يتواصل الإبداع العراقي والخليجي في الخارج بعدما تهيأت له الظروف الممكنة للإنتاج، فالفنان المخرج ثامر الزيدي الذي اشترك العام الماضي في أول وأكبر مهرجان للسينما العراقية في لاهاي ولقي فيلمه الكارتوني "زعتور" حضورا واهتماما من قبل الصحافة، يقدم هذا العام فيلمه الكارتوني الكبير "إبن الغابة" المأخوذ قصة وتاريخا وخلفية عن قصة " حي بن يقظان" لابن طفيل وهي القصة التي أحدثت يوم ترجمتها في أوروبا تياراً فلسفيا ما يزال مؤثرا في الدراسات الحديثة.
إبن الغابة الذي سيعرض في الدول الخليجية الست وهو من إنتاج "مؤسسة الإنتاج ألبرامجي المشترك" يعد من أضخم الأعمال التي تقدمها هذه المؤسسة وشهدت الترتيبات الأخيرة لأصوات الممثلين الذين قدموا من الدول الخليجية لبودوابست حيث تجري عملية الدبلجة والإخراج وهم الفنانون: غانم السليطي وأسامة الروماني وعبد الناصر الزاير وسناء يونس وفتحية إبراهيم وعدد آخر من الفنانين الذي سيشاركون في عملية تركيب الأصوات.
الفيلم: حي بن يقظان.
زمن العرض: 85 دقيقة وسيكون العرض الأول في الكويت في شهر اكتوبر القادم.
الإنتاج: مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ومقرها الكويت.

حوار مع الفنان ثامر الزيدي
من المسرح إلى أفلام الكارتون
رحلة مليئة بطماح فنان لم يتوقف
الفنان الزيدي تجربة تختمر كل طموحات الفنان المثابر
ثامر الزيدي ممثلا ومخرجا وإنسانا


الكثير منا يشاهد أفلام الرسوم المتحركة ويتفاعل معها بحس طفلي وحنين مختبئ تحت ركام الذكريات، وما أن ينتهي الفلم حتى تستردنا الحياة وصخبها الأزلي وكأنها تذكرك بمسيرتها التي لا تعرف التراجع وعداد السنين الذي لا يتوقف، ولكن ثمة أشكال مميزة وأسماء تعلق في الذاكرة لا يمحوها تقادم العمر ولا مشاغل الحياة، فمن منا لا يتذكر الأشكال الكارتونية وأسماءها وحركات الكثير منها بل حتى طريقة نطقها. ومن منا لا يعيد كلما مر بموقف بعض تلك الحكايات، ولنا في الثقافة العراقية تاريخ طويل يمتد إلى أشكال الحكواتي الشعبي مرورا بخيال الظل وقرقوز وغيرها وهي أشكال فنية لا نتقول عنها أنها كانت مرجعا بل ممارسة دأب عليها الفنان العراقي منذ زمن لذلك عندما يأتي فنان وفي بلد أوروبي لعمل أفلام كارتون وعلى درجة من الإتقان والتقدم نعيد لأنفسنا جزء من تاريخ الفن ألشفاهي والفن الشعبي ولكن بأساليب حديثة.
عند مشاهدتي لتجربة الفنان ثامر الزيدي وجدت أن ما قدمه لنا في "حي بن يقظان" يقترب كثيرا تجربة وإخراجا ودقة فنية ما نشاهده من أفلام كارتون عالمية. فمن أحضان معهد الفنون الجميلة طالبا ثم التمثيل في مسارح بغداد وبعقوبة ثم الإخراج المسرحي ثم دراسة الإخراج التلفزيوني في هنكاريا إلى إخراج أفلام الرسوم المتحركة، رحلة مليئة بطموح فنان لم يأل جهداً في السعي إلى الجديد المفيد، منفي ومغترب لزمن امتدلأكثر من عقدين، متنقلا فيها بين بلدان ومدن، وتجربة اختمرت كل طموحات الفنان المثابر الذي لم تتوقف مشاريعه، تجربته هذه جديرة بأن ترى، وأن تعاش، وان تدرس أيضا لاسيما وهو يختار موضوعا فلسفيا قديما ليقربه من ذاكرة وشعور وحياة الطفل ذلك هو مسلسل " حي بن يقظان". ومن خلال مشاهداتي لما قدمه نجد امكانات فنية تجد نفسها في امتحان مع تجارب عالمية أخرى نراها في تلفزيونات أوروبية، ومع تنفيذ فني دقيق في حجم وحركات الأشكال، وإذا بالفنان الذي غاب عن العراق أكثر من خمسة وعشرين سنة يعمل بدأب ونكران ذات من أجل أن يجد نفسه وبقوة بين فنانين كبار، وبتجربة جديرة بان تكون نموذجا لأعمال فنية لاحقة لاسيما ونحن في بداية عهد جديد بعد عراق الدكتاتورية والقمع والحجر على التجارب الفنية المتقدمة. من هنا كان لقائي وحواري مع الفنان ثامر الزيدي لإلقاء الضوء على تجربة مميزة و كبيرة.


