حوار مع الكاتب البرازيلي باولو كويلهو:

حاوره أحمد نجيم: باولو كويلهو علم من أعلام الرواية العالمية وأكثر كتاب الرواية قراءة، استطاع أن يفرض نفسه بأسلوب واقعي وشاعري ولغة رمزية دالة نابغة من القلب وقادرة على اقتحام قلوب القراء في مختلف القارات. ولد كويلهو في ديوديجانيرو في العام 1947، ألف في الموسيقى والمسرح والصحافة قبل ان ينتقل إلى الرواية. أضحى ظاهرة أدبية من خلال الإقبال الكبير على أعماله، تعدت مبيعات روايته الخميائي 27 مليون نسخة وترجمت إلى 45 لغة. خص كويلهو "إيلاف" بحوار تناول فيه علاقته بالمغرب وتأثير تلك العلاقة على كتابة روايته المشهورة "الخميائي". كما أجاب عن أسئلة تخص علاقته بشخصياته وتأثير الشهرة على طريقة كتاباته، وأسر لقراء "إيلاف" ما يشغل باله حاليا.


* يشكل المغرب أحد فضاءات روايتك الدائعة الصيت "الخميائي"، ما علاقتك بهذا البلد؟
- المغرب باب الدخول إلى إفريقيا والبلد الذي حافظ على تقاليده دون أن يتقوقع داخل تلك التقاليد. وصلت إليه عام 1982، قادما على باخرة من مدينة طريفة. كانت مدينة طنجة أول فضاء أزوره. عندما وطأت قدماي هذه المدينة استرجعت كل سحر الشرق الذي كان يراودني في مرحلة الطفولة. وصلت إلى هذا البلد الساحر وتلك المدينة الجميلة وأنا لا أتكلم لا اللغة العربية ولا اللغة الفرنسية، أكتفي في تواصلي مع الناس باللغة الإسبانية. اندرجت زيارتي تلك في سياق تتبع مسار شخصية الكيميائي، ذلك خلال ملاحقتي للفضاءات التي سيقطعها "الكيميائي" في الرواية. كان تجربة كبيرة، ولم أكن أعرف أنني سأكتب رواية عن المغرب أو فضاءاته في تلك المرحلة.

* هل كان المغرب ملهمك أثناء كتابة رواية "الخميائي"؟
كمبدع، لا يمكن أن نتحدث عن ملهم واحد، لأن الإبداع مسألة "غرائبية". لكنني أقول أن - عالم رواية "الخميائي" بدأ يتشكل في ذهني أثناء تلك الزيارة.

* بعد نجاح الرواية والشهرة الكبيرة لتلك الشخصية الساحرة، هل تعتقد أن المغرب، كما في الرواية، يمكن أن يلعب تلك القنطرة بين الغرب والشرق؟
- لدينا نموذج واضح للتسامح والحداثة في علاقتها بالتقاليد، إنها مدينة مراكش التي احتضنت مهرجانها السينمائي الدولي الرابع، إذ حضرت دول من أوربا وآسيا وأميركا بأعمالها الفنية، وطيلة أيام المهرجان تحولت المدينة إلى فضاء للتواصل الحضاري والثقافي.

* شخصية الخميائي اتجهت من الغرب إلى الشرق بحثا عن "أسطورته الشخصية"، مع التحولات التي عرفها ويعرفها العالم والصورة القاتمة لذلك الشرق عند الغرب أتعتقد أن الغربي مازال يبحث عن أسطورته في الشرق؟
- لقد تغيرت معطيات كثيرة في السنوات الأخيرة. فالشرق والإسلام في جانبه الروحاني، أضحى متهما بالإرهاب.أعتقد أن على الفنانين تقع المسؤولية لخلق قنطرة لبناء وتشييد حوار حقيقي بين الحضارات. إن الوضع خطير جدا في الوقت الحاضر، ولا سبيل لتجاوزه غير فهم ثقافة الآخر، إذ تمكننا تلك المعرفة من تدشين الحوار. لذا أقول وأؤكد أن على مبدعي العالمين الشرقي والغربي أن يشيدوا تلك القناطر. بالنسبة لحالتي، أحاول أن أساهم في عملية التشييد هذه.

* في هذا السياق ستطرح في الأسواق ترجمة لأعمالك إلى اللغات منها العربية؟
- إن الترجمة عامل مساعد لتشييد روابط الاتصال بين الثقافات. لذا فترجمت أعمالي تدخل في بحثها عن تقاسم الرسائل الحضارية السامية. هذه السنة نجحنا في التوصل إلى ترجمة بعض رواياتي إلى اللغة العربية. أعتقد أن عددها ستة، وقد اخترنا، ناشرة أعمالي وأنا، المغرب لإطلاق هذا المشروع، ومنه ستوزع رواياتي في البلدان العربية الأخرى.

