في عام 1976 اي منذ 29 سنة، دخلت القوات السورية الى لبنان، بحجة الدفاع عن الكيان اللبناني، والمعروف انه منذ ذلك الزمن تلون هذا الوجود، ما بين القوات العربية، او السورية الصافية، كما ان حجج بقاءه، تغيرت بتغيير الحليف، في لبنان، ان دخول هذه القوات وبطلب من الزعماء المسيحيين كما يقال، كان اعترافا ضمنيا من قبل هؤلاء الزعماء بأنهم ليسوا بقادرين على مقارعة سورية ولو على ارضهم، فسوريا مع الاسف استعملت ورقة الاحزاب التقدمية والقضية الفلسطينية وتهميش المسلمين وانقاذ المسيحيين وطرد الاحتلال، استعملت كل هذه الاوراق لترسيخ وجودها، ليس وجودا عسكريا فقط، بل ان وجودها ترسخ في عمق المجتمع اللبناني من خلال تعامل فئات عديدة مع هذا الوجود، سواء بقناعة او لمصلحة او لخوف، فاجهزة المخابرات السورية تعشش في كل مناطق اللبنانية، كما ان هنالك فئات لبنانية ومن كل الطوائف، تجاهر بولائها لسوريا، لابل ان اي اشكال لا يتم حله الا بتدخل سوري فج.

هذ المعطيات، واقرار سوريا المستمر ولكن الغير المعمول به، انها ستخرج من سوريا في اطار اتفاق الطائف، يتطلب حذرا تاما، فيجب على اللبنانيين الاتفاق اولا على تحصين وحدتهم، والاقرار بأن الحوار هو وسيلتهم وان الحرية والديمقراطية هما فضائهم الوحيد، وعدم الاستقواء بالخارج، ان الاقراتر بهذه الاسس ضروري ليكون هنالك لبنان مستقر.

ان النظام السوري والانظمة المشابه له، يعتبر حتى بمقياس النظام اللبناني، نظاما متخلفا، فلا يزال في لبنان نوع من الحوار والنقاش والمطاليب، وكون النظام السوري يمتلك القوة لايعني انه نظام صالح، فكلنا شاهدنا اين قادت القوة الاتحاد السوفياتي والعراق وغيرها من بلدان العالم التي كانت تتباهي بقوتها الاسطورية، ان هذه القوة ينطبق عليها المثل العراقي (ابويا ما يكدر الا على امي) ولقد شاهدناها في تدمير الرادارات السورية من قبل اسرائيل، انها بحق نمر من الورق كما قال المرحوم ماوتسي تونغ، وان كان لم يقصد سوريا بقوله.

المطلوب ليس خروج القوات السورية، بل كل الاجهزة المخابراتية، وما يدعونا الى هذه القول هو لغة التهديد والوعيد التي خرج بها السيد وليد المعلم وتابعه فيها السيد عمر الكرامي، لا بل استقالة طبقة حاكمة استمدت شرعيتها من الوجود السوري، لانه بهذه الوسيلة وبهذه الحالة فقط سيتمكن اللبنانيون من بناء وطنهم، من بث روح الحوار السليم بين ابنائه، ولتكن خيارات اللبنانيون مفتوحة، ماداموا قد اقروا بأن الحوار هو وسيلتهم لحل المشاكل، وان الحرية والديمقراطية هي فضائهم الذي يعيشون ويتطورون من خلاله، ان ازالة اي وجود لسوريا في لبنان، ونعني هنا الوجود الغير المستساغ لبنانيا، مثل الجيش والاجهزة المخابراتية، واستقالة الطبقة السياسية التي استمدت شرعيتها من هذا الوجود، ولكن وجود سفارة لسوريا، والذي هو مطلبا لبنانيا منذ الاستقلال، امر مقبول وسليم كما هي العلاقة بين اي دولتين.

ان جنوح الدول التي تسيرها الايدولوجيات لتحقيق ولو بعض شعاراتها (وهنا هو الوحدة العربية العزيز على قلب البعث) بكل السبل، حتى ولو بالقوة، ان جنوحها لاثبات الاخوة من خلال تكبيل الاخ الضعيف، كان اول مسمار ضرب في نعش هذه الايدولوجيات، ولكن الايديولوجية تكشف عن وجهها القبيح، فكل شعارات الاخوة والشعب الواحد والتاريخ الواحد، اتبتت السنوات التسعة والعشرون الماضية كم هي كاذبة ومخادعة.

لكي تستقيم العلاقة بين لبنان وسوريا، شعبا ووطنا، على سورية اثبات حسن نياتها، بالخروج التام وبالتنسيق التام مع حكومة مستقلة، تتمثل فيها المعارضة الحالية بقوة.

لقد وقف اللبنانيون مع سوريا، ورفضوا الاستقواء بالاخرين ضد سوريا، وخصوصا بعد اصدار القرار المرقم من مجلس الامن، الا ان الدول العربية جميعها، اثبتت انها لا تعمل بالمطالب التي تقدم برقة وباحترام او بتقديم الجزرة، انها تعمل فقط عنما تشاهد العصا، فتجربة صدام، والقذافي والبشير وغيرهم واضحة، نرجو ان ترعي سوريا وضعها الضعيف امام المجتمع الدولي، فالصراخ لن يفيد، الذي يفيد الخروج التام والشامل و بالتوافق مع اللبنانين، فاتفاق الطائف مضى علية خمسة عشر سنة، اليست بكافية؟

ان المطلوب الاخر هو تجريد كل المليشيات من سلاحها، فلن تفيد حجة الاراضي المحتلة، فلن يرضى احد بترك الالغام المزروعة في لبنان، واحد اكبر الالغام، هو حزب الله، الذي يمتلك ملفا ضخما من العمليات الارهابية، وقيل يمهل ولا يهمل، فانتهت المهلة، وجاء وقت الدفع، فهل سيدفع السوريين وبعض البنانيين من دماء ابناءهم ام بالتراجع المنظم الى عقر دارهم؟، وبالجواب على هذا السؤال ندرك مدى ذكاء القيادة السورية.

تيري بطرس