س:- هل لنا بشيء عن حياتك الفنية بعد هذا التنوع والغنى في التجربة والغياب الطويل في بلدان المهجر ؟

سأبدأ من فترة متأخرة واترك المقدمات وهي كثيرة، بعد التخرج من معهد الفنون الجميلة وحتى مغادرتي العراق في 15-1-1979 لم انقطع عن الحركة الفنية في بغداد وعلاقتي بفرقها المسرحية وخاصة فرقة المسرح الشعبي وبعدها فرقة مسرح اليوم، حيث كنت متابعا لجميع العروض المسرحية وكذلك لجميع الإصدارات من كتب ومجلات مسرحية ، وقد شاركت في أول عمل مسرحي كممثل مع فرقة مسرح اليوم عند تقديم مسرحية ( الينبوع ) تأليف نور الدين فارس وإخراج وجدي العاني بالاشتراك مع فرقة المسرح الفني الحديث وإنتاج مؤسسة السينما المسرح ، في عام 1972 انتقلت للسكن في بغداد والعمل في النشاط المدرسي /فرع الرصافة، في عام 1973 أعدت مع الفنان أديب القليجي فرقة المسرح الشعبي التي كانت مجمدة وقدمنا أول مسرحية وهي ( سيرة أس ) للأديب بنيان صالح وشاركت فيها ممثلا وهي من إخراج أديب القليجي ، وفي عام 1974 قدمت الفرقة مسرحية ( بهلوان آخر زمان ) أخرجها عبد الوهاب الدايني وكنت فيها ممثلاً ومساعد مخرج، وفي عام 1977قدمت الفرقة مسرحية ( حكايات للناس ) إعداد الدكتورة سلوى زكو وقمت بإخراجها وأستمر عرضها لأكثر من أربعة أسابيع ، وفي عام 1978 اشتركت بالتمثيل في مسرحية ( امتحان الموديل ) إعداد وإخراج كاظم الخالدي وبعدها أي في نهاية عام 1978 شاركت كممثل في مسرحية لعارف علوان سبق وان عرضتها أحدى الفرق المسرحية مع نماء الورد وراجي عبد الله وإخراج الفنان عوني كرومي، حيث تم عرضها على مسرح ( الستين كرسي ) ولم نحصل على إجازتها من مؤسسة السينما والمسرح ، ولكننا استغلينا فترة عدم وصول كتاب المؤسسة فقررتا عرضها للجمهور مجاناً على اعتبار أنها تمارين مسرحية وبعدها غادرت الوطن.


