أقراص البورنو في صبرا :
سوريون يبيعون ، ولبنانيون يستهلكون!
عصام سحمراني : "عندك فيلم آلام المسيح؟" سأل علي أحد بائعي "السي دي" في المنطقة التي اتفق الجميع على تسميتها "صبرا"، بالقرب من مقبرة شهداء المجزرة. فالفيلم أخذ ضجة واسعة ولم يشاهده بعد. سأل علي ببراءة من يدخل السوق للمرة الثانية في حياته. إنفعل البائع بغرابة من شعر بالإهانة ونظر إلى علي نظرة احتقار وأجابه ،"لا خيّو هون بس سكس!".
صبرا
أصوات مرتفعة، مناداة على البضائع، مكبرات صوت ترتفع سويّاً بالأغاني والأناشيد وبتلاوة القرآن. عربات خضار وملابس وأحذية جديدة وبالية، عطورات مركّبة وأخرى جاهزة.. قطع كمبيوتر والكترونيات ، كتب مستعملة، أواني زجاجية وبلاستيكية وأشرطة وأقراص فيديو وأغاني.
حلاق في منتصف الشارع ، طاولة "بيبي فوت" لا دكّان لها. حلويات ومأكولات، أكبر سندويش شاورما بألف ليرة .. عصير على العربات، سوس وشراب ورد وتمر هندي على الظهور،عربات لكلّ شيء بألف ليرة وبخمسمائة ليرة. لاعبو "كشاتبين" وأرقام ، متسولون وبصارات. باعة كثر ومدّ بشري هائل من المتسوقين. سوريون، لبنانيون، فلسطينيون، مصريون، سريلانكيون وهنود، أكراد سوريون وأكراد غير سوريين، نَوَر وجنسيات ولا جنسيات أخرى . كلّ شيء هنا له رائحة : البشر والمأكولات والملابس والعطورات. وأبشع ما فيها اختلاطها. أهلاً بكم في "صبرا".
يمتد هذا الشارع من محطة الرحاب جنوبا _ في محلة طريق الجديدة في العاصمة اللبنانية بيروت ، حتى سوق "صبرا" الرئيسي شمالاً . وقد كان يسمى فيما مضى "شاتيلا". وينقسم إلى قسمين رئيسيين كما يقول عبد أحد سكان الأحياء اللبنانية في الجوار،"قبل المزبلة ، وبعد المزبلة!".
وفي حين تباع البضائع المتنوعة في القسمين على حد سواء فإنّ قسم "ما قبل المزبلة" ينفرد بترويج سلعة مميّزة للغاية هي أقراص الفيديو الجنسية. ولم يأت تدافع بائعي هذه السلعة الرائجة إلى هذا القسم بالذات عبثاً وهذا ما يبيّنه حسين البائع اللبناني الوحيد من بينهم ،"في الجهة الشمالية مسجد وشبّان متشددون من ذوي اللحى الكثيفة، أما من هذه الجهة فلا شيء سوى الأوتوستراد ومحطة البنزين، ومن هنا طبعاً أقرب إلى شبّان الضاحية!" يشير حسين جنوباً حيث أكثرية الزبائن تأتي وتذهب من هناك.
باعة
تعرض البضاعة المميّزة تلك إمّا على عربات صغيرة أو على طاولات في معظم الأحيان. وغالباً ما يكون "السي دي" غير مغلف، الأمر الذي يجعل البائع يغطيه بـ"كلينكس" أو بكيس نايلون متناهي في صغره ،"منشان عيب يراه أحد " يعلق أحد البائعين.
ويباع "السي دي" عادة بألف ليرة لا غير، لكن بعض الخدمات المميزة يرفع سعره الى خمسمائة أو حتى ألفاً آخر أحياناً . خدمات مثل "التغليف بالصور" ..يشير أحد الباعة وهو يحاول إغراء أحد الشبّان بما ينتظره داخل القرص، وقد حاول البائع استغلال قلة خبرة الشاب بالموضوع حين لاحظ تلهّفه على كل ما أمامه بعيون ثاقبة وفم مفتوح. ويلجأ باعة آخرون إلى حيلة أخرى لزيادة السعر، فيعلنون أنّ ما لديهم هو "موديل الألفين وخمسة ريّس" يناديني أحدهم وقد امتدّت على عربته مجموعة كبيرة من الأقراص كتب عليها جميعاً عناوين الأفلام بقلم عريض أحمر: حبالى ، أميرة القصر، سجينات شبقات ، هيفا، هندي، تركي، مصري، فتيات تكساس… وغيرها الكثير من الأسماء.
وما يلفت النظر في كل الأقراص المعروضة لدى مختلف الباعة هو الخط العريض الأحمر أو الأزرق الموجود عليها، الأمر الذي لا يختلف فيه اثنان انّه متشابه بينها جميعاً. وذلك ما يدلّ - بطبيعة الحال- على مصدرها الواحد. فمن هو هذا المصدر؟!! أمر لا يعرفه_ أو لنوضح أكثر_ يخشى البوح به معظم البائعين. لكنّ انفلات بعض الكلمات خلال نهارهم الطويل يدل على اسم شخص أو لقب شخص ما، فلنسميه الصيني.
