تعيش في البلدان الاسلامية اقليات قومية ودينية عديدة، واغلبها تعاني التهميش والتمييز القانوني وبشكل رسمي في الغالب، وعندما نقول بشكل رسمي نعني ان القوانيين او تفسيراتها تقر هذا التمييز المقونن لاسباب اغلبها دينية وقومية.

بالنسبة لشعبنا الاشوري (الذي يعرف ايضا باسماء اخرى مثل الكلداني او السرياني) فاننا لو تفحصنا تاريخه الحديث في القرنين الماضيين لرأينا انه تعرض لاكثر من خمسة مذابح كبرى، فقد في كل منها عشرات الالاف من ابناءه قتلى، وبعض هذه المذابح ادت الى فقدان المئات من الالاف مثل مذابح 1915 -1917 وكل هذه المذابح اقتنرفت بحجة الجهاد ضد الكفار.

هذا ناهيك عن اضطرار مئات الالاف الاخرى لاعتناق الدين الاسلامي فرارا من المصير المحتوم.

ان حياة الاشوريين في السنوات الخمسين الماضية وان كانت تبدو انها خالية من المذابح الممنهجة كما اسلفنا بشان المذابح السابقة، الا انها لم تخلو من مذابح تبدو هينة لشعب تاريخه مذابح وابادة جماعية متواصلة.

فهناك مذبحة صوريا عام 1969 والتي بقى مقترفها، عبدالكريم الجحيشي الضابط في الجيش العراقي، طليقا وحرا حتى بعد سقوط النظام العراقي عام 2003.

وهناك حملة اقتلاع تضمنت تدمير اكثر من مائة قرية كانت تضم تراث اجدادنا وعشرات الكنائس البعض منها من اروع الكنائس المبنية منذ اكثر من الف سنة مما كان سيجعلها تراثا انسانيا بحق، كما تم تدمير نوعية من المعيشة الممتدة لعشرات القرون والتي كانت قابلة للتطور في السياق الطبيعي للتطور وليس الاقتلاع.

كما ان العقود الاخيرة تضمنت مذبحة من نوع اخر.

فنتيجة للحياة العصرية ومتطلباتها فقد ترك اغلب الاشوريين حياة الزراعة والرعي الى العمل في مجالات اخرى، سواء اكان ذلك اختيارا بحكم تطور الحياة او اضطرارا بحكم سياسات الهجرة والتهجير القسري، مما عنى ليس مجرد ترك مهنهم القديمة بل قراهم واماكن عيشهم السابقة التي كانت تمنحهم الامان من الانصهار في بوتقة الاكثريات.

كما ان سوق العمل الحديثة وبفعل قوانيين البلد تتطلب الالمام بلغة البلد الرسمية وثقافته الموجهة فقط، لا بل الانتماء للاتجاه السياسي المسيطر على نظام الحكم الذي كان يتعارض كليا مع مصالح شعبنا وخصوصياته القومية والدينية والثقافية بل ويسعى الى الغاءها ناهيك عن منع استمرارية تراثه وتقافته وتطورها، فلا يخفى ما للعامل الاقتصادي من اثر في انزواء ثقافة القوميات الصغيرة ولغاتها، فانزوت ثقافتنا الاشورية ولغتنا السريانية داخل اقبية وجدران الكنائس، وفقدت بذلك فرصة مواكبة العصر وتطوراته، حتى شاعت مقولة ان لغتنا لم تعد تمنح الخبز، اي ان تعلمها لن ينفع في اشباع البطون الجائعة.

اغلب البلدان التي نعيش فيها قد اقرت او وافقت على الاعلان العالمي لحقوق الانسان، الا انه من المؤسف حقا، ان كل هذه الدول اعتبرت هذه الموافقة او التوقيع من مستلزمات الهيبة في الامم المتحدة ليس الا.

اما في مجال التطبيق العملي والفعلي، فان انتهاك هذه الحقوق جار بشكل مستمر وبلا حياء، بل ان الثقافة السائدة في هذه البلدان تشجع على هذا الانتهاك، من خلال اعتبار الظلم والعدوان وكذلك العفو من صفات الرجولة الحقة، هذه الصفة التي يمنح لها حق قيادة هذه البلدان فقط.