س:- اذا متى كانت النقلة النوعية في حياة ثامر الزيدي كما تسميها في مجال الرسوم المتحركة؟.
عملت لأول مرة في مجال فنون الأطفال عام 1962 عندما قدمت لأول مرة برنامجا للأطفال من تلفزيون بغداد بعنوان ( شوف عندك يا سلام ) المأخوذ فكرته من الموروث الشعبي العراقي، حيث تدور أحداثه حول رجل يفتر على محلات المدينة وبيده صندوق ملون يسمى" صندوق الدنيا" والصندوق بمعناه الرمزي يحتوي على أشياء غير مكشوفة انه أشبة بالمكان الذي يحتوي على أسرار، أما الدنيا، فهي الحياة بمعناها الغامض والسري والآتي لذلك يكون الرجل حاملا ما ينبئ به المستقبل وهو جزء من مثيولوجيا القرى والمدن الشعبية، في هذا الشكل الشعبي يمكن أن يتجمع حوله الصغار والكبار، والرجل الذي يقدم الحكايات من هذا الصندوق على خبرة ومعرفة بأحوال الناس وله قابلية على شد انتباه الناس عن طريق تنغيم الحكاية وله المعرفة بأحوالهم البلاد أيضاً، كما يجيد حفظ الأشعار والأغاني ويستطيع أن يخلق ويولد حكايات جديدة كل ذلك مصحوب الفكاهة والخفة والكلام الرمزي. فهو نموذج لمسرح الفرجة الشعبي الممتزج بالحكواتي الشعبي الذي تعرفه كل العصور. ميزة هذا النموذج الشعبي " صندوق الدنيا" أنه كان يعرض على الهواء مباشرة لأنه في تلك الفترة لم يعرف تلفزيون بغداد أشرطة الفيديو ، ورغم استمراري في العمل في المسرح العراقي من خلال الفرق المسرحية إلا أني بقيت مرتبطا بمسرح الطفل من خلال عملي في النشاط المدرسي ... وعندما درست الإخراج التلفزيوني في هنغاريا من عام 1982 إلى عام 1986 بقي اهتمامي بأفلام الأطفال وخاصة أفلام الرسوم المتحركة التي بدأت دراستها وممارستها منذ ثماني عشرة سنة، حيث قدمنا أعمالا كثيرة وفي مجالات مختلفة ولبرامج كثيرة مثل افتح يا سمسم وبرنامج سلامتك وبرنامج يا وطني افتح أبوابك وبرامج توجيهية وإرشادية كثيرة. ومنها مسلسل ( زعتور ) وهو أول مسلسل خليجي وقد عرض في كافة التلفزيونات العربية وكذلك الكثير من التلفزيونات الأوربية وكانت هذه الأعمال لحساب مؤسسة الإنتاج ألبرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي خلال تلك الفترة كنت اعمل لأحقق فلماً سينمائياً يرتقي إلى المستوى العالمي، وكنت ابحث عن نص من التراث العربي، ذلك التراث الزاخر بالقصص والمواضيع التي اذا ما تم إعدادها بشكل درامي وفني وحبكة وتشويق لطفلنا العربي الذي عانى ما عانى من أساليب قمعية في تلقي الأفكار والتوجيهات المباشرة، رغم أنها صائبة ولكنها تأتي بمردود ينفر منها الطفل... للطفل عالمه الخاص الذي يدعونا لدراسة دراسة سايكولوجية واعية هي كيف نقدم له أسلوب التطور المعرفي والأخلاقي في عالم اليوم... حيث تواجهه أخطارا كثيرة وخاصة بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة فيتوجب علينا كعاملين في هذه المجال مجال عالم الطفل عالم الحس والخيال والمعرفة أن نقدم له أفضل ما هو موجود في مجال الرسوم المتحركة، مبتعدين عن تجارة المتطفلين من موزعين أفلام الرسوم المتحركة، وللأسف أقولها انه حتى المسؤولين عن إدارة التلفزيونات والفضائيات العربية يشاركون في هذه الجريمة فيعرضون أي شيء ومهما كان مستواها لأجل أن يملأوا الفراغ ولا شيء غير ذلك، فليسوا مكترثين لما لهذه الأفلام من أخطار نفسية وسيكولوجية وأخلاقية وتربوية على طفلنا العربي...

س- هل لفن الرسوم المتحركة تأسيس في العراق وهل له كوادره المختصة، وما هي فرص تكوين كوادر عراقية لعمل مشاريع مستقبلية في هذا المجال؟

