالم اسلامي متكامل يحكمه خليفة وحتى لو جلس هذا الخليفة في البيت الابيض او رقم 10 داوننغ ستريت في لندن. المهم ان يكون هناك امّة اسلامية.

عندما يذهبوا للجهاد لا يتعاطفوا مع القضايا الوطنية وحركات النضال سواء كانت علمانية مثل الجبهة الشعبية او دينية مثل حماس. رغم انهم يستعملوا حركات النضال كمبرر لاجندتهم الخاصة. الآمة التي يكافحوا من اجلها لا تعترف بحدود جغرافية ويستعملوا مواقع اترنيتية لتبادل المعلومات والاراء للتعويض عن جذور حقيقية في المجتمعات. والحركات الاصولية الجديدة ليست بالضرورة عنيفة او متطرفة سياسيا ولكن عندما تلجأ للعنف تستهدف اليسار الغربي والامبريالية والرأسمالية وفي الشهور الاخيرة مارسوا عمليات القتل والتفجير العشوائي ضد العراقيين الابرياء. ومارسوا قطع الرؤوس باسم الاسلام. خطباء الاسلام المتشدد حلوا محل متشددين اليسار الذين كانوا يحلموا بعالم شيوعي اشتراكي تسوده العدالة الاجتماعية. طلاب الجامعات والعاطلين والذين يشعروا انهم في عزلة ومنبوذين يجدوا ضالتهم في اللجوء للاسلام الراديكالي.

ولماذا تفشل الانظمة الاسلامية عندما تصل الى الحكم؟ القاسم المشترك بين الدول التي تحاول الظهور كمدافع عن الاسلام ومطّبق لتعاليمه، هوانها انظمة ديكتاتورية، شعبها فقير ومقهور والفساد فيها اسوأ من الدول العلمانية التي لا تأبه بالدين. خذ ايران مثلا: جاء خاتمي للحكم بوعود الاصلاح ومنح الحرّيات العامة والصحافة والغرب رحب به وتفأل والحقيقة ان المتشددين نسفوا برنامج خاتمي الاصلاحي. وهدد خاتمي بالاستقالة عدة مرات ولكنه فضّل التشبث بالحكم، ولا يؤخذ الآن على محمل الجدّ مهما اصدر من تصاريح. الصحفيين يقبعوا في السجون وتم تهميش واستبعاد الذين طالبوا بالتغيير والاصلاح. لنأخذ السودان التي تطبق من الاسلام نظام العقوبات فقط كقطع ايدي السارقين، ويطبق حتى على غير المسلمين. والنظام فشل اقتصاديا وسياسيا ونجح فقط في نشر الديكتاتورية والتسلّط. وكمثل أخير نظام الطالبان المنقرض شوّه الاسلام والمسلمين.

نظام الطالبان جعل ايران تبدو كواحة من الاعتدال والتسامح والحريات. لنأخذ على سبيل المثال قانون الطالبان لذي منع النساء من ممارسة العمل في جميع المجالات ولكنه سمح للنساء بالتسوّل في الشوارع وبشرط ان يكون رأسها وبقية جسمها تحت غطاء كثيف. هذا على الآقل اعطى المرأة بعض الخصوصية لان التسول محرج ومهين للانسان. فقد جرّب المسلمون حكومات وانظمة اسلامية ويعرفوا ماذا ينتظرهم اذا انتخبوا احزاب اسلامية لتستلم الحكم. وتوقعاتي انهم يبدأوا بتغيير الدستور والنظام لمنع انتخابات جديدة. فهم يؤمنوا بنظام "صوت واحد للرجل الواحد (النساء ممنوع) مرة واحدة". الصحافة الحرة وحرية التعبير تختفي الا اذا كنت من المطّبلين والمزمرين للديكتاتورية الجديدة. الحركات الاسلامية في مصر فقدت تعاطف الشارع بسبب العنف ضد السياح وضد المفكرين والأدباء واجبار بعضهم على طلاق الزوج او الزوجة او الاغتيال.

والاسلاميين المثقفين في مصر هم قمعيّين للفكر والادب. خذ مثلا بسيطا: بينما كان شارون وبساطير جيشه تدنس ساحة المسجد الآقصى، ابطال الفكر الاسلامي كانوا مشغولين في حملة ضد رجل يدعى"حيدر حيدر" لانه كتب شيئا غير مهما بعنوان "وليمة اعشاب البحر" وكرسوا سنتين من الجهد ضد هذه الانسان. هل الاسلام ضعيف وهشّ لدرجة ان مجرّد كتيب او قصيدة او رواية مسرحية ستهدد كيان هذا الدين؟ نجحوا فقط في اعطاء هذا الكاتب حيزا مجانيا في الاعلام. الشعوب الاسلامية بحاجة لبرامج براغماتية للقضاء على الجهل والفقر والديكتاتورية والقضاء على البطالة والبؤس. الفتاوي والتفسيرات لا تحل مشاكل العصر الحديث ولا تنقذ العرب والمسلمين من ظواهر الجهل والفقر ونظريات المؤامرة. التطرف الاسلامي سيفشل في حل مشاكل الناس اليومية ويحل المشاكل بالعنف والقتل والارهاب.

نهاد اسماعيل - لندن