ان البلدان التي نعيش فيها، بالرغم من غناها الاقتصادي ووفرة مواردها الطبيعية والبشرية، وبالرغم ادعاءها انها من امة واحدة وتعمل من اجل الوحدة، الا ان الملاحظ ونتيجة للثقافة السياسية السائدة، فان تركيزها هو نحو الوحدة السياسية المفروضة فوقيا التي تستهدف حماية الانظمة، وبالتالي عدم استفادة الشعوب من اي تقارب سياسي في تطوير الحريات الفردية والاجتماعية او في تطوير القدرات الاقتصادية.

ان هذه البلدان ينطبق عليها حقا القول انها من البلدان الفاشلة، اي ان وضعها في ظل الاستعمار كان افضل مما هو عليه الان، قياسا بالحريات الفردية والقدرات الاقتصادية ومن ناحية توزيع الدخل على المواطنيين.

فقد عملت الحكومات السابقة او التي عملت تحت ظل الانتدابات على توسيع رقعة الطبقة الوسطى، هذه الطبقة التي يتم عل اكتافها بناء الوطن وهي التي تضع القوانيين الاكثر تسامحا ومماشاة للعصر، الا ان الحكومات الاستقلالية عملت على تدمير هذه الطبقة وقسمت المجتمع الى طبقتين، طبقة غنية جدا ومسيطرة على الحكم وكل مفاصل السلطة وضيقة الافق وقليلة العدد، وطبقة فقيرة لم يبق لها الا اللجوء الى الغيبيات والنكوص نحو الروابط الاكثر تخلفا لحماية النفس.

اما الاقليات القومية والدينية وامام هذا الواقع وامام فقدان كل القدرات على المحافظة على ثقافتها ومعتقداتها، ونتيجة لبروز وتنامي المد الديني الاسلامي الذي لا يقبل بالاخرين ويكفرهم (التكفير له تبعات قانونية وليس كما يشاع ان الكفار هم غير مؤمنين ليس اكثر)، هذا المد الذي تمتع بمساندة مالية واعلامية مباشرة من الدول احيانا، او تمتع بدعمها الغير المباشر احيانا اخرى عبر تغاضيها عنه وعن ممارساته، فقد شعرت الاقليات الدينية والقومية انها امام خيارين صعبين، الا وهما اما الاندماج في الرائج والتخلي عن كل الموروث الثقافي او الهجرة والاغتراب في المنافي خصوصا ان هذه الاقليات شعرت حقا انها الوحيدة امام هذا المد العظيم والمتمتع بكل الامكانات من السلطة الى المال، فلذا نرى حركة الهجرة تشمل معظم دولنا التي ولدنا فيها والتي تضم موروثنا الثقافي والتي كانت لنا بلد الاصل ونحن من احفاد من بنوها منذ الاف السنين، حتى تكاد هذه الاوطان تخلو من ابناءها الاصليين، وقراءة عابرة لارقام المهاجرين او لنسب القوميات الصغيرة في اوطانها الى مجموع ابناء الوطن تبين ان مخاوف خلو الاوطان من ابناءها الاصلينن هي مخاوف حقيقية يتوجب الوقوف عندها ومعالجتها.

لقد سكت العالم وسكتت اوربا عن محنة الاقليات الدينية والقومية في البلدان العربية، لاسباب من الواضح انها اقتصادية، ومن الواضح ان الحرب الباردة لعبت دورا في هذا السكوت، الا ان سقوط الجدار الحديدي كان من المفترض ان يفتح اعين الدول الاوربية للمأساة الحاصلة على التخوم الاخر من البحر الابيض المتوسط، ولكن الظاهر ان اوربا ترددت امام الامتحان الكبير في التعامل مع الحق لاجل الاقتصاد او خوفا من اثارة اقلياتها الدينية التي تنتمي للغالبية الحاكمة في البلدان التي تضطهد اقلياتها.