في العراق كانت هناك تجربة رائدة وشجاعة نفذها فنانون على السليقة ولم تكن لهم أية تجربة سابقة، عندما قدموا فلم ( لعبة كرة القدم الأمريكية ) في مهرجان أقامته السلطة ولم يكن الهدف منه سوى الدعاية الغوغائية، وبعد هذا المهرجان توقف كل شيء وعاد الصمت ثانية، والذي يجعلنا نصر على كسره والمحاولة من جديد لإنشاء أستوديو لأفلام الرسوم المتحركة في بغداد، عراقنا الحبيب لكي نعوض طفلنا سنين الحرمان والقهر ولكي يحمل الزهور بدل السلاح ويستمتع بصوت الموسيقى العذبة بدل أصوات أزيز الرصاص.
أما فرص تكون كوادر عراقية محترفة في هذا المجال للمباشرة في تنفيذ رسوم متحركة للأطفال في العراق، فأحب القول أن فن الرسوم المتحركة يحتاج إلى جهود مشتركة وكادر فني متخصص ليس على مستوى الرسامين فقط، بل وعلى مستوى التقنية التي تمتلكها الاستوديوهات المنفذة، أي كادر متخصص ومتعلم واقصد بها الدراسة التخصصية والممارسة، وللأسف فإن هذا الفن لم يحظ بأهمية تذكر لدى معهد الفنون الجميلة وبعدها أكاديمية الفنون الجميلة، فهو فن يجمع كافة الاختصاصات من رسامين ومصورين ومخرجين في مجال السينما والمسرح، ولكن هذا الأمر لن يقف حائلاً دون إيجاد مستقبلية لفن الرسوم المتحركة خاصة وأن لدينا كوادر في الخارج مارست هذا الاختصاص وبعضها درسته ولديها تجارب يمكن الاستفادة منها مع بعض الاختصاصين الأجانب ولفترة لا تتجاوز سوى بضع سنين، يستطيع الفنان والمثقف العراقي مع إصراره وجهده المعروفين أن يؤسس استوديو له مكانة رائدة في هذا المجال ليورث أجيال المستقبل الخبرة والريادة.

س- هل لك أن تعطينا تصوراً تقريبياً لكلفة إنتاج فلم رسوم متحركة اذا ما علمنا أن تقنيات هذه الأفلام لا تقل تطوراً عن مثيلاتها من الأفلام العادية؟

كلفة الإنتاج لأفلام الرسوم المتحركة تختلف حسب النوعية والجودة والتقنية، فهناك أفلام رسوم متحركة تعرض من التلفزيونات العربية لا تمت لهذا الفن بصلة، حيث وجوه جامدة وحركة شفاه مقززة وخلفيات ثابتة، بلا فكرة ولا توجيه للطفل المسكين، العمل الفني الحقيقي هو الذي يحوي على حركة جميلة للشخصيات وخلفيات ذات بعد ومنظور وجمالية تصحبه حركة كاميرا رشيقة وألوان تتناسب مع المواقف والمشاهد، وهذه النوعية من الأفلام تختلف أسعار تنفيذها فيتراوح سعرها مابين 4000 دولار للدقيقة الواحد إلى 20.000 عشرين ألف دولار وبهذه الأسعار تنتج أفلاما جيدة المستوى لها أسواق للتوزيع ، سرعان ما تحقق إيرادات تغطي كلفت إنتاجها وتجد طريقها لأطفال العالم أجمع عبر صالات السينما.

