مصطفى عبد العزيز: "ما فيش حد ما بيشكش فيها" ، جواب بديهي سريعي تعاجلك به رشا عند سؤالها عن ثقة أهلها بها . ولا يتوقف الامر عن مجرد الشك ، فتسرسل الفتاة العشرينية في توصيف شك اهلها الدائم على الرغم من انها باتت فتاة عاملة عقب تخرجها من الجامعة " انا يوميا تحت المراقبة واخضع لاستجواب لا نهاية له ..اين كنت ، مع من ..".

وحين حولت رشا اهتمامها وتسليتها الى الانترنت ، تحول شك اهلها نحو هذا الجهاز " الغريب " بالنسبة لهم . فباتوا يجلسون الى جانبها حين تجلس لساعات طويلة امامه ويحاولن معرفةإلى من تتحدث واي من المواقع تدخل .." والمضحك انهم يضيعون وقتهم سدى، فهم لا يفهمون شيئا مما اكتبه اثناء الحديث “online” ولا يعرفون اذا كنت اتحدث الى صبي او فتاة ".

لعل طبيعة رشا _ الواضحة جدا _ دفعتها الى عدم المحاولة لكسر الشك الذي يتملك بذويها .. " لا اعرف ما الذي يبحثون عنه ، فانا واضحة اكثر من الوضوح . لكن الشك من طبيعتهم على ما اعتقد ، فهم يحبون مراقبة من حولهم ". وعليه كان "التطنيش" أمثل طريقة للتعامل معهم ، فهي لا تأخذ بتصرفات أهلها ولا بأسئلتهم مادامت لا تفعل شيئا خطأ كما أنها لا تريد أن تدخل في مواجهات وخناقات مع أهلها لذلك فهي تعمل "ودن من طين وودن من عجين".

هذا الشك الذي يعد سمة غالبة على معظم الاهل بشكل عام ، قد تتطور عند البعض وتتحول الى ازعاج وقد تخف عند البعض الاخر حين تكسب الفتاة ثقة اهلها . والشك عادة ما يكون محيطا بالفتاة كون الشاب مبرر له الذهاب اينما يشاء وفي الوقت الذي يحلو له .
"شك اهلي نابع من خوفهم وحبهم لي خصوصا وان الدنيا اصبحت غير امنة ولان الابن او الابنة مهما كبروا فهم ناقصو الخبرة بنطر اهلهم" ، مبررات ترددها علا باقتناع ، هذه المبررات التي تشبه الى حد كبير المبررات التي يعتمدها الاهل انفسهم "لشرعنة " شكوكهم واسئلتهم التي يلاحقون بها ابناءهم " الحوار يقلل من شك الاهل ، فانا وعلى الرغم من انني متحررة الى حد ما في ملابسي ( فهي غير محجبة) إلا أنني ووالدتي أصدقاء أحكي لها عن كل شيء خاص بي. لذا فهي وجميع من حولي يعلمون أنني لو عملت حاجة (مش تمام) ممكن أموت حتى لو لم يعلم بها أحد".
لذلك فلا مكان للشك بينها وبين والدتها، الامر الذي قد يسهل المهمة مع والدها الذي قد يتأثر الى حد كبير بقرب الام من ابنتها وثقتها بها .

هذا " النعيم " لا ينطبق على حياة مهى التي يحرم عليها والديها حتى مجرد القاء التحية على اي من الشباب ظنا منهم ان اي " ذكر" يسعى للتعرف على فتاة واقامة علاقة معها سيء النية .وكما كل حصار كان الانفجار هو رد فعل هذه العشرينية ، فاقتحمت عالم " العلاقات" بقوة ودون مبررات فاصبح لها علاقات كثيرة مع عدد كبير من الشبان مهما كانت اخلاقهم ." اردت ان اثبت ان البنت قادرة على تحديد مسار العلاقة بينها وبين اي شاب رغم ما يسببه ذلك من مشاكل لها ".