ان التعصب الديني والقومي الشائع في منطقة الشرق الاوسط، منبعه الثقافة السائدة والموجهة من قبل الحكومات التي تصر على ان اي انتقاد او المطالبة بالتغيير في هذه البلدان هو تهديد للاسلام.

حتى نرى ان الطبقات الفقيرة والتي تضم الاكثريات المسحوقة من ابناء هذه الشعوب على ايدي حكامها، وبالرغم من فقر وعوز هذه الطبقات والاوطان واعتماد بلدانها رغم غناها على المعونات الدولية، نرى ان هذه الطبقات لاعتقادها ان دينها وهو دين الاكثرية مهدد ولكونها رهينة الثقافة السائدة تقوم بدعم حكوماتها عندما يكون الامر متعلقا بالقوميات الصغيرة والاقليات الدينية وحقوقها، وهنا لم تتمكن الفئة المثقففة من القيام باي دور ريادي في نقل حقيقة الامر ومن حاول فقد تم تخوينه والقضاء عليه.

ان محنة الاقليات القومية والدينية في منطقة الشرق الاوسط كبيرة جدا، وان حلها ليس ضمن قدرة هذه الاقليات، فهي قدمت كل ما تتمكن من اجل وطنها، لانها اصلا من تتاثر اولا بكل المتغييرات الثقافية والعلمية الجارية في العالم وتنقل هذه التاثيرات بشكل ايجابي الى اوطانها، ولكن الظلم ونظرة الشك والتكفير ادت بها الى الانزواء في غيتوهات او الهروب الى الخارج.

ان معالجة محنة الاقليات القومية والدينية، يتطلب من العالم الحر واوربا خصوصا، العمل بشكل فاعل على تسليط الضوء على معاناة هذه الاقليات:

معاناتهم القانونية التي تميز بينهم وبين المواطنين الاخرين على اساس الدين والعنصر القومي

معاناتهم من تدمير مواطنهم ومعالمهم وموروثهم وهويتهم

معاناتهم من التهميش الذي يصيب ثقافتهم هذه الثقافة التي خدمت البشرية لقرون طويلة

ان تسليط الضوء على هذه المعاناة يتطلب ايضا دفع حكومات هذه البلدان الى الالتزام بالقوانيين والمواثيق الدولية الموقعة من قبل دولها، ودفع الدول التي لم توقع هذه المواثيق للتوقيع عليها وتنفيذ بنودها.

ان تعلل هذه الدول بان تنفيذ الاعلان العالمي لحقوق الانسان يتنافي مع ثقافتها، هو بحد ذاته اهانة للكرامة الانسانية، هذه الكرامة التي يمجدها كل انسان.

ان التضحيات الكبيرة التي قدمها شعبنا الاشوري والتي تقدر بمئات الالاف من القتلى في القرنين الماضين، جراء تمسكه بهويته القومية والدينية، وكون هذه التضحيات وعمليات القتل والسلب والنهب والاغتصابات، قد اقترفت من جيران شعبنا، ولم تحدث من شعوب بعيدة اتت من اقاصي الارض، وشعبنا يدرك صعوبة اعادة عقارب الساعة الى الوراء، الا انه يدرك ان له على جيرانه دين يجب العمل على دفعه، وديننا اليوم الذي نطالب العالم بمساعدتنا لاستيفائه، هو اقامة منطومة قانونية يتساوى شعبنا فيها مع بقية الشعوب التي نتعايش معها، لان هذه الشعوب هي التي كانت السبب في كوننا اقليات صغيرة اليوم، كما نطالب باقرار هذه المسؤولية بشكل واضح في كتب التاريخ التي تدرس لكي نتعلم من هذا التاريخ.

ولتوضيح مقصدنا اكثر في الخطوات التي نراها صائبة للحفاظ على هذه الاقليات الدينية والقومية في بلدانها الاصلية وبالاخص شعبنا الاشوري، فاننا نرى العمل على توفير وقوننة وتنفيذ التالي:

·
العمل على قيام المؤسسات الاوربية بحث دول الشرق الاوسط
لتبني النظام الديمقراطي العلماني، الذي لا يفرق بين المواطنين بحسب انتمائهم الديني، ويسجب من احد الاديان الاستفادة من القدرات الاقتصادية للدولة وحرمان بقية الاديان منها.

