عن الموسيقى الايرانية هو عنوان كتاب ضخم يتكون من اربعة مجلدات صدر مؤخرا بطهران (دار نشر ني 2004) يضم حوارات أجراها الناقد الايراني محسن شهرنادار مع أبرز الموسيقيين الايرانيين الذين أثروا الحياة الموسيقية الايرانية على المستويين النظري والانجازي في عقدي الستينات والسبعينات في "مركز الموسيقى الايرانية" و"معهد الفنون الجميلة" التابع لجامعة طهران.
في هذا الكتاب يتطرق كل من مجيد كياني ومحمد رضا درويشي ووحسين علي زادة وداريوش طلايي إلى أهم خصائص الموسيقى الايرانية بشقيها التقليدي والحداثي .
ولتقديم صورة واضحة عن الموسيقى الايرانية التي تتقارب في بعدها النظري مع الموسيقى العربية لابد من الاشارة الى العلاقة الوثيقة التي ربطتها بحركة المجتمع الايراني فموجة التغيرات الجذرية التي شهدتها ايران في بدايات القرن الفائت شكلت جملة من المؤثرات العميقة على النسيج الموسيقي والقيم الذوقية والجمالية. كما يشكل البعدان التاريخي والاجتماعي مرجعا مهما لدراسة النتاج الموسيقي في هذا البلد.
وقد أكد شهرنادار في المقدمة التي كتبها:"ان التحليل الاجتماعي للموسيقى يتطلب تتبع الأثر الكبير الذي تركته التيارات الفكرية والحركات السياسية على الحياة الموسيقية من خلال مواقفهم وارائهم تجاه سؤال الهوية يضاف الى ذلك الدور الذي يمارسه العمل النقدي ذاته في الكشف عن جوانب من التناقضات الحادة التي عصفت بالمجتمع الايراني وذلك من خلال الاسهام النقد الذي تتضمنه بنية العمل الفني وهو العنصر الذي يندر أن نصادفه في الموسيقى التقليدية الايرانية غير المعنية بوعي الفنان ووجهات نظره بخصوص الظروف الراهنة.
في هذا الكتاب يستعرض الموسيقار الايراني محمد رضا درويشي جملة من الفنانين الايرانيين الذين ركزوا في منجزهم الفني على ايجاد مقاربات بين الموسيقى التقليدية والموسيقى الحديثة من خلال اعتماد بعض القيم الذوقية الغربية وتكنيكاتها التقنية مما عكست أعمالهم صورة عن المجتمع الايراني في تأرجحه المستمر بين الأصالة والتحديث.
يذكر أن المكتبة الايرانية تحتوي على مجموعة كبيرة من المؤلفات والرسائل والشذرات في مجال التنظير الموسيقي بدءا من بحوث الفارابي في احصاء العلوم ومرورا بمؤلفات صفي الدين الأرموي والمراغي وابن سينا وصولا الى الفيلسوف الايراني صدر الدين الشيرازي. الا ان التغير الجذري الذي شهدته الموسيقى الايرانية جاء مع انفتاح الايرانيين على الثقافة الفرنسية منذ ارسال أول بعثة دراسية لهذا البلد عام 1846 وتأسيس مدرسة دار الفنون، في العام ذاته (وهي المدرسة التي أنجبت الرعيل الأول من الانتلجنسيا الايرانية المنفتحة على ثقافة الأخر عبر اعتماد المناهج الدراسية الفرنسية، كما لابد من الاشارة الى اسهامها في اندلاع الثورة الدستورية عام 1906 كأكبر حدث سياسي شهدته ايران في القرن العشرين).
عام 1856 وبأمر من ناصر الدين شاه أوفدت فرنسا خبيرين موسيقيين الى ايران لتأسيس الفرقة السمفونية الملكية وبعد أثني عشر عاما من هذا التاريخ وبطلب من الحكومة الايرانية وموافقة وزير الحرب الفرنسي آنذاك جاء الى طهران "الفرد جان باتيست لومر" لإنشاء "قسم الموسيقى الحربية" في مدرسة دار الفنون، وتم اعتبارها اول قسم للموسيقى الحديثة في ايران.