"ما حدث/ يجعلُ / العالمَ/ يعيشُ على / الحافة/ مُحدّقا."
روبرت كريلي
إثر نقاش مع الشاعرين العراقيين، عبد الرحمن طهمازي ومؤيد الراوي، حول جدوى إصدار فصلية ثقافية ورقية وهناك ركام من المجلات في شتى المواضيع المعلوكة، اتفقنا على أن يكون لنا صوت خارج حدود عشائر الكلام؛ فصلية تفتح الثقافة على مصراعيها: الإبداعي والنقدي... أسمها يحمل مشروعها: الفاصلة... كما أن هناك عددا كبيرا من الكتّاب العراقيين والعرب يودّون وضع "فاصلتهم" في المكان الصحيح منجملة القضايا التي يعيشها الفكر لغةً وسيرورةً، بمعناه الكوني لا الفولكلوري العربي. وحتى يكون لانطلاقتها معنى تاريخي، اتفقنا على أن ترى النور في عاصمة الزلزال: بغداد؛ لكي تحمل معها غبارَ الطريق، جديد المجهول وخوف المعلوم. لم نحتج إلى أن نتفق على بديهيات بأن الزلزال العراقي اظهر، بجلاء ما كان سرطانا في العمق،هشاشة نظام فكري كان يسيّر، ظاهرا وباطنا، الذهنية العربية وكل الوسائل التي كانت تتمظهر عبرها آمالُ هذه الذهنية. وأن لا مفر للغة الضاد، اليوم، من الاعتراف بأن ثمة "ما قبل" حرب إسقاط نظام صدام حسين، و"ما بعد"ها... نحن، إذن، في فترة الشرخ؛ في عمق الغمر الذييولد منهكل نظام.
****
لغةُ / ذهنيةُ "ما قبل" وملحقاتُها باتت ينظر إليهابازدراء حتى من قبل الذين يصرون على قيمها، قيم العشيرة. أمّا حاضرُ "ما بعد" فنحن، ضد أو مع، في صلب مسيرته. قُدّر علينا إما أن تكون لنا خلاله ولادة جديدة أو أن نستمر العيش في مضارب موتى الكلام. الحاضر، هذا، محاكاة للورنس، "ليس له ثبات مغرٍ لأولئك الذين يؤثرون الثابت. لا شيء من هذا. إنّه آني، سريعٌ، ينبوع دافق لما هو كائن ولما سيكون". الحاضر، بكل وعورته وعسر مخاضه، هذه هي المجاهيل التي على الفاصلة اكتشافها.
في هذا الليل الجريء الذي يعتنقه العراق، ليس مشروعُ اللغة تنمية حنين إلى تجارب قديمة وكأن ليس للحاضر إمكانيات المغامرة الكبرى لثقافة منتفضة، أو مقهى لممارسة سلوك بوهيمي حقيقي يعيش فيه الكاتب ذاتهولغته لكي يراها أثرا أمامه لا خلفه، كما عند مصطنعي البوهيمية إبّان نظام صدام حسين. اللفظ لا يبيّن المعنى! للمعنى شوارعه الخلفية: المحنة وادراك تجربة المحنة.
أجل! مثلما على المصابيح أن تضيء الطريق لعابري المستقبل، على اللغة، أيضا، أن تتحلل مما هو أسطوري؛ مما لم يستوف ملامحُه. ليس في هذا انتقاص للذاكرة ولا للغة النقد التاريخية، وإنما الانتقاص هو في كتابة غير قادرة على تحريرنا من أيّة هالةٍ تحيطُ بالتراث والأمكنة القديمة، مما تجعلنا أسرى جمالِ الماضي المزيَف.
القطيعة المبتغاة، ليست مع خطابات نكوصية بقدر ما هي مع الأسلوب الذي يدلُّ على صاحبه... الذي يتحكم في لا وعي كتّاب هذه الخطابات.
قصدُنا، إذاً، إماطة اللثام عن هيئة الكلمات/محيّا الواقع: لنظفر بما يجب أن يُقال.. ويكون للذهن شكله هو. الاستعارة، منحنى الطريق.
ملاحظة:
لم أذكر محتويات العدد الأول وطبيعة المواضيع التي ستنشر. ذلك أن الكلام أعلاه ليس بيان الفاصلة. إنّه مجرد خبر ثقافي عن حَبَل فكري جديد سيرى العالم مطلع تشرين الثاني(نوفمبر) من العام الجاري، تحت إدارة عبد الرحمن طهمازي، مؤيد الراوي وعبد القادر الجنابي مع هيئة تحرير داعمة فكرا وكتابة، مكونة من: العفيف الأخضر، شاكر النابلسي، د. سيّار الجميل، محمد عبد المطلب الهوني، د. خالد منتصر، مجدي خليل، ...
التعليقات