قرعت اجراس الفزع في باريس عندما اعلنت شركة كوكل دوت كوم
(Google.com) في شهر ديسمبر الماضي عن عزمها لوضع 15-مليون كتاب من مجاميع جامعات هارفرد وستانفورد وميشغن واكسفورد على موقعها في الانترنت. ولقد خصصت الشركة مبلغ 200 مليون دولار لهذا الغرض.

وسبب ذلك الفزع ان المكتبة الوطنية في فرنسا كانت قد خصصت مبلغ مليون وثلثماية وخمسون الف دولار فقط لمسح مالديها من كتب فرنسية ووضعها على الانترنت. والتخوف الذي ابداه رئيس المكتبة الوطنية الفرنسي السيد جينيني ليس بسبب ضخامة المبلغ المرصود من قبل الشركة المذكورة فحسب بل من تخوفه من ان مثل تلك المكتبة العالميه يمكن بمقدورها وضع التفاسير التاريخية لآداب القارة الاوربية من فلسفة وتاريخ وسياسة في ايادي الولايات المتحدة الامريكية، وهذا في نظره يمثل خطرا اكبر من الافلام والموسيقى والتلفزيون الامريكي.

لقد نشر السيد جينيني ذلك التخوف في جريدة اليموند في يوم 23 جنوري من هذا العام وفي اقل من 8 اسابيع دعاه الرئيس الفرنسي شيراك الى اجتماع لبحث الموضوع معه شخصيا.

لقد نفت شركة كوكل بشكل قاطع محاولتها في تفضيل ثقافة على اخرى واكدت على نيتها في طرح المعلومات على شبكة الانترنت حسب تفضيل مستعملين ماكنتها وليس على اساس ثقافي او سياسي او مالي، كما ابدت استعدادها لدعم الاخرين تقنيا او كشركاء.

وعلى هذا الاساس فان هنالك خيرات تقنية عدة للسيد جينيني، منها تطوير ماكنة بحث اوربية او التوصل الى اتفاقية مع شركة كوكل او الشركات الاخرى امثال ياهو او مايكروسوفت او امازون دوت كوم.

اما المشكلة الرئيسية التي تواجه مثل هذا المشروع
هي تعريف ما نطلق عليه انعكاسات الاعتبارات "الثقافة الاوربية" والتي هي النظرة التاريخية والثقافية للمجتمع، ولكن في اية لغة تكون هذه الانعكاسات، هل في اللغة الفرنسية ام في الاسبانية
ام الالمانية؟

لا نصادف في الغة العربية مثل هذه المشكلة التي يواجهها الفرنسيين للحفاظ على ادبياتهم، والاحرى بالجامعة العربية ان تفكر جديا في وضع كتب المكتبة العربية المطبوعة على شبكة الانترنت اما عن طريق اقامة شبكتها الخاصة (وهذا لا يمكن القيام به نظرا للوضع المالي الركيك للجامعة ) او بالقيام بمفاوضات مع شركات البحث الاكترونية.

الجميع يعرف ويعترف بفشل الجامعة العربية سياسيا ولم يبقى لها الا ان تفشل ثقافيا.

د. مصطفى حبيب

مستشار المحكمة العليا -لندن