القاهرةمن سعد القرش- في مقدمة كتابه (من يهودية الدولة حتى شارون) يعترف الكاتب الفلسطيني المرموق عزمي بشارة بأنه لا يؤرخ لما يصفه بالفكرة الصهيونية قدر اهتمامه بالتعامل مع الايديولوجية الصهيونية كفعل سياسي اجتماعي يتجلى في تفاعل الدين والدولة والامن والجيش داخل اسرائيل. وأوضح بشارة أن كتابه مساهمة علمية في فهم المجتمع والدولة و"هو بالتأكيد لا يقل حرصا على الموضوعية العلمية عن الانتاج البحثي الاسرائيلي في الشأن الاسرائيلي. وان كان (الكتاب) يتضمن بعدا أيديولوجيا فهو بالتأكيد لا يزيد عن البعد الايديولوجي القائم في الابحاث الاسرائيلية."
والكتاب الذي صدر مع مطلع العام الجديد عن دار الشروق بالقاهرة يناقش قضايا منها (تناقضات الديمقراطية اليهودية) و(دوامة الدين في الدولة تاريخيا) و(بعض جوانب جدلية العولمة اسرائيليا) و(تجزئة الهوية الجماعية) و(اشكال العلمانية والتدين في انتخابات العقد الاخير). ويقع الكتاب الذي حمل عنوانا فرعيا تفسيريا هو (دراسة في تناقض الديمقراطية الاسرائيلية) في 348 صفحة من القطع الكبير ويكتسب أهميته من جمعه بين النظرية الاجتماعية الفلسفية والمراقبة الميدانية المضافة الى الجهد النظري. ففي شرحه لما يصفه بتناقضات الديمقراطية اليهودية يعترف بشارة بأن اسرائيل "ليست دولة دكتاتورية ولا هي دولة يحكمها العسكر ولا دولة الحزب الواحد وانما هي دولة تتوفر فيها انتخابات برلمانية عامة ونسبية." ولكنه أشار الى وجود اشكاليات لهذه الديمقراطية منها صراع حول العلاقة بين الدين والدولة وحول الحريات توسيعا وتضييقا في ضوء الاعتبارات الامنية اضافة الى "الصراع بين مساواة المواطنين ويهودية الدولة."
عزمي بشارة الذي يعد أحد المفكرين الفلسطينيين البارزين ولد عام 1956 وحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من احدى الجامعات الالمانية ونال عام 2002 جائزة ابن رشد للفكر الحر التي تمنحها مؤسسة ابن رشد العربية بألمانيا. وأسس بشارة حزب التجمع الوطني الديمقراطي المعروف في اسرائيل باسم(بلد). وفي عام 1996 أصبح نائبا في الكنيست (البرلمان) ممثلا لحزبه وأعيد انتخابه عام 1999. واعترف بشارة بسيادة حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي في اسرائيل "ولكن حرية التعبير تواجه مسألة تجند وتجيش المجتمع الاسرائيلي وصحافته في القضايا الوطنية والامنية." وقال ان في اسرائيل "أقلية مثابرة تؤيد حق المواطنين العرب في اسرائيل بالمشاركة في اتخاذ قرارات سياسية مصيرية." ومضى موضحا أن "اسرائيل لا تفصل بين الامة والقومية والدين وبالتالي لا يمكنها الفصل بين الدين والدولة."
وفي استعراضه للعلاقة بين يهودية اسرائيل وديمقراطيتها يشير بشارة الى أن اسرائيل تشبه الدول الاستعمارية الغربية "التي كانت تحتفظ بمستعمراتها الى جانب ديمقراطيتها الداخلية والتي لم يمنع استعمارها لبلدان أخرى من اعتبارها دولا ديمقراطية بمفهوم الديمقراطية البرجوازية." ولكنه أوضح أن اسرائيل "قامت كحالة استعمارية أو في اطار نشاط استعماري ولم تكن دولة قائمة (قبل عام 1948) احتلت مستعمرات." وأعلن قيام دولة اسرائيل في منتصف مايو أيار عام 1948 استنادا الى موافقة الجمعية العامة للامم المتحدة يوم 29 نوفمبر تشرين الثاني عام 1947 على مشروع القرار رقم 181 الذي أوصى بتقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية عقب انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين.
وأشار بشارة الى وصف الكاتب الاسرائيلي بنيامين نويبرجر رئيس برنامج دراسات الديمقراطية في الجامعة الاسرائيلية المفتوحة ديمقراطية بلاده بأنها "ديمقراطية ذات ظلال أو عيوب. "أهم النواقص في نظره غياب دستور ليبرالي متكامل وعدم علمنة قوانين الاحوال الشخصية والتمييز ضد الاقلية العربية والسيطرة الاسرائيلية على المناطق المحتلة ويعتبر ذلك عيبا مؤقتا."
وشدد بشارة على أنه "لا يمكن فصل يهودية الدولة العبرية عن ديمقراطيتها... يرتكز قانون العودة الاسرائيلي على أن اسرائيل غاية ومنطلقا هي دولة الشعب اليهودي" مشيرا الى قول بن جوريون أول رئيس حكومة في اسرائيل بعد اعلان قيامها عام 1948 "ان اسرائيل دولة اليهود أينما كانوا." وقال ان بن جوريون سبق الحاخام مائير كاهانا مؤسس حركة كاخ المتشددة في المطالبة برمي العرب في البحر حيث كان "أول سياسي يدعو الى رمي المواطنين العرب بعد عام 1948. انه (بن جوريون) نفس الرجل الذي يتحدث عن المساواة في الدولة لمن يبقى فيها ويدعو ألا يبقى عرب.
"الممتع أن نفس هذه الروح نجدها عند (أرييل) شارون كرئيس للحكومة بعد نصف قرن اذ يميز (يوم 22 يوليو تموز عام 2002) في جلسة الكنيست (البرلمان) بين الحق على البلاد والحق في البلاد على نفس نمط بن جوريون. وعلى حد تعبيره (شارون) يوجد للمواطنين العرب حقوق في البلاد وليس على البلاد." وعلق بشارة قائلا ان هذا يعني أن صاحب السيادة يمنح الحقوق لمن ليس صاحب سيادة "هذا يعني أن مفهوم المساواة غير ممكن لان مفهوم الحقوق معطوب أصلا." ولعزمي بشارة مؤلفات منها (مساهمة في نقد المجتمع المدني) و(الخطاب السياسي المبتور) و(العرب في اسرائيل .. رؤية من الداخل) و(الانتفاضة والمجتمع الاسرائيلي) فضلا عن رواية (الحاجز) التي صدرت عام 2004 .