من القدس: أحيا المثقفون الفلسطينيون الذكرى الثانية لرحيل الأديب حسين جميل البرغوثي، في احتفالات نظمت في رام الله وغزة، تلي فيها بعض من أشعاره وعرض في مسرح القصبة برام الله لمسرحيه البرغوثي ( لا لم يمت).

وكان البرغوثي رحل قبل عامين متأثرا بإصابته بمرض عضال، وساهم في تسريع منيته عدم وصول الأدوية الخاصة من الخارج، بسبب الحصار الذي كان مفروضا على الأراضي الفلسطينية.

وبرز البرغوثي على الساحة الأدبية في أواسط سبعينات القرن الماضي بكتابه عن (نقد الشعر المحلي) الذي صدر له عن منشورات صلاح الدين بالقدس المحتلة، وهي دار نشر رائدة أسسها وأدارها في القدس توفيق أبو رحمة والصحفي الياس نصر الله، وأبان الكتاب عن ثقافة وموهبة استثنائية، واحدث صدى واسعا ومهما وأثار نقاشا على صفحات الصحف.

ولم يتحمل كثيرون جرأة البرغوثي في نقده، وربما الملفت أن معظم من كتب عنهم من شعراء، (اضربوا) عن كتابة الشعر منذ زمن وبعضهم نسي انه كان يوما يكتب الشعر.

وكتابه المهم الثاني كان (سقوط الجدار السابع) ورغم أن حسين البرغوثي بدا فيه متأثرا بكولن ولسون صاحب كتاب (اللامنتمي)، إلا انه رسخ حسين البرغوثي كناقد صاحب رؤية شمولية نافذة.

وطبق نظريات نقدية غربية على نصوص شعرية عربية قديمة، وفي أثناء ذلك كانت نشاطات البرغوثي حافلة، بكتابة الشعر الفصيح والشعبي والترجمة والدراسات وفي كتابة كلمات أغاني لفرق محلية واعدة والاستمرار في دراسته الأكاديمية وأسلوب حياته البوهيمي إلى حد كبير.

وثم اصدر روايته الأولى (الضفة الثالثة لنهر الأردن) عن تجربة التشرد على أرصفة شوارع المدن النائية، تروي تجربته الشخصية، وهي رواية جيدة بكل المقاييس رغم أنها تتناول موضوعا طرح سابقا في الأدب العربي الحديث منذ زهرة العمر لتوفيق الحكيم حتى رواية الروائي العربي الكبير عبد الرحمن منيف (حين تركنا الجسر).

ورغم تنوع إنتاج البرغوثي، إلا انه لم يطور مشروعه النقدي بشكل ممنهج ودؤوب وربما حال أسلوب حياته دون ذلك أو أشاح بوجهه عن النقد ربما لرأي اتخذه في الأدب المحلي، وهو ما اسر به لكاتب هذه السطور في أحد اللقاءات.

وخلال فترة مرضه الأخيرة التي كان يدرك خطورته أنجز البرغوثي سيرة بعنوان (سأعيش بين اللوز) وما اعتبر أهم أعماله النثرية وهو (الضوء الأزرق) الذي صدر بأكثر من طبعة في الأراضي الفلسطينية، وكذلك عن (كتاب في جريدة) الذي يوزع مع عدد من الصحف العربية في نفس الوقت.

ومؤخرا صدرت ترجمة فرنسية للكتاب بمقدمة للشاعر محمود درويش الذي وصف البرغوثي بأنه كاتب استثنائي "ليس معروفا على نطاق واسع، ربما لأنه انفق سنوات طويلة على كتابة شعرية لم تنجح في الاقتراب من الذائقة الجمالية العامة. فقد دفعه تكوينه الأكاديمي إلى تحميل قصيدته التجريبية بحمولة معرفية زائدة، وبتنظير لما ينبغي أن يكون عليه الشعر الجديد فالتبس الشعر فيها أو اختلط في ما ليس منه".

ووصف درويش الضوء الأزرق بالكتاب الفذ وبأنه "كتاب فريد من نوعه في الكتابة العربية، ولعله اجمل إنجازات النثر في الأدب الفلسطيني".