شكك عدد كبير من الإعلاميين البارزين في السعودية في مصداقية مؤشر منظمة quot;مراسلون بلا حدودquot; الفرنسية في تقييمها لمستوى حرية الصحافة في المملكة، واتفق معظمهم على أن ما أورده المؤشر من حصول السعودية على مركز متأخر جدًا وهو 163 من أصل 175 دولة شملها المؤشر هو quot;غير منطقيquot; تمامًا، ولا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال. مؤكدين على أن الصحافة السعودية خطت خطوات واسعة من quot;الشفافيةquot; والحضور الإعلامي مقارنة بما كان قبل خمس سنوات على الأقل وبدأت تتطرق إلى الكثير من المجالات التي كان دونها خط أحمر يمنع تجاوزها .

الرياض: كانت المنظمة الفرنسية قد صدرت مؤشرها للفترة من أول أيلول (سبتمبر) 2008 إلى 31 آب (أغسطس) 2009 الذي يقيس مساحة الحرية التي تتمتع بها الصحافة في مختلف دول العالم، وأظهر المؤشر احتلال السعودية لمركز متأخر جدًا بتراجع ملحوظ يناقض حقيقة التحسنات على أرض الواقع ويوحي برصد غير منطقي لأسباب مختلفة .

وكان رئيس المنظمة جان فرانسوا جوليار قد أكد أنه quot;يجب الدفاع عن الحرية الإعلامية في كل دول العالم بذات الإصرار والمثابرة، وأنه من المخجل أن ترى ديمقراطيات أوروبية كفرنسا وايطاليا وسلوفاكيا، تتراجع بثبات وفق هذا المؤشر عامًا بعد عام، في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون أوروبا مثالاً يحتذى به في مجال الحريات المدنيةquot;.

التقرير وفي ما يخص الدول العربية جعل الكويت في المركز الأول ، على مستوى دول الشرق الأوسط، في المرتبة الـ60 تلتها ، لبنان في المرتبة الـ61، ثم الإمارات في المرتبة الـ86، وقطر في المرتبة الـ94، وعُمان في المركز الـ106، تتبعها الأردن في الـ111. وجاءت البحرين في المركز الـ119، والمغرب 127، والجزائر ، 141، ومصر 143، والعراق 145، والسودان 148، وتونس 154 ، وليبيا 156 ، والدولة الفلسطينية 161، والسعودية 163 ، وسورية 165 ، واليمن 167 .

* غير منطقي ومعاييره غير قابلة للتطبيق الشامل

معظم الإعلاميين السعوديين الذي علقوا على الخبر أكدوا أو اتفقوا بشكل عام على أن المؤشر في تقييمه كان مجانبًا للواقع، وتجاهل بشكل غير منطقي القفزات الكبيرة التي قفزتها الصحافة السعودية ، في تحقيق هامش كبير على مستوى حرية الصحافة وطريقة تناولها للأوضاع السياسية والاجتماعية على وجه الخصوص .

وحول هذا قال الكاتب يوسف الكويليت لإيلاف: quot;غير منطقي، فيه عوامل مساعدة ربما فرضت الكيف على النوع من التطور في الإعلام وفي الحريات العامة. أنا اعتقد أن تداخل العالموتقليص المسافات ونقل القانون والخبر بكل الوسائل التقنية وأقلها الجوال والانترنت. أعتقد أيضًا أنه نقل المواطن من الحي الضيق إلى العالمية، نحن مثلاً في هذا لن نتحدث عن الحاجة للنقابات الصحفية،فكثير منها موجود حتى من أيام الاستعمار. ولكن وجود شكلي بلا مضمون، ولم تُفعّل، وحتى جمعية الصحافيين السعوديين لا نريد أن نقول أنها لم تتحرك، فهي لنتكون مخولة أكثر من الثقافة والإعلام وهي لا تجد حتى رواتب موظفيها. المؤكد أن هذا المؤشر غير منطقي فهناك تجاهل واضح لتطور واضح وملموس .

أما الإعلامي المعروف إدريس الدريس فأكد لإيلاف أن quot; هذا غير دقيق وهو تعسفي لأسباب أهمها صعوبة حصول مراسليها على تأشيرات للدخول للبلد ، ثم أن معاييرهم غير دقيقة وهم يرون أن دون السعودية مايشبه السواتر الحديدية ، وبالتالي لا يعرفون عن مدى الشفافية التي حدثت . ثم أن هذا المركز للسعودية لا يؤثر حتى لو كانوا يرونه منطقيا من وجهة نظرهم ، ولكن هذه الرؤية لديهم هي التي تصعب مقاربتهم للحقيقة في مثل هذه الأمور ، فكيف يعرفون وهو لا يسمح لهم أصلا أو يسهل لهم الدخول ومتابعة التطور الذي حدث في هذا المجال quot; .