والصيني هذا "خاض معارك طويلة للسيطرة على السوق" يعترف ربيع أحد لبنانيي السوق بالسر ، وترجع سيطرة هذا الشخص على غيره بالذات إلى انّه "مدعوم من ناس كبار"، يهمس ربيع مرّة أخرى كيلا يسمعه أحد الموجودين ،"لك إي هيدا حكي خطير!!".
زبائن
يقبل الشبّان بكثرة على هذا النوع من الأقراص، وبينما يعتبر بعضهم الأمر "طبيعي جداً"، يخجل أكثرهم ويسرع الخطى في الخروج من المكان بعد ابتياع مطلبه من أقرب بائع للمدخل،"عالعمياني إنقيتهن !" يقول رضوان ذو التسعة والعشرين عاماً. ويبرر مشاهدته مثل هذه الأفلام بقوله، "مش متزوج ، والسي دي رخيص، حتى الفي سي دي بأربعين ألف ليرة" يقول رضوان في إشارة منه إلى جهاز الفيديو الخاص بهذه الأقراص، والتي لا تضاهي بجودتها وقدرة استيعابها أقراص D.V.D.
ويتعب المستهلكون في بعض الأحيان كي يجدوا بائعاً واحداً ،"لمّا يكون في دوريات للدرك _ الشرطة" يقول سعد. لكنّه يضيف أنّ هذا الأمر مقتصر على عديمي الخبرة من بين الزبائن، "من يملك خبرة يعرف شكل البائع ويطلب منه حتى ولو كان يدّعي انّه بائع كلسات أو أيّ شيء آخر" يقول سعد صاحب الخبرة التي يحسد عليها. ما شاء الله.
وقد كثّفت الشرطة دورياتها هناك منذ فترة ليست بالقصيرة اي منذ صيف عام 2003. وذلك بسبب خلاف كبير نشب على خلفية السيطرة على سوق الأقراص هناك . وأدّى هذا الخلاف إلى مصرع أكثر من شخص واعتقال عدداً آخر،"كله بسبب الثقافي " يهزأ سعد في إشارة منه إلى الشريط السينمائي المصري : فيلم ثقافي، الذي يصوّر حياة ثلاثة شبّان يتوقف مصير حياتهم على مشاهدة أحد الأفلام الجنسية ويفشلون مرّة تلو الأخرى.
وسهرة
يعتبر سعد من أكثر الزبائن خبرة، ويردّ ذلك إلى الكميات الهائلة من الأقراص التي يبتاعها من المكان "كل سبت يرسلني الشباب لشراء خمسة سي دي". ويجتمع مع رفاقه في منزل احدهم حين يخلو "الجو" لهم .. يشعلون نارة أراكيلهم ويتخذ كل منهم موقعاً معتاداً بإنتظار بدء العرض. لقد صادفهم حظّ جيّد هذه الليلة فشاشة التلفاز في منزل سعد كبيرة، "29 إنش، الله أكبر!" يصرخ كميل بعفوية المفاجآت السعيدة. ويسخر بعدها من زميل لهم "مش متل عندكن بدّك منظار لتشوف".
يبدأ العرض ويخيم صمت لا تقطعه سوى حشرجة الأراكيل. تنصت الآذان جيّداً وتتّسع العيون. تمتلأ الغرفة الصغيرة بالدخان وسرعان ما ينقشع على شاشة تعجّ بألوان حرمانهم. "يسلملي ربّك!!" يصرخ أحدهم ملء فيه ويزجره الآخرون ،"شو ما شايف بحياتك!!". يصمت ويعودون لإصغاء العيون قبل الآذان.
سهرة الأصحاب تلك غالباً ما يقطعها أمر ما مثل تلك الحادثة التي يتندرون فيها على سمير. فهذا الاخير - كما يروي الحادثة "سعد" - جنّ جنونه بعدما باشروا بسهرتهم كالمعتاد، "اصابه الجنون وصار يشتمنا ويشتم نفسه وقام بكشر الفديو ". حوادث مثل هذه يردّها الشبّان إلى الحالة الصعبة التي يعيشونها ، فلا عمل ولا مدخول وبالتالي لا سبيل لاي علاقة مع اي فتاة .
وان كان علي _ الباحث عن فيلم الام المسيح _ صعق للجواب الذي تلقاه لكنه في المقابل تعرّف إلى السوق الرئيسي في لبنان لأفلام "البورنو". وربّما يصبح في المستقبل القريب أحد المستهلكين؛،"لا يا أخي ، الله يبعدنا عن الحرام!!".
آمين يا أخ علي!…




التعليقات