س- ما الذي ينقص برأيك الشركات العربية المنتجة لولوج هذه المجالات مقارنة بالشركات العالمية ؟
اشهر الشركات العالمية في مجال الرسوم المتحركة إضافة إلى دزني ، شركة Warner Bros، France Animation ، AB Production ، Autarkic
كما توجد شركات عالمية كبيرة ومن ضمنها شركة Pannonia film studio المجرية الشهيرة على المستوى العالمي، والتي درس وتخرج وعمل فيها أفضل فنانين الرسوم المتحركة في هنغاريا والمشهورين على المستوى العالمي، وعندما قدمت مسلسل زعتور خلال مشاركتي في مهرجان هيروشيما في اليابان لقيت الكثير من الاهتمام وذلك بفضل شهرة هذه الاستوديو العريق.
فيما يخص الشركات العربية هناك مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ومقرها الكويت وهي المؤسسة الرائدة في العالم العربي في أنتاج أفلام الرسوم المتحركة ذات القيم الفنية الجيدة ونتمنى ان تواصل هذا النهج ،وهناك محاولات أخرى في العالم العربي، في سوريا ولبنان ومصر ولكنها في البداية، ينقص أصحابها الخبرة وخاصة كوادر المخرجين والمصممين والرسامين، وللأسف لم أشاهد أي تطور في أعمالهم يميزهم عما بدأوا به، وهم يظنون أن جهاز الكومبيوتر هو الأساس في التنفيذ متناسين أن اليد الإنسانية حينما تكون وراء العمل تضيف الروح والحياة للشخصيات وللفلم، فن الرسوم المتحركة يحتاج إلى دراسة وخبرة وتنسيق الجهود لأجل الأفضل، نحن في عالم لا يرضى أن نبدأ من نقطة الصفر، فهناك خبرات وتراث إنساني يجب الاستفادة منها لأجل توصيلها للأجيال القادمة وتكوين فن متميز، إن الطامة الكبرى التي تقف أمام تقديم الأفضل والأحسن من الفن الهادف سببها المنافسة الرخيصة بينهم في الأسعار التي تصل إلى مستويات متدنية تجبرهم على تقديم الأسوأ والأرخص، ولأجل الارتقاء بفن الرسوم المتحركة في العالم العربي، يجب أن تكون هناك معاهد لتدريس هذا الفن وان يستفاد من تجميع الخبرات العربية المتميزة لتنقل خبراتها وان تكون دراسة حقيقية للنصوص الأدبية، لأن كتابة سيناريو أفلام الرسوم المتحركة يحتاج إلى اختصاصين في توجيه الطفل وتربيته على قيم جديدة نحن في أمس الحاجة إليها، لخلق جيل جديد يتنفس عبير الحرية واحترام الآخرين ويبني مجتمعا عربيا من وسط ركام الأحباطات التي عاشتها الأجيال السابقة.

س- هل للتقنية الدور الأساس في نجاح الفلم أم أن الكادر الفني من رسامين..الخ هو الذي يلعب الدور الأكبر؟

التقنية الأساسية في تنفيذ أفلام الرسوم المتحركة تعتمد على الإنسان، الفنان المبدع الذي يحول الكلمة والمشهد إلى صور، أولها لقطات ورسوم لكل مشهد وهو ما يسمى بـ( الستوري بورد ) ومن ثم يحوله رسام اختصاصي آخر إلى رسوم أوليه تفصيلية للمشهد مع الخلفية و حركة الكاميرا، وهذه المرحلتين مهمتين في الإعداد لعشرات الرسامين والمنفذين من بعدهم، هذه المهمة هي العصب الأساسي للفلم، حيث تحمل المشاهد الروح الانفعالية والإبداعية للإنسان الفنان من خلال تعبير لوجوه الشخصيات وجمال الحركة والانسيابية في تتابع المشاهد الدرامية وهذا ما لا تستطيع التقنية الوصول إليه، لان العمل يحتاج للفنان وتقنيته الإبداعية أولاً و أخيراً، لقد ساعدت التقنية فن الرسوم المتحركة عند التلوين وفي تنفيذ بعض المؤثرات وهي مهمة ولكنها لا ترتقي لإبداع الفكر الإنساني الخلاق.


س- جمهور أفلام الرسوم المتحركة عبارة عن خليط من الكبار والصغار، وهي تتميز عن أفلام الأكشن بأنها أفلام تجمع بين كل شرائح المجتمع- أي اجتماعية- وهذه ميزة بحق ذاتها، ما هو تعليقكم حول هذا الموضوع ؟.
أفلام الرسوم المتحركة لها ميزة لا تتوفر في بقية العروض السينمائية، لم توضع طيلة تاريخ أفلام الرسوم المتحركة أية لافته تحدد سن المشاهد مثلاً على غرار ما يحصل في الأفلام السينمائية مثلاً، الجميع يستمتع بمشاهدتها من الطفل حتى الشيخ العجوز هذا أولاً، ثانياً أنها بقيت تحتفظ بالرومانسية وسعة الخيال الذي تمنحه للمشاهدين، فتوحدهم في آن واحد وتقلص فارق العمر بين مشاهدي العرض بشكل يعتقد الجميع في داخلهم إن فارق الزمن قد ذاب وتحول إلى لحظة تجلي إنساني وطفلي رائع وخلاب، ولذلك كثر الطلب على أفلام الرسوم المتحركة ذات المستوى الفني المتطور في دور العرض السينمائي كقيمة فنية متميزة لها خاصيتها، فأصبحت هناك معايير فنية عليك الالتزام بها لكي تنافس أكبر الشركات العالمية ولكي تستقبل فلمك دور العرض، وهذا ما اعمله الآن، حيث أقوم بإخراج الفلم المأخوذ عن قصة ( حي بن يقظان )، أي يجب أن يكون الفلم ذو مستوى فني وتقني رائعين، وهذا ما سيتلمسه المشاهد الكريم في فلمنا القادم بعد أن انتهينا من الخمس عشرة دقيقة الأولى التي ستكون مفاجئة للجميع.

