تحول كتاب سياسي لمؤلف إسرائيلي وسجين سياسي سابق في الإتحاد السوفيتي إلى الكتاب الأكثر قراءة من قبل قادة الإدارة الأميركية وفي مقدمتهم الرئيس جورج بوش ووزيرة خارجيته. وذكرت وسائل إعلام أميركية أن بعض الفقرات الواردة في خطاب الرئيس جورج بوش اعتمدت على أفكار هذا الكتاب، كما أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أشارت إلى أهميته في إحدى تصريحاتها الصحفية. الكتاب هو "The Case for Democracy: The Power of Freedom to Overcome Tyranny and Terror". الكتاب صدر في الأشهر الأخيرة من العام الماضي وهو من تأليف ناتان شيرنسكي و صديقه رون ديرمر. قضى مؤلف الكتاب 9 سنوات سجينا في الإتحاد السوفيتي ثم عمل كمسؤول سياسي في إسرائيل، وخلال التجربتين يعرض لما مر به حتى يصل إلى المعاني التي يعتقد أنها " الديمقراطية ".

يقدم مؤلف الكتاب فصولا عديدة عن الديمقراطية : الديمقراطية ليست بعيدة المنال عن المجتمعات التي تسعى من أجلها، والديمقراطية ضرورية من أجل تحقيق الأمن، ويجب القيام بالكثير حتى تتحقق الديمقراطية حول العالم. الحرية، كما يقول المؤلف، تعني الحق في الانشقاق والمشي إلى الساحة الحكومية لقول آرائنا دون خوف من العقوبة أو الانتقام. والدول التي لا تحمي هذا الحق لا يمكن أن تكون دولا يمكن الاعتماد عليها كشريكة في السلام، والديمقراطية المكروهة من قبل هذه الدول هي أكثر أمانا لها من الديكتاتورية التي تعشقها وتبقى في أحضانها. ويتابع أن ثمن الاستقرار داخل أنظمة غير ديمقراطية هو الإرهاب خارج هذه الأنظمة، وأمن العالم الحر يعتمد على استخدام كل القوة السياسية والأخلاقية والمالية لدعم الديمقراطية.

هذا الكتاب صار معتمدا في البيت الأبيض والأكثر قراءة. وفي تصريحات صحفية لها قالت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس وهي تشرح الشهر الماضي القضايا الرئيسة في سياستها :" يجب أن يعتمد العالم ما يدعوه ناتان شيرنسكي امتحان ساحة المدنية 'the town square test'حيث إذا لم يتمكن الشخص من السير إلى منتصف ساحة المدينة والتعبير عن رأيه / رأيها بحرية بلا خوف أو اعتقال أو سجن أو أذى جسدي، عندئذ يكون هذا الشخص يعيش في مجتمع الخوف وليس مجتمع الحرية. لا يمكننا أن نرتاح حتى ينال كل شخص في مجتمع الخوف والقهر حريته".

ظهرت هذه الفكرة في الصفحة 40 من الكتاب ثم يطوّر المؤلف فكرته بعد ذلك إلى مناقشات وآراء جديدة. يقول إن الحرية هي ضمان الأمن العالمي لأن المجتمعات الديمقراطية لا تتحارب. الاستبداد، أو مجتمعات الخوف، خطيرة لأنها دوما تبحث عن أعداء خارجيين كوسيلة لحفظ ذاتها من الأذى والتدخل. ثم ينتقل المؤلف إلى فكرة جديدة وهي الصفاء الأخلاقي " moral clarity ". ومعنى هذه العبارة حسب المؤلف الشجاعة على إسقاط حكم الفرد أينما وجد في كل مكان وأيضا في الشرق الأوسط. يقول : " يجب أن نسترد الصفاء الأخلاقي وبإدراك ذلك سيكون الانقسام بين عالم الخوف وعالم الحرية أكثر أهمية من الانقسام ضمن العالم الحر ذاته ".

والفكرة الجديدة الأخرى التي يطرحها المؤلفان أيضا هي : عندما ينطلق العمل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم فإن قيم ومصالح العالم الحر تكون واحدة ". هنا، تعود إلى الذاكرة ما أعلنه الرئيس جورج بوش في خطاب القسم، وكأنه قرأ الكتاب، قبل كتابة الخطاب، إذ قال :" أملنا في تحقيق السلام حول العالم يكون بنشر الحرية، مصالح أميركا الحيوية ومعتقداتنا الراسخة الآن هي واحدة ". لكن، هل فعلا يمكن للولايات المتحدة أن تقلب نظام حكم فردي يكون من أحد حلفائها ومن مصلحتها الإبقاء عليه ؟ هذا السؤال حتما لم يسأله مؤلفا الكتاب. إن الولايات المتحدة قلبت النظام في العراق بداعي امتلاك نظامه لأسلحة محظورة وليس من أجل الديمقراطية. وتوجد شكوك كثيرة بأن العالم لن يصل في المستقبل القريب إلى اتحاد بين القيم والمصالح، أو بين الواقعية والأخلاقية في العمل السياسي. ويعود المؤلف ليركّز على فكرته الرئيسة : دعم السلام والأمن يكون من خلال نشر الحرية والديمقراطية.

قد لا يريح هذا الكتاب الكثيرين من القراء العرب خاصة بعد دخوله إلى فصل الحديث عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عندما يشدد كثيرا على أن " استبدادية سلطة عرفات أضرّت عملية السلام " ويتجاهل بحذر موضوع احتلال وقضم الأراضي الفلسطينية ولو أنه ينتقد قتل حكومة شارون للمدنيين الفلسطينيين. لقد استطاع هذا المنشق الروسي السابق أن يوصل أفكاره إلى العالم عبر هذا الكتاب. ويوضح فكرة " الصفاء الأخلاقي ". لكن يمكن القول أن" الصفاء الأخلاقي باسم الحرية هو شئ واحد، إلا أن شعار الحرية المتنكّر للصفاء الأخلاقي هو شئ آخر " - كما يعبّر عن ذلك الصحافي روجر كوهن معلقا على الكتاب في صحيفة " ذي نيويورك تايمز ".