محمد عطيف من الرياض : لم يكن من المستغرب أن يحتاج المتابعون وعشاق السينما في السعودية إلى وقت غير معلوم للإفاقة من صدمة منع السينما بعد أن كانت كل المؤشرات تشير إلى إقتراب فتح الأبواب أمام الفن السابع كما يوصف، وأن يدشن تدريجيًا على الرغم من الصراع العنيف حوله، والكثير من الإشارات التي ربما أخطأت عندما رأت أن ذلك أحد خطوط الإصلاح التي تقوم بها الدولة، على الجوانب الثقافية والإعلامية بعد مطالبات بذلك تصاعدت مع نهايات العام الماضي وبدايات العام الحالي.
وفي ظل الصمت الذي وصف بالغريب من قبل وسائل الإعلامالرسمية المقروءة والمرئية والمسموعة وبغض النظر عن التفسيرات الاجتهادية الكثيرة التي بررت ذلك وعزتهأكثرها إلى قرارات رسمية أوعزت لها فإن السينما في السعودية ومن يقف وراء دعمها بلا شك عادت إلى المربع الأول، حيث اعتبر إيقاف مهرجان جدة السينمائي ضربة موجعة لمريديها، ولم يتبقَّ أمام الآخيرين سوى طرح رؤاهم وآمالهم عبر المواقع الإلكترونية حيث كانت الشماتة من قبل الرافضين أكثر غلبة في مواجهة تفاؤل من المؤيدين بأن الأمر لن يعدو المرور بتلك الفترة التي مرت بها بعض القرارات، مثل منع هواتف الكاميرا، وأطباق البث الفضائي قبل أن يعود التصريح بعد فترة وجيزة .
- ما وراء إلغاء مهرجان جدة السينمائي:
لم يكن الإلغاء سوى إلغاءً لأحد مظاهر السينماالتي كان بتوقع له أن يكون الافتتاح الحقيقي لها. وعلى الرغم منتأويلات الكثيرين أن تأخير المنع كان بهدف إلحاق أكبر ضرر ممكن بالمنظمين الذين قيل إنهم لم يستوفوا التراخيص اللازمة في الوقت الذي أكد فيه المنظمون العكس، إلا أن القرار من وزير الداخلية السعودي كان حاسمًا ولم يرتكز على ذلك بقدر ما اتكأ على فتوى شرعية، يقال إنها استندت على استبيانات أكدت عدم رغبة المجتمع السعودي في السينما حاليًا بالإضافة للنتائج السلبية المتوقعة والتي يدخل أكثرها ضمن المحظورات الدينية.
وإذا كانت الخسائر المترتبة قد تجاوزت الأمور المادية إلى الحرج الشديد من الضيوف وإضعاف الفرص المستقبلية لاستجابتهم لأي دعوات قادمة حتى لو في غير المجال نفسه فإن ذلك كله انضوى تحت خسائر إجمالية كانت محل تعاطف القليل ومصدر تشفي الأغلبية وأغلبهم من الملتزمين . أضف إلى ذلك وهو أمر في غاية الأهمية هو التوقعات بهجرة كبيرةللمنتجين والسينمائيين السعوديين وخصوصًا الشباب منهمإلى دول مجاورة بحثاً عن عرض إنتاجهمواكتساب خبرات جديدة في ظل الوضع الحالي الطارد كما يرونه.
- أصداء القرار ..
حظي قرار وزير الداخلية السعودي والنائب الثانيبتأييد كبير على النطاقين الرسمي والمجتمعي، وتجلى ذلك في التعقيبات عليه في كافة الوسائل الإعلامية التي نشر فيها وخصوصاً على المستوى الشعبي في ظل وجود أصوات قليلة ربما لا تتجاوز 10% من المتفائلين بأن القرار يمثل مرحلة في سلم صعوبات الموافقة.
وعلى خط التأييديؤكدالشيخ عبد العزيز الفوزان استنكاره لاستمرار منظمي مهرجان جدة- حينها - بالترتيب للمهرجان مع وجود أمر صريح من ولي الأمر بإلغائهquot; إذا كان هناك منع صريح للسينما ويأتي هؤلاء ويفتئتون على ولاة الأمر ويعاندونهم ويقولون وإن منعتم السينما سنقيمها ألا يستحق هؤلاء أن يعاقبوا وأن يوقفوا، نتمنى أن نسمع ما يسر في هذا الباب quot;.
في حين يرى الشيخ سليمان الدويش في تصريحه لإحدى وسائل الإعلامأن قرار سمو وزير الداخلية استأصل(النبتة من جذورها) ، مؤكداً على quot;أنهلا ينقضي العجب والجميع يتأملون تصاريح وكتابات كثير من المستأجرين ممن امتطاهم أعداء الدين أو ممن ابتلاهم الله بالحمق والبعد عن الحكمةإذ تجد هؤلاء يمتدحون المنكرويزداد عجبك حين ترى تلك المجهودات والأموال الطائلة التي تبذل لمثل هذه المجاميع، ثم يستضاف لها من ليس كفوءًا،بينما توضع العراقيل أمام ملتقيات الدعوة التي يقبل الناس عليها على الرغم من قلة إمكانياتها. الحملة على هذه البلاد تعددت اتجاهاتها وتنوعت وسائلها بحيث يراد للبلد أن يكون في ذيل القائمة ويرضون له أن ينسلخ فيتحول إلى علمانيّ فوضوي أو ليبرالي بهيمي quot; .