·
العمل على ان تقر هذه الدول وتوقع وتنفذ الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وان تعتبره جزءا من منطومتها القانونية.

·
العمل على الاعتراف الدستوري الكامل بالحقوق السياسية والادارية والعمل على ممارستها فعلا و قوننة مساواة المجموعات السكانية سواء على المستوى القومي او الديني، بما يعني انشاء مجالس تشريعية موازية تتساوي فيها القدرات التصويتية على القوانيين المستحدثة او المطورة، لعدم فرض قوانين تتنافي مع المعتقدات الضميرية لابناء الاقليات القومية والدينية.

·
العمل على فرض عقوبات دولية فعالة، ودفع المجتمع الدولي لمقاطعة الدول التي تعارض هذه الاصلاحات، والعمل بشكل جدي لدعم كل التوجهات السياسية التي تدعم الاصلاحات والحقوق الديمقراطية وحقوق الانسان.

·
فضح احتماء القوى الظلامية والانظمة الدكتاتنورية بالاسلام وحمايته من اجل استمراريتها.

·
دعم الاقليات الدينية والقومية ماديا من اجل نشر ثقافتها وتطويرها، عدا ما يهين الكرامة الانسانية ويزرع مسببات الحقد بين المجموعات البشرية.

·
قيام المسؤولين والمؤسسات الاوربية بالتأكيد الدائم على حقوقنا وضمانها كشرط لقيام علافات سوية بين اوربا والعراق وبقية دول الشرق الاوسط بما يخص بقية الاقليات.

·
قيام المؤسسات الاوربية بأنشاء مؤوسسات رقابية وتنبيهية، تراقب وتنبه وتصدر تقارير دورية حول مدى جدية دول الشرق الاوسط في تنفيذ التزاماتها، واقامة منظومة للعقوبات للدول المنتهكة لهذه الالتزامات، ونعني التزامات الدول بشأن الاقليات القومية والدينية بالاخص.

·
اقامة مراكز لتشجيع الحوار والتسامح وتدريب الكوادر لادارته في دول المنطقة ودعم مؤسسات المجتمع المدني وخصوصا الخاصة بالاقليات .

·
كما ندعوا دول الاتحاد الاوربي الى مساندة شعبنا الاشوري ماديا، وخصوصا انه تظرر كثيرا بسبب كون اغلبه كان يعمل في القطاع الخاص، وهذا القطاع ظل مشلولا لامد طويل، ويكون الدعم باعادة انشاء القرى وتحديث بناها التحتية الاقتصادية واقامة بنى ثقافية مثل المدارس والجمعيات ووسائل النشر والاعلام بلغتنا للارتقاء بثقافة الشعب واعادة احياء لغته بشكل فاعل.

·
تهيئة برامج للتأهيل والتدريب في مجالات مختلفة.

·
اننا كشعوب نود ان نعيش في وطننا، لان هويتنا تجسدت هنالك لالاف السنين، وهنا نطالب الجميع ببذل يد المساعدة لنا وفي مختلف المجالات، كما نؤكد ان الامن والامان هو احد متطلبات التطور والاستمرار، بالاظافة الى تشجيع التيارات الديمقراطية والليبرالية في مجتمعاتنا لكي نتمكن من العيش سوية، ولكي نتمكن من التحاور للوصول الى بناء اوطان مستقرة وقابلة للتطور، فيقينا ان الحوار هو اسلم الطرق للبناء، ولكن الحوار لمن يقبل ان يتحاور معك، ويشعر انك متساوي معه في الحق والكرامة، ولا يمكن اقامة حوار مع شخص يكفرك ويعتبرك خارج حساباته لانك من غير دينه.

ورقة مقدمة الى مؤتمر التحالف للدفاع عن حقوق الانسان

اعد الورقة: تيري بطرس