في الحروب تقوم الجيوش لحماية نفسها من الاعداء، بزرع الغام لكي تحد من حركتهم او تمنعهم من هذه الحركة وخصوصا ان لم يكن الاعداء
يملكون الوسائل الفعالة لتعطيل مفعول الالغام، وفي السياسة وخصوصا الشرق اوسطية وسياسة الانظمة الدكتاتورية، واغلبية انظمتنا منها ولله الحمد، ولكي يثبت النظام الدكتاتوري صحة موقفه من الشعب، الذي يعتبره عدوه اللدود، تلجاء الانظمة الى زرع الغام من نوع اخر.

النظام الصدامي البائد، زرع للعراقيين الغام متعددة ومتنوعة، فمن فتحة ابواب العراق لكل انواع الارهابيين المتأسلمين الى اطلاق سراح اعتى المجرمين، الى تدريب فدائيه على كل الوسائل التخريبة وتسريبه الاسلحة الى فئات مختلفة من الشعب العراقي، لكي ينجح مخططه في اشعال الحرب الاهلية، الى توجيه منتسبيه لفرهدة املاك الدولة وكل ما يقع تحت ايدهم، الى توصية بعض منتسبيه للدخول في الاحزاب الدينية، لكي يتمكنوا من اشغال الشعب بصراعات لا نهائية وتأجيج الخلافات العرقية والدينية والمذهبية بين العراقيين، والغاية الوحيدة هي افهام العالم ان النظام كان على حق، وان شعب العراق لا يمكن حكمه الا بالحديد والنار، ليس المهم بقاء النظام، المهم بعد زواله المحتوم ان يدرك الجميع الرسالة، وليبقى شيئا من النظام في ذاكرة الشعب، الا وهو ان الامان كان مستتبا وهذا بفضل سياسة النظام الحكيمة.

ان ما يتم اقترافه من عمليات قتل الشعب العراقي، من عمليات قتل التي يخص بها الشيعة او المسيحيين او مرات سنة خلفها رسالة واضحة وباصرار عجيب لتحقيق هدف واحد لا غير الا وهو اشعال فتيل الحرب الاهلية وتحقيق ما بشرنا به النظام من انه سيترك خلفه الدمار، وهذه هي الالغام التي زرعها النظام، فمادام النظام قد زال فليزل ايضا الشعب من الوجود، وهذا منهتى الحب الذي كان ازلام النظام يكنونه للشعب.

في ظل تداعيات اغتيال رفيق الحريري، وتحت وابل التهديدات الدولية اظطر النظام السوري للاقرار بانسحاب قواته من لبنان، ولكنه وكعادة اغلب الانظمة الدكتاتورية، اراد تغطية اظطراره لهذا العمل باللجوء الى ورق التين وهو هنا تطبيق اتفاقية الطائف، المهم الخروج يازلمة وليس المهم تسميات التي يمكن ان نغطي فيها اقرارنا بالهزيمة المدوية.

وكعادة الانظمة الدكتاتورية، وكما اسلفنا اعلاه، فان، النظام السوري وكشقيقه النظام العراقي، يحاول زرع الالغام في طريق التغيير الديقراطي.

كلنا يعلم ان الانتخابات النيابية اتت باغلبية تؤمن سيطرة سوريا على القرار البناني، وهذه الاغلبية اتت نتيحة التهديد والترهيب، الذي مارسته الاجهزة المخابراتية، ولم تكن هذه الانتخابات سليمة وان تم السماح لبعض المعارضين بالفوز وبما لا يخل بميزان القوى.

تحت وابل القصف الذي مارسته المعارضة بمختلف اتجاهاتها، سقطت حكومة كرامي الثانية، سقطت لانها فقدت ثقة الشعب وقواه الحية، سقطت لانه تحوم حولها الشبهات بتسترها على اجهزة تمارس التنكيل بالشعب وبكل من يعلو صوته معارضا، اجهزة باتت متهمة باقتراف الجرائم ضد الشعب وشخصيات يشم منها رائحة انحيازها الى خط المعارضة التي امكن تحديد سقفها، من خلال تحديد عدد ممثليها بعدد الاصابع في اليد الواحدة، وبدلا من ان تدرك الحكومة السورية ان زمنها وممارساتها في حكم الزوال، وعليها اتخاذ اجرءات لترك ما يضمن استمرار العلاقات السليمة مستقبلا، الا ان الملاحظ ان ازلام سورية اعادوا تكليف السيد كرامي بتأليف وزارة جديدة، برغم المطلوب لانقاذ الوطن هو وجوه جديدة، وجوه معروفة بالولاء للبنان وليس غير لبنان، فازلام سورية الذين تسلقوا كراسيهم بدعمها لم ينسوا صنيعها وما نكروا جميلها، كلهم اعادوا التأكيد على ولاءهم السوري بترشيحهم السيد كرامي.

وهكذا تحاول سوريا زرع الغامها في طريق تحرر الشعب البناني،باعتقادها ان اي تأخير في تحرر الشعب اللبناني، يعني اطلة مماثلة في عمر النظام السوري، ولا زالت الانظمة الدكتاتورية تتشابه بردود افعالها تجاه الاحداث والمتغييرات، فرغم ان السيد بشار الاسد كشخص يحضى باحترام وتقدير، الا انه وضع نفسه و باصرار في مركب الحرس القديم، هذا الحرس الذي فقد الاحساس بالزمن ومتغييراته.

بودنا ان نقول للسيد بشار الاسد، ان مورد الابل بهذه الطريقة هو مورد التهلكة، فقد جربها من قبلكم الكثير، الوضع الحالي بحاجة الى اسلوب جديد وعقل منفتح وحنكة واقتدار، لاتخاذ الخطوات التي طال الانتظار لها، واهمها دمقرطة الحياة السياسية وفتح ابواب الحرية والاستعانة باجيال شابة مقتدرة لتسيير دفة الحكم، وان كانت تدرك بانها لن تستمر فيه الا لفترة قصيرة، فبناء الاوطان يتطلب تضحيات كثيرة، ولكن ليس بالضرورة التضحية بالرأس من اجل شعارات زائفة ورجال اكل الدهر منهم وشرب، لا بل رجال ما اتى من ورائهم الا الخراب والدمار.

سيدي الرئيس اسحب الغامك من لبنان، لكي تسلم سوريا، سيدي الرئيس اكشف حقول الغامكم في لبنان لكي يتم التغيير في بلدكم بشفافية وبطريقة سلسة وطبيعية، سيدي الرئيس اسحب ادواتك وارفع الغطاء عن من هم تحت اشارتك في لبنان، لكي يلتف الشعب السوري حولك في عملية التغيير التي ستحتاج الى كل جهد مخلص، سيدي الرئيس ان دعمكم لحزب الله، يعني استمراركم في دعم الارهاب ودعم الاجندة الايرانية في الشرق الاوسط، ايران التي ستترككم في اول سانحة تمكنها من اطالة عمر نظامها.

سيدي الرئيس اليوم قبل الامس، والحكمة المتوارثة تقول لا تؤجل عمل اليوم الى الغد، ففي الغد ستدفع اثمانا مضاعفة.

تيري بطرس