س- عين المخرج هي غيرها عين المشاهد العادي، ترى ما الذي يمكن أن يشد انتباه المخرج ثامر الزيدي وهو يشاهد فلم رسوم متحركة؟.

أنا أشاهد أفلام الرسوم المتحركة باستمرار واستمتع بها عندما أشاهدها على الشاشة الفضية وخاصة في مشاهدتي الثانية للفلم، ففي المشاهدة الأولى وعندما أحس بأن الفلم قد استحوذ على إعجابي، ابدأ بالتعامل معه من وجهة نظر ناقد ومراقب لأسلوب التنفيذ وحركة الكاميرا والمؤثرات ورسوم الشخصيات، أي أني أعيش حالة تنفيذ الفلم، وأتنفس الصعداء عندما تضاء الأنوار داخل صالة العرض، وتكون مشاهدتي الثانية بعد يومين أو ثلاثة للفلم ذاته، وهنا يكون الاستمتاع الحقيقي، حيث أتحول لمشاهد عادي اجلس وسط عائلتي والأطفال افرح واحزن وتثيرني المشاهد وأتعاطف مع بطل القصة وكأني الشخصية الرئيسية للفلم.

س:- لما وقع الاختيار على حي بن يقظان وهناك قصص ألف ليلة وليلة مثلاً أو قصص التراث العربي الكثيرة التي تشد انتباه الفنانين والمنتجين؟.
لقد أجرينا دراسات كثيرة حتى وقع الاختيار على ( حي بن يقظان ) والتي كتبها ( أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي في مدينة صغيرة، واقعة إلى الشمال من مدينة غرناطة، تدعى " وادي أش" ) المولود في بلاد الأندلس بين عامي( 500هـ – 581 هـ، 1106 م - 1185 م) وقد أحاط بعلوم الطب والفلسفة والدين والفلك وقصته ( حي بن يقظان ) تتناول جميع هذه الأمور، ونستدل من خلالها على نبوغه الجامع للعلوم.. وهذا أيضاً دليل على ما وصلت إليه الحضارة العربية والإسلامية من تقدم ورقي أسهمت بشكل فعال في الحضارة الإنسانية.. والقصة معروفة ومدروسة من قبل باحثين عرب وأجانب. وفيها يضع ابن طفيل فكره وفلسفته في الخلق والتكوين عن طريق قصة رمزية.

س- ما الذي دفعك لهذا الاختيار الفلسفي أو الأختيارالصعب اذا جاز التعبير وهل راعيت حس الطفولة؟
بعض الأحداث من السيناريو الذي تم إنجازه بصياغة فنية ودرامية ستكون قريبة من الأطفال وتدفعهم للتعلم والفهم بأسلوب شيق.. وسنحرص على ابرز فكرة تقييم عقل ووعي الإنسان وقدراته، خلال إدراك كينونة الوسط والمحيط الذي يعيش به، حيث رأيت فيها شكلا مناسبا وقريبا من فهم الأطفال، هذا لا يعني أنني ابسط القصة وهي جزء من بناء الفلسفة الاشراقية المعروفة، بل حاولت عن طريق رمزية الطفل أن أوضح الكيفية التي يمكن للعقل العربي أن يقدم صورا مقبولة لأطفال اليوم. لاسيما وأن جوها ومناخها خاص بيئتها الجغرافية حيث الغابات والمياه والجزر وغيرها تساعد المخيلة على استنباط صور وأحداث يمكن فهمها بسهولة.

