حاورتها منى كريم: عُرفت سعدية على مدى الأعوام الأخيرة كصوت نسائي خليجي، تناولها العديد من النقاد، سعدية مفرح شاعرة تكتب بلغة الرقص الخافت، تلغي المسافات و تسكن في غياباتها العميقة.. تخرجت من قسم اللغة العربية والتربية في جامعة الكويت، تعمل الآن رئيسة القسم الثقافي في جريدة القبس الكويتية و مراسلة لمجلة الصدى الإماراتية وكاتبة في مجلة العربي الكويتية وجريدة الرياض السعودية تشارك في كتابة مقالات نقدية ومراجعات صحفية أسبوعية وشهرية دورية في بعض الصحف والمجلات العربية. نشرت قصائدها في كثير من الصحف والمجلات العربية.ترجمت كثير من قصائدها إلى عدد من اللغات الأجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية والسويدية والطاجيكية والفارسية.صدر لها أربعة دواويين: آخر الحالمين كان، تغييب فأسرج خيل ظنوني، كتاب الآثام، مجرد مرآة مستلقية. و لها وطن صغير على الانترنت: www.saadiah.com. في شغب طويل كان لنا معها هذا البوح:

*سعدية مفرح لا تعترف بالحدود و الجغرافيا و المسافات المحدودة، مأهولة بالغيابات و الذاكرات المنسية، هل تنطلقين من هنا؟
- ما زلت مأهولة بالغيابات والذاكرات المنسية، وما زالت الحدود هي القضبان التي تحد من حريتي في العيش وفي التفكير، وما زال العالم بأسره جغرافيتي الأثيرة، انطلق من ذاتي نحو الآخر، ومن فضاء غرفتي الضيقة، لفضاءات غير مكتشفة غالبا.

*لديك اهتمام واضح بقضية المرأة، باعتقادك هل أصبحت الشاعرة قادرة على تخطي الكتابة من أجل قضيتها و الكتابة من أجل أمور أكبر؟
- أنا أعتقد أن هـناك لغة مؤنثة تسود الشعرية العربية الحديـثة سواء أكان منتجها رجلا أم امرأة.... لقد احتفت الشعرية العربية كثيرا وعميقا وطويلا بالفحولة باعتبارها درجة قصوى من درجات الرجولة المفرطة التي ينبغي أن تنصبغ بها هوية الشعر الجيد، فكان يقال عن الشاعر المتفوق أنه شاعر فحل عندما يكون الحديث بصدد مدحه أو تقييمه إيجابيا وتقديمه على غيره، لكن الاهتمام الاجتماعي والتاريخي بالنسوية باعتبارها قيمة ضرورية من قيم الحداثة جعلت تلك المسحة الذكورية تتوارى عن سطح اللغة وتكمن في قلبها الخبيء فالخطاب الذكوري ما زال سائدا في الشعرية العربية ولكن اللغة اكتسبت من الأنثوية ما يجعل البعض منا يصدق أن اللغة يمكن أن تنقلب على نفسها..هكذا ببساطة. يأتي هذا في ظل وضع عام أصبحت المبدعات العربيات فيه ينخدعن بذلك الاهتمام الرجالي النقدي المصطنع بما يكتبن، وهو اهتمام غير حقيقي كما يتبدى لي في كثير من جوانبه، وإذا كانت المرأة المبدعة قد استفادت، أو تستفيد، من ذلك مرحليا في صراعها مع القيم التاريخية المترسخة والمكرسة للمجتمعات الذكورية بشكل عام، وهذا حقها، فإنها بالمقابل تتضرر إبداعيا عندما تكتشف بعد حين أن ذلك الاهتمام المصطنع بما تكتب ينبع من رغبة في التمثل بقيم الحداثة من قبل الرجل والظهور بمظهر المناصر للنسوية مثلا، وهو اهتمام ينطوي من جانب خفي على نظرة دونية لإبداع المرأة الذي يعامل في هذه الحالة معاملة خاصة وفقا لقاعدة رفقا بالقوارير وبما تنتجه هذه القوارير دون النظر فيما في داخلها !!.
ولعل المشترك الأكثر بروزا في كتابات المرأة الراهنة أنه يخضع لتلك النظرة المزدوجة من قبل الرجل أولا، وأنه يستفيد من تلك النظرة ثانيا، وأنه يكرس ذاته لمزيد من هذه النظرة ثالثا …