* هل تعلم أن رواياتك سبق أن ترجمت إلى اللغة العربية؟
- نعم أعلم ذلك، وحصلت على نسخ من تلك الترجمات. أحيانا كانت ضعيفة، وأخيرا وجدت ناشرة مغربية تشتغل بمهنية، وهي التي ستتكفل بنشر رواياتي المترجمة إلى اللغة العربية. في سياق التواصل وتمرير رسائل التسامح بين الثقافات، تجري اللمسات الأخيرة على مشروع تحويل رواية "الخميائي" إلى فيلم سينمائي وتصويره في المغربالمشروع بيع لشركة إنتاج سينمائية عالمية. سيكلف الممثل لورنس فيشبورن بالإخراج. بعد 16 محاولة لكتابة سيناريو الرواية وفق الممثل في تقديم سيناريو جميل. ونحاول من خلال اتصالاتنا بالمسؤولين عن القطاع السينمائي المغربي مناقشة تفاصيل العمل الجديد.

* هل سبق لك أن اشتغلت في الكتابة السينمائية؟
- عرض علي أكثر من مرة كتابة سيناريو بعض رواياتي ورفضت. إنني كاتب وأفضل أن لا أفعل شيئا آخر.

* لكنك كنت في فترة سابقة ملحن؟
- كنت ملحنا، ربما أعود في المستقبل إلى معادوة التلحين من يدري.

* لم الانتقال من الموسيقى إلى الكتابة؟
- إن الكتابة شكل من أشكال الموسيقى. صعب جدا أن تقدم تعريفا دقيقا لها، لكنني أعتبرها من أشكال الموسيقى.

* تكتبون بشكل يجعل القارئ يعتقد أن الكتابة مسألة سهلة، لماذا هذا الأسلوب؟
- إن السهولة على مستوى الكتابة أمر صعب بالنسبة للكاتب، بل أصعب الكتابات هي التي تتوخى السهولة. يمكنني أن أكتب رواية بأسلوب معقد وعصي الفهم في أسبوع واحد. لكنني عندما أكتب أبحث عن الأسلوب الذي يخاطب قلبي ويعبر عما يخالجني. حاليا أكتب خمس مرات في السنتين، وأحاول أن أعيش حياتي وأسافر وأتمتع بالحياة وملذاتها.

* هل تحدد مسارات شخصياتك في الأعمال الروائية سلفا أم أنها تتمرد عليك وتبحث لها عن عالمها الخاص؟
- شخصيات رواياتي مستقلة، إنها لا وعيي، هناك أشياء في قلبي لا يمكن أن أفكر فيها سلفا وأثناء الكتابة تعبر عنها شخصيات رواياتي.

* هل تحدد سلفا تاريخا لإنهاء كتابة رواياتك؟
- لا أحدد مشاريع لكتابة رواياتي. ولايمكن أن أضع مشروعا لكتابة رواية معينة. فهدفي ومسعاي في الحياة أن أستمر في بحثي عن أسطورتي الشخصية، مثل "الخميائي". لا يمكنني أن أظل رهينة نجاح أعمالي الروائية وأتحول إلى كاتب يكتب تحت طلب دور النشر. قد أكتب كتابا كل سنتين، وعندما أنخرط في مشروع أفي بالتزامي مع الناشر. وتلعب الخبرة دورها في إنهاء عملي في آجاله المحددة. ويتحتم علي المبدع ان يعمل ليل نهار، دون خوف ووفقا لنظام صارم حتي يتم انجاز العمل وجني حصاد ثماره التي زرعها.


* ألا تفرض عليك الشهرة طريقة معينة في الكتابة؟
- على العكس من ذلك، فالشهرة تحررني بشكل كبير في الكتابة، لم يسبق لناشر أن طلب مني رواية بناء على أشكال فنية معينة وبأسلوب معين. ما ينتظره مني قارئي هو ما عهده في كتاباتي من أفكار وأسلوب.

* ما الذي يشغل بال باولو كويلهو حاليا؟
- اللا تسامح الذي يغزو العالم يشغل بالي. كما أن ما تروجه وسائل الإعلام عن صراع الحضارات يقض مضجعي، إذ يقدم الإسلام والحضارة العربية بصورة مشوهة، إن كل الثقافات مدينة لهذه الحضارة. يجب العودة إلى روح الثقافات المبنية على الاحترام. وسائل الإعلام تبسط الأشياء بحديثها عن صراع الحضارات، وهذا أمر خاطئ. إن "صراع الحضارات" كلمة روجتها وسائل الإعلام. أعتقد أنها كلمة "غبية". فما نعيشه هو "تغييب التواصل"، فعندما نتواصل، حتى وإن لم نتفاهم، فإننا نحترم بعضنا.