سيادة
نسرين عزالدين: يضحك ..ويتصنع مزيدا من الانهماك ، سيشارك في مظاهرة الموالاة بعد قليل . بالامس شارك في مظاهرة المعارضة واليوم هو مع الطرف الاخر .. فكلهم يهتفون للوطن وللحقيقة وهذا ما يهمه .
يحلو له زيارة موقع المعارضة بعد منتصف الليل ،"مناكل بزورات ومنشرب عصير تحت ومنتسلى شوي" ثم يعود الى منزله .
هو معارض وموال ولا ينتمي للفريقين في الوقت نفسه .. فهؤلاء القابعين في ساحة الشهداء يقولون انهم اكثر وطنية ، واولئك الذين خرجوا باعداد هائلة جدا يقولون انهم ايضا اكثر وطنية .. والذين قرروا عدم المشاركة مع هذه الجهة او تلك يقولون انهم وطنيون للغاية ايضا . فلم لا يجمع الوطنية من كافة اطرافها ويساند كل من يهتف للوطن . سيحمل العلم اللبناني وينشد النشيد الوطني . فكلهم يقومون بذلك ، "والشاطر يعرفوا مع مين"!
هو يشارك مع الجميع ولا يهتف سوى حين ينشدون النشيد ..يحاول الا يقوده حسه الطائفي الى مكان تواجده ،ينجح بتحقيق ذلك حين يصمتون ويجد نفسه مرغما على الانسحاب حين يبدأون بالتكلم . لكن اين سينسحب؟ فأين بقعته من الوطن الان؟
.أين وطنه ووطن كل من يشبهه ، فهو لم ينزل في مظاهرة المليون والنصفلايمانه بها وومن المؤكد انه لا يعتصم في ساحة الشهداء لانه يساندهم..هو يبحث عنوطنه لا اكثر .

حرية
...لطالما اثار مشهد جارنا "السوري" في منطقة عين الرمانة إستغرابي .ما الذي اتى بهذا السوري الى منطقة مسيحية وهي الاشهر بين غيرها بأنها كانت خط تماس ايام الحرب وخط مواجهات متفرقة بين "شباب" عين الرمانة وشباب الشياح حاليا .
لقد افتتح دكانا منذ مدة من الزمن ، وتحول بعضا من سكان المنطقة الى زبائن له والبعض الاخر الى مقاطعين شرسين يرفضون وجوده. ومع مرور الوقت بات جزءا _نافرا الى حد ما _من ذلك المكان ،فالاوضاع هادئة والكره يمكن احتماله .
ثم وقعت الواقعة وبات وجوده خطر على حياته . لم يراهن على " معرفته " بكل سكان المنطقة او صبحاياته مع بعضهم ،التزم الحيطة والحذر ولم يفتح دكانه . امس _كما كل يوم منذ "انتفاضة الاستقلال"_عرج على دكانه ليتفقده بشكل عاجل قبل ان يلحظ اي منهم وجوده . وعلى الرغم من نجاحه في تفاديهم طوال الاسابيع الفائتة الى انهم كانوا له بالمرصاد هذه المرة . فالدكان الذي اتى لتفقده تم احراقه ، ومن كان زبونا له الشهر الفائت بصق في وجهه اليوم.
لم يخف بل اسمع الشارع برمته وهو يصرخ " اعرفكم واحد واحد وستدفعون الثمن غاليا ".
"هل هو مدعوم ".. "هل سيتمكن من جعلنا ندفع الثمن فعلا" .. "يا زلمي حرقنا دكانة سوري ما تخاف ". نعم لن يخافوا بعد اليوم ، فهناك من يحمي من يكره سورية .
..يقوم شباب عين الرمانة برمي الحجارة على تظاهرة الموالاة العائدة سيرا على الاقدام الى منطقة الشياح ، فيجن جنونهم ويتحضرون لما يشبه الاقتحام . البعض يثنيهم عن عزيمتهم حتى تتدخل قوى حزبية بانتظار وصول عناصر الامن والجيش لمنع اي من الطرفين الدخول الى مناطق الاخرين . مشهد روتيني لكل من يعيش في تلك المنطقة، فغزواتهم السريعة لمناطق بعضهم باتت حادث يتكرر بين حين واخرلتاتي بعدها القوى الامنية وتفصل بينهم .
في مكان اخر ، هناك من يحمي من يكره الذي يكره سورية ، فيطلقون النار ويضربون من قطع ذلك الخط الفاصل متوجها من ساحة الشهداء الى الشرقية . هناك من يشتم سورية ووالسوريين وهناك من يشتم شاتمهم .وانت لا تزال صامتا فيصلك نصيبك من تلك الشتائم ايضا .. فأنت لست بوطني والا لوقفت مع هؤلاء او اولئك . لكن لا فرق فعلا فالشتائم ستنال منك سواء كنت مشاركا أو حياديا فالكل يشتم ..ولتسقط الشتيمة حيثما تشاء .

استقلال
لا يريد ان يعرف التاريخ . لا وقت له لمراجعة اي كتب سياسية الان .هو يعتصم منذ مدة ويصرخ ويتمرد حين يطلب منه عدم التورط مع اي من الجهتين .."اريد ان اعتصم وان اعبر عن رأي ولا احتاج لاي كتاب تاريخ ليعلمني انني لا اريد ان يحكمني اي اجنبي ".
لم يتأثر كثيرا حين علم بأن مظاهرة اخرى يتم التحضير لها لشكر سورية .. لا بعرف اصلا لماذا يريدون شكرها ، لقد سمع بأنها عن تضحيات ما لكن لا وقت لديه الان لمعرفة ما هي هذه التضحيات . "في التجمع نحن لا نؤيد التظاهرة الاخرى " ويسارع ليشتري علما . بحماسة شاب لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره فتش ذلك الثوري الصغير عن بائع للاعلام اللبنانية ، فعليه ان يعود سريعا الى التجمع ، العدد مهم هكذا قالوا له .. ولعلهم اليوم يقولون له لماذا الجهة الاخرى تشكر سورية ولماذا يرفضون هم شكرها .. ربما يقولون له لماذا يكرهون سورية ولماذا يطالبون بخروجها الان في حين لم يتكلم سابقا معظم اللذين "يفقعونهم " خطابا كل يوم .
يسرع الى بائع الاعلام ويدفع5000 ليرة ثمنا للعلم .. تدفعه حماسته وثورته المستجدة الى شكر البائع بحرارة وهو يكاد يعانقه ويقبله ليفاجأه هذا الاخير بلكنته السورية . يحمل علمه الذي بدا له وكأنه فقد وطنيته . يحاول الا يكتشف اي من رفاقه انه اشترى علمه من بائع سوري .وبين شعوره بالغباء والغضب إبتلعته تلك الحشود تماما كما ابتلعته حين دفعه ذهوله لما اصاب لبنان حين تم اغتيال الحريري .
احدهم في ذلك التجمع يشبه" لبنان ساحة الشهداء" الى حد كبير ..
غيفارا على قميصه .. وصليب والى جانبه هلال يتدليان من عنقه .
تبتعد عنه لا شعوريا ، فهو بالنسبة لك اشبه بقنبلة موقوتة ..
ماذا لو قررت اطرافه الثلاثة التحاور..لركله غيفارا ووضعه على خط التماس ومن هناك "كف" في الشياح و"كف" في عين الرمانة .