إيلاف من بيروت: كشفت صحيفة "جوريزاليم بوست" أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب يدرس تعيين الملياردير الفلسطيني الأميركي بشار المصري لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، في إطار رؤية اقتصادية لإعادة إعمار المنطقة.

ووفقًا للصحيفة، فإن المصري لم يكن مجرد اسم طُرح فجأة، بل كان يعمل كمستشار سري ومقرب من آدم بوهلر، مبعوث ترامب لشؤون الرهائن، الذي يقود تحركات مكثفة لإيجاد حل سياسي واقتصادي لما بعد الصراع في غزة.

رجل المرحلة القادمة؟
ووفقًا للمصادر الدبلوماسية التي نقلت عنها الصحيفة، فإن بشار المصري لم يكن بعيدًا عن دوائر صناعة القرار الأميركية فيما يتعلق بغزة، بل كان على مدى أشهر يسافر على متن طائرته الخاصة مع بوهلر إلى الدوحة والقاهرة وعواصم إقليمية أخرى، حيث جرت لقاءات حول الرهائن وقضايا أخرى شديدة الحساسية. ليس هذا فحسب، بل كان المصري حاضرًا في بعض هذه المباحثات، رغم حفاظه على موقف متحفظ، ما يعكس عمق علاقته بالملف.

"البزنس قبل السياسة"
وفقًا لصحيفة "جوريزاليم بوست"، فإن اختيار بشار المصري ليس صدفة، فهو ليس مجرد ملياردير فلسطيني ناجح، بل رجل ذو رؤية اقتصادية متقدمة، استطاع خلال العقود الماضية أن يحقق اختراقًا غير مسبوق في مجال التطوير العقاري والاستثمار في فلسطين وخارجها.

يُعرف المصري بكونه المهندس الأساسي لمشروع "روابي"، وهو أول مدينة فلسطينية مخططة بالكامل، بُنيت لتكون نموذجًا حديثًا يعكس رؤية متطورة للمستقبل الفلسطيني، بعيدًا عن الفوضى العمرانية التقليدية. وقد استطاع المصري جذب استثمارات ضخمة للمشروع، بعضها جاء من مصادر غير متوقعة، بما في ذلك مستثمرون من إسرائيل، مما يعكس طبيعة علاقاته المعقدة والمتشابكة في المنطقة.

لكن ما يجعله مرشحًا قويًا في نظر إدارة ترامب هو نهجه الاقتصادي البحت، حيث يتبنى رؤية "البزنس قبل السياسة"، وهو نفس النهج الذي تبنته إدارة ترامب عند تقديم "صفقة القرن" كحل اقتصادي قبل أن يكون سياسيًا. المصري، الذي يمتلك محفظة استثمارية ضخمة تشمل الأردن، مصر، الخليج، وإسرائيل، يُنظر إليه كبديل عن الشخصيات السياسية التقليدية، خاصة أنه لا يرتبط رسميًا بحماس أو السلطة الفلسطينية، مما يجعله أكثر قبولًا من وجهة النظر الأميركية.

شخصية براغماتية
لم يكن بشار المصري دائمًا ذلك الرجل الذي يُنظر إليه كشريك اقتصادي مقبول في الأوساط السياسية الإسرائيلية والأميركية. ففي شبابه، كان المصري ناشطًا سياسيًا وشارك في احتجاجات ضد إسرائيل، وكان يُعرف بمواقفه القومية، ما جعله بعيدًا تمامًا عن أي تصورات لدور مستقبلي في مشاريع ترتبط بإسرائيل أو بالإدارة الأميركية.

لكن مع مرور الوقت، تغيّرت توجهات المصري، وبدأ يتبنّى نهجًا براغماتيًا قائمًا على المصالح الاقتصادية والاستثمارية بدلًا من الخطاب السياسي الأيديولوجي التقليدي. فبعد عودته من أميركا إلى فلسطين، ركّز جهوده على بناء إمبراطورية اقتصادية، وأطلق مشاريع ضخمة، مثل مدينة روابي، التي كانت نموذجًا جديدًا لمفهوم التطوير الفلسطيني، بعيدًا عن المواجهات السياسية المباشرة.

وعلى الرغم من أن خلفيته المعارضة قد تجعله في نظر البعض شخصية غير مرشحة للتقارب مع إسرائيل أو أميركا، فإن واقعيته الاقتصادية ونهجه الاستثماري جعلاه محل اهتمام دوائر صنع القرار. فالمصري، رغم تاريخه السابق، ليس محسوبًا على حماس، ولا يرتبط بالسلطة الفلسطينية بشكل مباشر، وهو ما يجعله خيارًا وسطًا لا يثير حساسية أي طرف رئيسي في المشهد السياسي الحالي.

كما أن نجاحه في إقامة علاقات تجارية واسعة، بما في ذلك في إسرائيل نفسها، جعله رجل أعمال لديه قدرة على التنقل بين الأطراف المختلفة دون صدامات سياسية. وهو ما جعل الإدارة الأميركية ترى فيه شريكًا محتملاً لإدارة مرحلة إعادة الإعمار في غزة، استنادًا إلى كونه شخصية براغماتية قادرة على العمل مع الجميع، دون أن تكون محسوبة بالكامل على أي طرف بعينه.

نفوذ اقتصادي يمتد لعقود
تُعتبر عائلة المصري واحدة من أكثر العائلات الفلسطينية نفوذًا وتأثيرًا في القطاع الاقتصادي، حيث تمتد جذورها إلى مدينة نابلس، التي تُعرف تاريخيًا بأنها مركز تجاري بارز. وقد لعبت العائلة دورًا محوريًا في تشكيل المشهد الاقتصادي الفلسطيني، من خلال استثمارات ضخمة في مجالات العقارات، والبنوك، والصناعة، والطاقة، ليس فقط داخل الأراضي الفلسطينية، بل في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك الأردن، مصر، ودول الخليج.

منيب المصري، عم بشار المصري، هو أحد أبرز رجال الأعمال الفلسطينيين، وصاحب مجموعة استثمارية ضخمة، حيث يُلقب بـ"روكفلر فلسطين" نظرًا لثروته الهائلة وتأثيره الاقتصادي والسياسي. قاد مشاريع كبرى، أبرزها إنشاء "بنك فلسطين"، والمساهمة في تطوير مشاريع البنية التحتية الفلسطينية، إلى جانب أدواره في مفاوضات سياسية غير رسمية بفضل علاقاته الواسعة مع صُنّاع القرار.

أما بشار المصري، فقد ورث هذا الإرث الاقتصادي وأعاد توظيفه بأسلوب أكثر حداثة، حيث نجح في استقطاب استثمارات ضخمة لمشاريعه الطموحة، مثل مدينة روابي، التي تُعد أول مدينة فلسطينية مخططة بالكامل، ما عزز مكانته كرجل أعمال ذو تأثير إقليمي ودولي. كما أن ارتباط العائلة بشبكات استثمارية دولية يجعلها لاعبًا رئيسيًا في أي مشاريع إعادة إعمار محتملة في غزة، مما يفسر طرح اسم المصري بقوة كمرشح لتولي دور بارز في مرحلة ما بعد الحرب.

صمت رسمي
وفي تصريح سابق، قال المصري مقولته الشهيرة: "إذا كنا قادرين على بناء مدينة، فإننا قادرون على بناء دولة". وحتى اللحظة، لم يصدر أي تعليق رسمي من المصري نفسه أو من إدارة ترامب حول هذا التقرير، فهل يكون هو الرجل الذي يعيد بناء غزة تحت المظلة الأميركية؟