وحول حصول الكويت على المركز الأول وتعليقا على ما قاله رئيس تحرير صحيفة laquo;السياسةraquo; الكويتية أحمد الجار الله لصحيفة (الحياة) أن الحرية الصحافية التي تشهدها وسائل الإعلام في بلاده، تسببت في كثير من الإشكالات التي تمس الأمن الوطني، وتمس المجتمع الكويتي خصوصًا، قال quot;الدريس quot; : قد يكون هذا صحيحًا فالحرية قد تؤجج بعض النزاعات المذهبية والاجتماعية إن جاز التعبير ولكن في كل الأحوال الحرية والشفافية خير دائم quot;. وحول رؤيته عن أبرز الصحف السعودية في هذا المجال أكد quot; الدريسquot; أن صحيفة (الوطن) السعودية تأتي أولا وبفارق واضح ، فيما تتناوب الرياض وعكاظ على المركز الثاني quot; .

وتبدو هذه الأقوال متفقة تمامًا مع ما صرح به عدد كبير من الإعلاميين السعوديين حول هذا الأمر واتفاقهم على مجانبة المؤشر للواقع ، وتأكيدهم على أن معايير منظمةquot; مراسلون بلا حدودquot; لا يمكن تطبيقها بنفس الدرجة والآليات على جميع الدول مما يعني تلقائيًا البعد عن الحقيقة .

* تقارير متشابهة

وكان التقرير السابق للمنظمة نفسها قد وضع السعودية في المرتبة 161 من أصل 168 مؤكدًا أنها مازالت تمارس التضييق على الصحافة بدافع من جهات تدعي أنها إصلاحية وحدد تقريرها الصادر عام 2007 عن أن الصحافة السعودية تعرضت لمضايقات من مسؤولين حكوميين quot; يصرفون رؤساء التحرير ويمنعون الكتاب المنشقين عن العمل أو يدرجون أسماءهم على اللائحة السوداء، ويأمرون بإغفال المواضيع المثيرة للجدل، ويؤنبون كاتبي الافتتاحيات المستقلين على كتاباتهم بهدف درء الانتقاد غير المرغوب به وتهدئة الهيئات الدينيةquot;. وكذلك quot; المؤسسة الدينية المحافظة في البلاد تعمل كمجموعة ضغط فاعلة ضد محاولات تغطية القضايا الاجتماعية والثقافية والدينيةquot; ، والسبب الثالث من وصفتهم بـ quot;المحررين المنصاعين للدولة يعملون على إغفال القضايا المثيرة للجدل، ويذعنون للضغوطات الرسمية الهادفة إلى التخفيف من تغطية هكذا قضايا، كما أنهم يسكتون الأصوات المنتقدة.quot;

فيما تعرض تقريرها لعام 2006م إلى وصف السعودية بأنها quot;تمثل واحدة من أكثر البيئات الإعلامية الخاضعة للسيطرة المحكمة quot;.

وفي موضوع ذو صلة يقول الكاتب داوود الشريان في معرض تعليقه على اعتذار رئيس تحرير صحيفة الرياض تركي السديري على خلفية موضوع الشهير quot; الأكيد أن الصحافة السعودية تتمتع اليوم بمقدار معقول من حرية التعبير، قياسًا إلى صحافة دول أخرى، وهذا ناتج من إيمان الملك عبدالله بن عبد العزيز بأن حرية النقد وتنوع الآراء قضية مهمة لتطور البلد، وهي الرؤية التي عبر عنها وزير الإعلام عبد العزيز خوجة بقوله: quot;ليس للحرية سقف نصطدم به، وإنما فضاء نتقدم فيه وأمانة نتحملهاquot;. لكن هذه الرؤية لم تتبلور إلى الحد الذي يعطي هذه الصحافة مكانتها المستقلة، من خلال الرد على ما تنشر، فالتجاهل قيّد حرية الصحافة، وكرس تبعيتها للحكومة، وجعل الأخيرة تتحمل الآراء التي تنشر فيها مهما كانت مخالفة لسياسة الدولة quot;.