الحلقة الثانية

كنا قد ذكرنا في الحلقة الأولى بعض العوامل ونقدم اليوم بعضها الآخر لمحاولة الإجابة على السؤال عنوان المقال، وكنا قد ذكرنا أيضاً أن رحى التاريخ تضع العرب بين جانبيها وهي لاتزال تدور مبدياً نوع من التشاؤم تجاه المستقبل العربي في دعم القضية المركزية لعلنا نعي الحقيقة المرة التي ينبغي أن نتجرعها حتى نتفهم حقيقة مانحن فيه من ضعف وهوان في هذا العالم الذي لامجال فيه للضعفاء.

وأول من أتهمهم بالضعف هم أبناء جلدتنا الفلسطينيون أنفسهم لعدم تمكنهم حتى وقتنا الحاضر من تكوين لوبي فلسطيني ليقوم بدور مشابه لما يقوم به اللوبي الصهيوني في جميع الدول بلا إستثناء وإلا لما نستطيع أن نتخيل المبررات للدعوة التي قامت بها تونس لدعوة رئيس وزراء إسرائيل لزيارة تونس على هامش قمة المعلوماتية.

وقبلها بأيام كانت هناك دعوة قامت بها شخصية نسائية قيادية خليجية بدعوة لأحد أركان الكيان الصهيوني وهو نائب وزير التربية الإسرائيلي، وإذا كان هذا ماتتحدث به وسائل الإعلام علناً ففي الخفاء ماهو أعظم وأدهى، والهدف هو خطب ود إسرائيل إما لإقامة علاقات جديدة أولتجديد العلاقات التي إنقطعت خلال إنتفاضة الأقصى التي إندلعت في سبتمبر / أيلول عام 2000م، وكأن ثمار الإنتفاضة تقطفها إسرائيل ونعود للمثل القائل كأنك ياأبوزيد ماغزيت.

ولابد أن تثبت الدول العربية حسن النوايا قبل الزيارات المرتقبة أي لابد من تقديم ثمن كعربون صداقة وهذا الثمن يتمثل في أشياء كثيرة منها الموافقة على إقامة كنس يهودية على أراضيها أو إعادة فتح كنس كانت موجودة قديماً وتسهيل المهمة للوفود اليهودية لزيارتها، وفي ظل هذا الحضور الديني اليهودي القوي نجد التراجع الديني الإسلامي.

وهذا التراجع يعتبر من أهم العوامل التي أدت الى فقدان القضية للدعم، فقضية فلسطين هي في الأساس قضية إسلامية عربية قبل أن تكون قضية جغرافية سياسية فلسطينية تبحث في قضايا الأمن والحدود بل هي قضية تمس الوجود الإسلامي في القدس والدفاع عن المقدسات ومن هنا يتضح لنا عدم وضوح الهدف وهذا يؤكده تعدد المنظمات الفلسطينية وإختلاف توجهاتها وتأثرها بالخلافات العربية الجانبية.

إسرائيل حاليا ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع ثلاث دول عربية في حين توترت علاقاتها بباقي الدول بشكل كبير بعد أعمال العنف التي ترتكبها ضد الفلسطينيين منذ عام 2000. ولكنها تسعى في المرحلة الأولى -وفق تصريحات مسؤوليها- إلى إعادة علاقاتها مع أربع دول كانت تقيم معها علاقات تمثيلية، وذلك في إشارة إلى كل من المغرب وتونس اللتين تقيمان مكتبين للتمثيل في إسرائيل، وسلطنة عمان وقطر اللتان لديهما مكتب تمثيل اقتصادي بالدولة العبرية.

وهنا نريد أن نتسائل بعض التساؤلات:
لماذا لاتوجد مكاتب أو مؤسسات تجارية فلسطينية أسوة بالإسرائيليين ؟
لماذا لاتوجد مراكز أو فروع لتسويق المنتجات الفلسطينية ؟
لماذا لاتوجد فروع لبنوك مشتركة فلسطينية عربية ؟
لماذا لاتوجد مؤسسات لدعم الإعمار ؟
لماذا لاتوجد مراكز للدراسات الفلسطينية في الدول العربية ؟
لماذا لاتوجد مراكز لدعم الجاليات الفلسطينية في الخارج ؟
لماذا لاتوجد جمعيات خيرية فلسطينية في الدول العربية ؟

فجميع الأنشطة السابقة من الممكن أن تعمل على دعم الفلسطينيين تجارياً وإقتصادياً وتساعد على تنشيط التجارية البينية أو حتى تقوم على توظيف الفلسطينيين في الدول التي يقيمون فيها ودعم تسويق المنتجات الفلسطينية التي تشد من أزر المزارعين والصناعيين والمنتجين الفلسطينيين في الداخل كما تساهم في إعادة الإعمار وتسمح ببناء ودعم إقتصادي فلسطيني قوي يحظى بإستقلاليته عن دولة إسرائيل قبل الإستقلال السياسي وتكوين الدولة وما العمليات التي تقوم بين الحين والآخر ماهي إلا نتيجة الإحباط والمعاناة التي يشعر بها الفلسطيني في الداخل.

وهنا نستطيع أن نؤكد أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية قبل أن يقوم فيها إقتصاد قوي ومستقل فالدول بحاجة الى إقتصادها القوي قبل إستقلالها السياسي وهو الذي يساعدها على البقاء والإستمرار أو الإنتهاء والإندثار.

ولهذا نجد أن القيود المفروضة على قيام إقتصاد فلسطيني أكبر من أي قيود ومثال ذلك نجد أن الفلسطينيين في الداخل ليس لهم تعاون إقتصادي مع الدول العربية عوضاً عن دول الإتحاد الأوروبي، وكما أن الفلسطيني لايحمل جواز سفر يمكنه من سهولة الحركة والتنقل نجد ايضاً أن البضائع الفلسطينية ليس لها شهادات منشأ أي أنها بضاعة لاجئة ولايمكن أن تعبر الحدود وهذا مايميز بين المنتجات التي يتم تصنيعها داخل إسرائيل وتلك التي داخل الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة والتي يعتبرها الاتحاد الأوروبي خارج اتفاق التجارة الحرة كونها أراضي محتلة. وبالقياس الى حجم صادرات إسرائيل إلى دول الاتحاد بلغت العام الماضي عشرة مليارات دولار معظمها تكنولوجية ولكن ماهي حجم صادرات الفلسطينيين ونوعها.

إن الهوة التي تفصل بين إسرائيل وبين العرب كبيرة والسرعة التي تسير بها إسرائيل أكبر، فلابد من تحرير التجارة قبل تحرير الأرض وتحرير اللاجيء قبل تحرير المخيمات وتحرير العقل قبل تحرير الجسد وتحرير المرأة قبل تحرير الولد وفتح الحدود بدل فرض القيود، فورقة التوت قد سقطت عن الجميع.

مصطفى الغريب – لندن