حذرت الولايات المتحدة الأمريكية أطراف النزاع المختلفة – قوات الدعم السريع والجيش السوداني والفصائل المسلحة - من مغبة محاولة السيطرة على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.
وقالت إن الأوضاع ستصبح كارثية إذا اندلع القتال حول المدينة التي تأوي ملايين النازحين الفارين من الحرب الحالية بين الجيش وقوات الدعم السريع، وحروب سابقة، فماذا نعرف عن مدينة الفاشر؟
"موقع استراتيجي"
تحتل مدينة الفاشر موقعا استراتيجيا في شمال دارفور، فهي الآن تعتبر المدينة الكبيرة الوحيدة التي يمكن الوصول إليها من مدن شمال السودان مثل الدبة إلى إقليم دارفور، نظرا لقربها الجغرافي من تلك المناطق، وبالتالي فهي تعتبر المدخل الوحيد لقوافل المساعدات الإنسانية القادمة من ميناء بورتسودان – على ساحل البحر الأحمر - الذي يستقبل المساعدات الخارجية في الوقت الحالي، ومن ثم يتم نقل المساعدات منها إلى بقية أرجاء الإقليم.
كما تحدها من الغرب دولة تشاد، ومن الشمال ليبيا، ما يجعلها في موقع استراتيجي عسكري للجهة التي تسيطر عليها، خاصة في ظل وجود فصائل مسلحة وقوات سودانية داخل حدود الدولتين الجارتين كما تشير العديد من التقارير الإعلامية والمنظمات المعنية بالأمن في المنطقة مثل منظمة مجموعة الأزمات الدولية.
يعيش في المدينة الكثير من القبائل والأعراق من مختلف أنحاء السودان، ولكن تغلب عليها الإثنيات التي تنحدر منها الفصائل المسلحة مثل الزغاوة والفور والمساليت، ويقيم معظمهم في معسكرات النزوح المنتشرة فيها. أما القبائل من أصول عربية فهي ليست كثيرة، ويعيش معظمهما في ولاية جنوب دارفور والتي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في الوقت الحالي.
"معركة قوية"
في الوقت الراهن، يسيطر الجيش، المتحالف مع بعض الفصائل المسلحة على مدينة الفاشر، ويوجد مقر قيادة الفرقة السادسة عشرة، وهي من أكبر الفرق العسكرية التابعة للجيش السوداني.
وتقول مصادر عسكرية لبي بي سي إن القوات المتمركزة في وسط المدينة والأجزاء الشمالية منها، تملك عتادا عسكريا كبيرا، وعناصر كثيرة، خاصة بعد انضمام الضباط والجنود التابعين للجيش إليها بعد أن كانوا يتمركزون في مناطق دارفور الأخرى، قبل سيطرة قوات الدعم السريع عليها خلال الحرب التي اندلعت في نيسان (أبريل) من العام الماضي.
وتشير ذات المصادر إلى أن قوات الدعم السريع حشدت عددا كبيرا من القوات خلال الفترة الأخيرة، وهي تتهيأ للهجوم على المدينة.
وتضيف أيضا أنه وخلافا للمواجهات السابقة بين الطرفين في مناطق دارفور، فيُعتقد أن المواجهات في مدينة الفاشر ستكون قوية في ظل توفر العتاد العسكري وانضمام الفصائل المسلحة للجيش، ومن الصعب التكهن بما ستؤول إليه الأمور، لكن المؤكد هو أن الخسائر في أوساط المدنيين ستكون كبيرة للغاية.
وظلت المدينة تحت الحصار من قبل قوات الدعم السريع منذ اندلاع القتال بينهما قبل أكثر من عام. كما شهدت مناوشات ومعارك متفرقة بين الطرفين.
وعاشت المدينة فترات هدوء نسبية، بعد دعوات التهدئة التي قادها والي ولاية شمال دارفور السابق نمر عبد الرحمن وبعض قيادات العشائر. وكانت هنالك اتفاقية بأن تتولى القوة المشتركة المكونة من الفصائل المسلحة حماية المدنيين، على أن تظل قوات الدعم السريع والجيش في مناطق منفصلة حتى لا يحدث احتكاك بينها.
لكن الوضع تغير الآن، بعد أن أعلنت حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم – وهي من أكبر الفصائل المسلحة - الانضمام للجيش وترك موقف الحياد الذي كانت تتبناه مع بداية الحرب، وهو ما أدى إلى إعلان فصائل أخرى خروجها عن القوة المشتركة، وبالتالي لم تعد القوة المشتركة المعنية بحماية المدنيين ذات فاعلية بعد الخلافات التي وقعت داخلها.
"معسكرات نازحين"
تحتضن المدينة عددا كبيرا من معسكرات النازحين، بعضها أقيم منذ أكثر من عقدين بعد الحرب الأهلية التي شهدها إقليم دارفور، في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، والبعض الآخر عبارة عن معسكرات نزوح جديدة أنشئت بعد الحرب الحالية وتضم نازحين من ولايات دارفور الأخرى والتي أصبحت الآن تحت قبضة قوات الدعم السريع التي خاضت معارك عنيفة مع الجيش.
أكبر تلك المعسكرات هي معسكرا نيفاشا وزمزم. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من نصف مليون شخص يعيشون حاليا في المعسكرين.
وهنالك مخاوف حقيقية في أن تتفاقم الأوضاع وتتحول إلى كارثة في حال إصرار قوات الدعم السريع الدخول إليها باعتبارها آخر معقل للجيش في ولايات دارفور الخمس، وبعدها ستعلن أن كل إقليم دارفور صار تحت قبضتها.
ودارت معارك بين الأطراف المختلفة خلال الأيام القليلة الماضية، والتي شهدت مشاركة فصائل مسلحة إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع على تخوم المدينة والمناطق المحيطة بها كما أفادت مصادر عسكرية تحدثت لبي بي سي.
وأعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على منطقة مليط والتي تعتبر بمثابة ميناء بري يربط شمال دارفور بإقليم كردفان، ونشرت مقاطع فيديو لقادتها وجنودها وهم يتجولون في المنطقة، دون أن يصدر نفي من الجيش أو الفصائل المسلحة لهذا الإعلان.
ويشير أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية إدريس الدومة إلى أن قوات الدعم السريع تريد السيطرة على كل إقليم دافور لكي تتمكن من فرض شروطها على طاولة المفاوضات إذا تم استئنافها.
ومضى يقول: "مع التقارير التي تشير إلى إمكانية استئناف المفاوضات بين الجيش وقوات الدعم السريع، أتوقع أن تكثف قوات الدعم السريع من عملياتها العسكرية للسيطرة على الفاشر.. إذا تمكنت من ذلك فإنها ستضغط بها على طاولة المفاوضات.. ولن تكترث للدعوات بالتهدئة بطبيعة الحال".
التعليقات