*عملك كصحفية ساعدك على تقديم الكثير من التجارب إلى النور، كيف ترين دور الصحفي في تحريك المشهد الثقافي؟
-أعمل محررة ثقافية في الصحافة اليومية منذ عقد ونصف العقد تقريبا، ولعلي من هذا المنطلق أفضل الحديث عن دور الصحافة الثقافية في الصحف اليومية بالذات، مرجئة الحديث عن الصحافة الثقافية المتخصصة والتي تتحقق في المجلات والدوريات الثقافية الشهرية والفصلية. والصحافة الثقافية اليومية لا تصنع المشهد الثقافي ولكنها تساهم في تفعيله، وبالتالي تساعد على بلورة الكثير من الأفكار والرؤى الثقافية، وتقديمها للقارئ باعتبارها منجزا جاهزا أحيانا، و رسم خرائط واضحة للوصول إليها في مظانها الأصلية أحيانا أخرى. ولعل واحدا من الأدوار المهمة للصحافة الثقافية اليومية بشكل عام هو مساهمتها في النشر للأصوات الأدبية الجديدة والتي لا تجد مساحة لنشر إبداعاتها الأولية في المجلات الثقافية المتخصصة. ولعل هذا ما يبرر اضطرار المحررين لهذه الصفحات إلى التساهل قليلا في معايير النشر وهم بصدد النشر للأصوات الواعدة. ورغم أن الصفحات الثقافية العربية حققت الكثير من الإنجازات على صعيد تفعيل المشهد الثقافي العربي بشكل عام، إلا أن مشكلتها الكبرى هي عدم وجود حريات تناسب طموح الكاتب العربي على هذا الصعيد. بالإضافة إلى أن الكثير من القائمين على أمر الصحافة العربية لا ينظرون نظرة ود للصفحات الثقافية باعتبارها لا تجلب الكثير من القراء وبالتالي لا تجلب الكثير من الإعلانات والتي هي عصب الحياة بالنسبة لأية صحيفة !!.


* يقول الشاعر ( البدوني ) دخيل الخليفة: " البدون أكثر إبداعاً "، ماذا تقول ( البدونية ) سعدية مفرح؟
-لا اعرف ماذا تقصدين بهذا المصطلح عندما تصفيننا به يا منى، ولكنني لا أحبذه وصفا لي ما دام غفلا من أي معنى حقيقي... البدون أكثر إبداعا ممن بالضبط؟ لا...ليس البدون أكثر إبداعا، وليس هناك تصنيف ما أكثر إبداعا من تصنيف آخر..الإبداع هوية فردية جدا..وعموما لعلك تعرفين ويعرف الأخ الشاعر دخيل كم اختلف معه حول هذا الموضوع بالذات...

*تركزت تجربتك أخيرا ً في قصيدة النثر، ماذا عن قصيدة التفعيلة هل اتهامها برضوخها لمسميات الأيدلوجية أبعدك عنها؟
- لم ابتعد عن قصيدة التفعيلة رغم انحيازي الأخير لقصيدة النثر، بل أن آخر قصيدة كتبتها ولم انشرها بعد هي قصيدة تفعيلة...وعندما ابتعد عن أسلوب ما في كتابة الشعر لا افعل ذلك بسبب اتهام ما، بقدر ما يكون ذلك خيارا فرديا جدا يناسب طموحي في إنتاج قصيدتي الخاصة وفقا لقدراتي وحجم موهبتي ورؤيتي للشعر في تلك اللحظة بالذات. اكتب الآن قصيدة النثر غالبا، ولكنني لا اعد أحدا بالإخلاص لها ولا لغيرها، سأخلص للحظتي الشعرية وحدها بغض النظر عن الشكل الذي أجدها فيه.

* قلة هم المبدعون في الكويت، برأيك هل تعود الأسباب لنفور الصحافة العربية من المبدع الخليجي أم لسوء ما ينتجه المبدع نفسه؟
- لا أوافقك على أن المبدعين في الكويت قلة، بل أجدهم كثرة في العدد والعدة، إذا ما أخذنا عدد السكان في الاعتبار مقارنة بعدد أقرانهم في الدول العربية الأخرى. ولا ادري ماذا تقصدين بالضبط عندما تتساءلين أن كان ذلك يعود إلى " نفور الصحافة العربية من المبدع أم لسوء ما ينتجه المبدع نفسه "، خاصة وأنني لا اشهد أي نفور من الصحافة العربية تجاه المبدع الكويتي، وحتى لو افترضنا جدلا أن هناك نفورا ما، فلا اعتقد أن لهذا النفور المفترض علاقة بقلة عدد المبدعين في بلد ما وليس في الكويت فحسب، كما أنه ما ينتجه هذا المبدع الكويتي ليس سيئا كما يفترض السؤال...و إلا لما استحق منك على الأقل أن تصفينه بـ " مبدع ".