س- هل تركز بالصبي لشيء ما محدد فلسفياً؟
إن كان ثمة فلسفة ما وراء الموضوع فهي فلسفة ابن طفيل الخاصة بالرؤية المشرقية للخلق وهي فلسفة تعتمد على ما سبقها خاصة عند ابن رشد والفلاسفة العرب. ولكني رأيت في الصبي الذي تعثر عليه ظبية فقدت صغيرها، لتأويه وتعتني به وترضعه من حليبها فتكون بمثابة أمٌ له، والأم هي الطبيعة أو جزء منها. فيعيش وسط حيوانات الغابة كواحد منها، وحيوانات الغابة تمثل المجتمع في رأيي. ويتخذ من سكانها أصدقاء خلص له، أي أنه يبني مؤسساته الاجتماعية والسياسية فالإنسان جماعي بالطبع والممارسة. ومن خلال ملاحظاته وإدراكه واستنباطاته يتوصل لأن يعيش في بيت يحميه، والبيت يرمز بالطبع إلى المؤسسة الاجتماعية. ويهتدي إلى النار والنار تعني بدء الحضارة.وتعانيمخلوقات الجزيرة من الأهوال العاتية، البرق والرعد والفيضانات والأمواج العاتية، وكل ذلك أجزاء وصور فلسفية... ينتصر على كل تلك الأهوال بعقله وفكره، فتضعه هذه الأحداث أمام تساؤلات كثيرة..فتجعل منه متأملاً لهذا الكون.. ودارساً للطبيعة وتقلباتها وللشمس والقمر وللنجوم ولهذه الكائنات ومن هو خالقها..وتغمر روحه السعادة عندما يهتدي إلى الخالق.


س- ما طبيعة المعالجة الإخراجية؟
طريقة المعالجة الإخراجية التي أقوم بها، تعتمد التشويق والشفافية وجماليات الصورة، والحركة المتقنة لرسوم الشخصيات بما يوازي أفضل الأفلام العالمية، ومتوخين الدقة في تصميم وتنفيذ شخصيات الفلم وملامحها المتباينة والمعبرة لتكون حسب سلوكها وأفعالها وألوانها موحية ليتفاعل معها الطفل أينما كان.


س- من هي جهة الإنتاج؟
الجهة المنتجة عربية وهي ( مؤسسة الإنتاج ألبرامجي المشترك لدول الخليج العربية ) وبتنفيذ شركتنا - دانا - العربية أيضاً.. لكننا نتوخى شمولية الأفكار الخيرة، حيث سيتم دبلجته إلى العربية و الإنجليزية والألمانية والفرنسية وستتولى شركة Inter Pannoe وهي شركة ألمانية مجرية مشتركة بعملية توزيعه على النطاق العالمي.


س- وكادر العمل هل هو عربيا أيضاً؟
لقد هيئنا كل الإمكانيات الفنية والتقنية من رسامين وفنيين من جنسيات مختلفة يزيد عددهم على 300، وكذلك مصممين للشخصيات وملونين لأجل نجاح الفلم ونحن واثقون من ذلك لأن جميع العاملين ذوي خبرة وتجربة غنية وطويلة، وستكون الحركة الانسيابية للشخصيات بمعدل 1441 رسم في الدقيقة الواحدة يضاف أليها رسوم المؤثرات والظل للشخصيات مما يعطيها بعداً ثلاثياً وسيكون الفلم جاهزا للعرض في دور السينما العربية والعالمية في أكتوبر عام 2004. كما تم تسجيل الموسيقى التصويرية للفلم في شهر أغسطس الفائت وتنفذها فرقة سمفونية محترفة ليكون صالح للعرض في دور العرض السينمائية العالمية .


س- فن الرسوم المتحركة بدأ ينافس أفلام الأكشن والقصص الرومانسية على شباك التذاكر ويبدو أن جمهورها آخذ بالازدياد، ترى ما سبب هذه الظاهرة ؟.
الجمهور متغير ولكل جمهور ثقافته وحساسيته التي يتعامل بها مع الأفلام، ثم أن الجمهور عبر الزمن ليس ذو طبع واحد، وحساسية جمهور اليوم لا تشبه حساسية جمهور الخمسينات لذلك لجأ المخرجون وبعد دراسات عدة إلى دراسة هذا التنوع فلجأوا إلى طرق فنية تواكب هذا التجديد.