بدأت بشائر الحرية والديمقراطية الزائفة تطل برأسها على بلادنا العربية بدءاً من العراق ثم وصلت إلى لبنان ثم مصر والبقية تأتى، وكل هذا على درجات متفاوتة وما يحدث فى قطر والكويت خير مثال على الألعاب البهلوانية، بل وكل حاكم يقول بأن بلاده لها الأسبقية فى البدء بالإصلاح السياسى حتى يبعدوا الشبهة عن تأثير الضغوط الخارجية عليهم فى إجبارهم على ذلك.
وسط التغيرات الإقليمية السريعة توٌهمنا بأن السياسيين العرب بدأوا يفهمون رسالة المجتمع الدولى بضرورة إرساء مفاهيم الديمقراطية والحرية فى بلادهم التى يسيطرون عليها بيد من حديد لذلك بدأوا فى أستغلال الفرصة على حياء ووفقاً للكبرياء العربى الذى لا يريد أحداً أن يجبره على فعل ما يريد بل يفعل كل شئ " بمزاجه العربى الخاص ".
لكن الحقيقة غير ذلك، فالساسة العرب هم ورثة أجدادهم فى أنظمة الخلافة أو الإمارة والسلطنة وغيرها من أنظمة تربى فيها وعلى تاريخها حكامنا العرب، تعلٌم حكامنا أن يكونوا بألف وجه وكل ظرف من الظروف الإجتماعية والسياسية له وجهه الخاص سواء كان وجهاً بشوشاَ مهذباً أو أميناً أو عادلاً أو عنيداً أو منافقاً أو ماكراً أو رحيماً أو قوياً يستخدمه فى اللحظة المناسبة ضد أعداءه من شعبه ومن الشعوب الأخرى،، فالطفل الصغير يتعلم منذ نشأته الأولى فى مؤسساتنا التربوية أن العالم يتربص به ويحيك له المؤامرات ليضله عما فيه من نعيم ورخاء، فما بالنا بالطفل الذى ينشأ ويترعرع فى أحضان قصور الرؤساء والملوك العرب، لذلك نجد الرؤساء العرب يصنعون ديمقراطية قد تستغرق سنوات وعصور عديدة ليلعبوا فى الوقت الضائع بعد أن يكون العالم فى وادى والعرب فى وادى آخر.
فالتغيير المفاجئ فى فكر الرئيس مبارك وعزمه على تعديل الدستور لإلغاء لعبة الأستفتاء ليدخل فى منافسة أحد مواطنيه فى الأنتخابات، لا يعنى أن الرئيس المصرى المؤمن بالمثل المصرى القائل " بأن العين ما تعلاش على الحاجب " يؤمن بحق المصريين فى المساواة به والدخول أمامه فى أنتخابات حرة " شريفة "، فالحزب الوطنى الذى يمتلك زمام السلطة وكل مؤسسات الدولة، يعرف جيداً أن المصريين لا يعرفون أحداً من المعارضة أو غير المعارضة يمكنهم أن يثقوا به وينتخبوه إذا تجرأ أحداً ورشح نفسه أمام الرئيس مبارك المخضرم فى عالم الحكم العربى.
تم أستغلال قضية فلسطين وحرب العراق وأصبحت المتاجرة بتلك القضايا وغيرها تجارة رائجة تدر أرباحاً على القنوات التلفزيونية وعلى الصحف العربية، تجارة معارك كلامية وشعارات إيديولوجية، تجارة حرب تجلب الخراب لأهل العراق وتكدس الأموال فى جيوب المنتفعين بأستمرارية هذه الحرب، هذه المتاجرة التى يغذيها حكامنا المخضرمين حكماء عالم اليوم!
" كل شئ فى وقته " حكمة عربية يقولها فقط الرؤساء العرب، لأنهم البشر الوحيدين القادرين على معرفة الوقت المناسب وغير المناسب فى نشر الديمقراطية أو الدكتاتورية، الرؤساء يعرفون بذكاءهم كما يحدث فى مصر هل الشعب ناضج وعلى استعداد للحياة بأسلوب الديمقراطية أم الأفضل له أن يشرب الديمقراطية ويأكلها على راحته وحسب مزاج الرئيس حتى لا يصاب المصريين بعسر هضم.
يعرف جيداً الرئيس مبارك أن موعد الأنتخابات القادمة باقى عليها أشهر قليلة، مما يعنى أن أحداً من الشعب أو المعارضة يمكنه أن يرشح نفسه أمامه وينجح، لأن الرئيس مبارك قال فى نفسه : " الشعب المصرى أكيد سيحسبها بفهلوته المعهودة ويقول إللى نعرفه أحسن من إللى ما نعرفوش " يعنى النتيجة ستكون تسعة وتسعين فى المائة والواحد فى المائة سيكون من نصيب منافسيه!
وفى بحث المصريين شعباً ومعارضة عن وجه سياسى مشهور يقود ثورة التغيير والإصلاح والديمقراطية وينافس مبارك فى الأنتخابات، تخيلت المعارضة أنها وجدت ضالتها فى الثائر الكبير العقيد معمر القذافى صديق الثوريين الأحرار وصاحب الكتاب الأخضر الذى سيرشح نفسه رئيساً لشعب مصر، وشعار برنامجه الأنتخابى سيكون " لا للأستعمار لا للأمبريالية لا للصهيونية، وألف نعم لعشاق الإنطلاق والحرية والعيش فى الصحراء العربية فى خيمة القذافى البدوية المزودة بوسائل الترفيه والتسلية والثقافة والتكنولوجيا العربية ".
/ ميشيل نجيب