* هنالك ظاهرة شعراء قصيدة نثر مترابطين كسلسلة من الأسماء في دول الخليج أذكر منها السعودية ( مثال تجربة أحمد كتوعة و علي العمري و أحمد الملا الخ.. )، برأيك لماذا يفتقد المشهد الثقافي الكويتي لهكذا تجربة؟
- أخشى إنني لم افهم السؤال تماما....ولكنني أستطيع على الأقل أن أبين أن لكل تجربة معطياتها وظروفها الخاصة التي قد تنطبق على حال دون حال أخرى.

*هنالك رموز شعرية لعبت دور كبير في بناء عقلية و إبداع الكثير من التجارب في أنحاء العالم العربي، هل أثرت هذه الرموز في تكوين جيلكم؟ و هل تلعب دوراً في تكوين الجيل الحالي؟
- لست من أنصار قتل الأباء أو إلغائهم، بل من أنصار التحاور معهم، والاستفادة من تجاربهم، حتى وان أدى ذلك إلى الاختلاف معهم، وهو يؤدي غالبا، أو تسبب في القطيعة معهم، وهو يتسبب أحيانا. ومن هذا المنطلق انظر لتلك الرموز الجميلة التي مرت بتاريخنا الثقافي وأضافت له الكثير، وأثرت في كل الأجيال التي أتت بعدها حتى لو لم تعترف تلك الأجيال بذلك التأثير أو حجمه أو طبيعته.


* سعدية قريبة للمبدعين الجدد، شجعت الكثير منهم. هل أنت متفائلة بمستقبل هؤلاء على الرغم من أن الإنسان الكويتي متهم كثيرا بأنه يأكل و ينام فقط؟
- نعم...أنا متفائلة جدا، بل لعلي أكثر تفاؤلا بما يمكن أن يقدمه هؤلاء الشباب مما يعتقدون هم أنفسهم إنهم قادرون على تقديمه... فأكثرهم مبدعون حقيقيون، ويفوقون في حجم موهبتهم ووعيهم بعض الأدباء " الكبار " والمكرسين باعتبارهم أسماء ثقافية وأدبية مهمة في واقعنا المحلي.
أما من يتهم الإنسان الكويتي بأنه يأكل وينام وحسب فإما أنه لا يعرف الإنسان الكويتي أو انه مغرض يتجاهل الحقيقة التي يعرفها ! وعلى أية حال فإن قدرات الإنسان الكويتي أو أي إنسان آخر أو طبيعة شخـصيته لا تحددها قدرته على كتابة قصيدة أو قصة مثلا...فلا معنى للربط بين الحالين.

* يقول أحمد عبد الحسين: " علينا أن نختار ما بين البداوة و الشعر "، هل اختارت سعدية ما بينهما؟
- مفهوم البداوة مفهوم ملتبس جدا أكثر مما يبدو لنا، ولعل الأخ الشاعر احمد عبد الحسين كان يشير إلى البداوة بمفهومها الأقرب إلى البدائية أو بمفهومها المضاد للمدنية والتحضر، وأنا اتفق معه في ذلك، فالشعر غالبا ما يضفي على محيطه الاجتماعي الكثير من مظاهر التحضر والتمدن. ولكن البداوة بمفهومها القبلي مثلا لا يمكن أن تكون مضادة للشعر بل لعلها الحضن الأول في عملية إنتاجه..

* هل ترين أن المبدع من البدون استطاع أن يمثل قضيته، أم انه تخلى عنها مقابل ما هو كوني؟
- إنها ليست قضية حتى يتخلى عنها أو يتمسك بها، ولكنها مشكلة، مجرد مشكلة يعاني منها كثيرون ليس في الكويت وحدها بل في العديد من دول العالم !! ولكنها تبدو أكثر وضوحا في الكويت عنها في بلد آخر لسبب بسيط هو أن الكويت بلد ثري، والثراء يساعد على تفاقم الفروق وبلورة المشاكل في مثل هذه الحالات.