أما الواقفون على المقابل فالعديد يرى منهم في القرار أنه قد يمثل أن السعودية ضيقت إحدى المسارات الإصلاحية فيمعركتها مع الإصلاح بسرعة غير متوقعة ، فيما يرى بعضهم الآخر أنإلغاء مهرجان جدة السينمائي ترك الكثير من الاستفهامات- مع التقدير الكامل للقرار ومصدره - ومن ذلك ترك المشاركين فريسة لمشاعر محبطة ، وخصوصًا أن التوقيت كان قاتلاً وquot; يجعل من الصعب كسب ثقة المنتجين والمخرجين والممثلين مرة أخرى ، كما اتضحارتجال الإعداد، قبل حسم الموافقات ، مما أظهر أنالمنظمين ليسوا quot;أصحاب قرارquot; بالإضافة لوضع المشاركين في محنة فشل وإحباط لا ذنب لهم فيها.والأهم هل يمكن قراءة الأمر على أنه أظهرأن السعودية كبيئة ثقافية ليست مستعدة لقبول الفن السابع على انه جزء من الإبداع الإنساني النبيلquot;.
- quot; على السينما الإسلامية أن تنجح خارجياً أولا!؟ quot; :
ومن جهة أخرى قال الدكتور والداعية المعروف محمد النجيمي في حديث لقناة المجد الفضائية مساء البارحة الأولى :quot; المجتمع السعودي مجتمع محافظ والإعلام السعوديةليس ثقة لدى المواطنين لأن توكل إليه قضايا كبيرة كالسينما والثقافة، ولذا فالمواطن يرفض السينما لأنه في الأصل لا يثق في الجهات التي قد يوكل إليها الأمر، كما أن إعلامنا لا يخدم قضايانا بعكس بقية العالم وهو في واد وتوجهات الدولة وقضاياها في جانب آخر quot;.
مشيرًا إلى أن السينما quot;لم تعد وسيلة ذات تأثير ولم تعد مرتادة، والوسائل التقنية الأخرىسلبت منها الحضور فأصبحت في ذيل القائمة . وما إقبال البعض من السعوديين عليها في وقت قريب إلا بدافع الفضول فقط ، وفي بقية الدول قد لا يكتمل حتى الصف الأول في صالة السينما . فهي شيء منتهٍ ، ولو جاءتفي السعودية فهي ستكون عبئًا جديدًا مثل الصحافة في ظل أن الإعلام هنا للأسف يمثل توجهاً معيناًلا يمثل 2% على الأكثر.. وهو يشبه التوجه الشيوعي في بعض الفترات خصوصًا في مدى تمثيله لصوت المواطن والدولة quot; . مؤكدًا أن القضية في حقيقتها quot; صراع ضد توجه معين يحاول السيطرة ، وتعالوا نحتكمإلى الشعب ونرى أنه سيرفض السينما .. هذا رد على من يتهموننا بالدكتاتورية . فالشعب لا يريد أن يسلم هؤلاء زماماً جديداًله . وباختصار فان الإعلام السعودي أصبح (سائباً) وخادم الحرمين انتقد الصحافةفي وقت سابق ، ولكن هناك حالة واحدة إذا ضمنتها لي أن تكون السينما كما يفعلها اليهود والإيرانيون لتخدم قضاياهمفلا باس فهل تضمن لي من يفعل ذلك ، وأقول لمن يريدها بضوابط : ورونا شطارتكم في سينما إسلامية خارج السعودية فإذا نجحتم أنظر في أمركم .وبعدين أفكر أدرس موضوعكم ..quot;
فيما يقولحمد القاضي عضو مجلس الشورى السعودي quot; نعيش في زمن ما بعد السينما وأنامبدئيًا لست ضد السينما وشاهدت أفلامها وفي بيت كل واحد منا سينما في بيته .. المهم ماذا يقدم في هذه السينما من أفلام سواء شاهدنا الفيلم في البيت أو السينما ، ثمهل غابت القضايا المحورية في بلادنا لنناقش السينما وما يتعلق بها .. لدينا قضايا ثقافية أكثر أولوية. quot;
ويرى محمد الهرفي (أستاذ جامعي) quot; دعونا ننظر لواقع الدول المجاورة مثل البحرين ومصر وسوريا وغيرها فهل هناك ضوابط هناك تقنن ذلك ؟التلفزيون مراقب أبويا ولا تصح مقارنته بالسينما التي لن تقدر عليها ضوابط. . الضوابط حتىلو نجحت مبدئيًا لن تستمر . السينما هادمة للقيم والأعراض والأخلاق ،إذا أطفئت الأنوار في الصالة حصل فيها ما يحصل ، وفي السعودية تخيل ماذا سيحدث ؟! ،و من الخير لنا ألا يسمح بهذا الغثاء في بلاد الحرمين quot;.
وفيما يعلق العديد من المؤيدين الكثير على روتانا خصوصًا في ظل نشاطها السينمائي القوي مؤخراً إلا أنه لا توجد مؤشرات قوية واضحة عن نشاط ناديها السينمائي الذي أعلنت عن افتتاحه في وقت حرج قبل منع مهرجان جدة السينمائيبساعات ، و بقي مصيره مجهولاً ودون معلومات واضحة عن آليات عمله المستقبلية إن لم يكن قد أوقف نشاطه بالفعل .