قد يكون الشك نابع من خوف الاهل على بناتهم ، لكنه احيانا يخرج عن نطاقه المنطقي فيتحول الى " وحش " قادر على قتل اي علاقة طبيعية بين الام والاب وابنتهما التي تنفر من تصرفاتهم المتكررة والمهينة الى حد ما ."امي كانت تفتش حقيبتي وتتنصت على مكالماتي علها تجد دليلا يثبت انني على علاقة باحد الشبان " . فتربية مهى الحازمة لم تحمها من شك والدتها المستمر والذي بدأ منذ كانت في المرحلة الثانوية وخاصة مع دخول التليفون والإنترنت الى البيت.
،"أمي كانت تشك إذا زادت مدة المكالمة بيني وبين إحدى صديقاتي، فكانت أحيانا تتأكد من شخصية المتحدث من خلال رفع سماعة التليفون الموجود في غرفتها ويصل الشك أحيانا إلى التحدث بطريقة تجرحني مثل التساؤل عن أخلاق تلك الصديقة التي تتحدث ساعة على الهاتف ".

لم تشكل الجامعة مخرجا لهدى ، على العكس ، فزادت الامور تعقيدا ،"كانت تحاسبني على التأخر وتطالبني بجدول محاضراتي حتى تتأكد من موعد الانصراف من الكلية حتى أنني لجأت إلى إعطائها جدولًا مختلفًا ومغلوطًا وأضفت عدة محاضرات كي يتسنى لي المكوث مع صديقاتي بعد انتهاء موعد المحاضرات أو الخروج معهن لأنها كانت ترفض ذلك تماما".اما حين ارتبطت هدى باحد زملائها اخفت الامر جيدا ، فامها " الشكاكة " بطبعها لن تتردد في تشديد الحصار والقاء اللوم على هذه العلاقة على كل شائبة قد تحدث معها " امي تشك بي في جميع الاحوال .. سواءكنت على علاقة باحدهم او لم اكن .. فمش فارقة معي".

في المقابل قد يكون شك الام اخف وطأة من شك الوالد ، او هكذا ترى فاطمة معضلة الشك ، فوالدها وبعد وفاة والدتها امتنع عن الذهاب الى عمله ليمكث مع بناته الثلاثة " كان يشك حين يرن الهاتف ولا يرد عليه احد " .وتذكر فاطمة أن هذا الموقف أدى الى اتهامي أنا وأخوتي إلى أن إحدانا على علاقة بأحد وهو من أغلق سماعة التليفون عند سماع صوته ، "وتشاجر معنا وبعد حين اتضح لنا أن ابن أخينا هو الذي اتصل ولكن حدث تلف في السماعة جعله لا يتم المحادثة".وبلغت الحالة ذروتها حين حرمت فاطمة من عملها واوصى بها الى احد اصدقائه كي تعمل في العمارة التي يقطنون فيها " كي اكون تحت عينه _ كما يردد دائما ". لا تنكر فاطمة العبء الثقيل الذي القي على كاهله عقب وفاة والدته لكن هم والدها ينحصر بعدم تعرض الناس له واعتباره فاشلا في تربية بناته بعد وفاة والداتهم ،"لكن هذا الشك الدائم حول حياتنا الى جحيم مستمر من الخناقات والصوت المرتفع وجعلنا جميعا نتجنبه .فصرنا غرباء ونحن في بيت واحد- لا أم ولا أب-" .

الشك مرض لا سبيل الى حصره في حال فرض سيطرته على الشخص ، فيحوله الى انسان كريه لا سبيل له للتحكم بتصرفاته التي قد تؤذي كل من حوله . الشك الخفيف كما يحلو للبعص تسميته قد يتم تبريره بالوضع الاجتماعي الحالي والشباب الذي يسعى النيل من جسد الفتاة او اموالها . الشك لا ينحصرفي مجتمع عربي دون سواه ، فالمعاناةغير محصورة في مجتمع مصري او سعودي او كويتي او لبناني .. هو جزء من" شرقية " تحاول حماية الابنة من شوائب المجتمع . وان كانت " الشرقية " تنطوي على عدد كبير من المبالغة في حماية الفتاة .. فلك ان تتخيل النتيحة حين تجتمع مع شكوك مبررة لحاملها ..