عامر الحنتولي من الكويت: أرسل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أمس رسالة مدوية، وغنية بالإشارات والدلالات السياسية بلياقة سياسية عالية، لكن صامتة لكل المنخرطين على الساحة السياسية الداخلية في معارك وهمية للبقاء على كراسيهم في المواقع العليا، حين أمر بتجهيز موائد ملكية لأكثر من عشرين ألف يتيم حول المملكة الأردنية، أشرف على تجهيزها وإعدادها رجال القصر الملكي من رتبة كبار الموظفين في سائر أقسامه، فيما يغيب حتى الآن عن تلك الموائد رجال السياسة.

ووفقًا لمصادر مقربة من القصر الملكي فإن الملك عبدالله سيكثر خلال الأيام الماضية من إشاراته الصامتة في إتجاهات عديدة على أمل وصولها الى الجهات المعنية، وإذا لم يحدث هذا الفهم فعلى الأرجح أن التغيير السياسيلن يكون هناك مفرّ منه.

وللمرة الأولى منذ عدة سنوات يحجم العاهل الأردني عن إستضافة الساسة على مآدب إفطار ملكية يتخللها غالبا مناقشات ومناصحات بشأن الصالح العام، إلا أن مرور أكثر من نصف شهر الصيام من دون الدعوة إلى تلك المآدب التي جرت العادة عليها خلال السنوات السابقة ربما يشير لغضب الملك من بعض الساسة، في إشارة ضمنية الى الصراع المتنامي على الكرسي البرلماني الأول، إذ عقدت عشرات المآدب حتى الآن لإختطاف الموقع الأول في مجلس النواب الأردني عبر صراع منظم بين كتل برلمانية لا تزال مواقفها متأرجحة في تأييد رجل البرلمان القوي الجنرال المتقاعد عبدالهادي المجالي الذي يشغل موقع رئيس المجلس منذ أكثر من عشر سنوات، وسط محاولات عدة لإقتلاعه، إلا أن كتلته البرلمانية الضخمة كانت توصله بالسهولة الى الكرسي الأول، إلا أن المشهد يبدو مختلفًا تمامًا هذه المرة، على الرغم منأن الأفضلية لا تزال مع المجالي، علمًا أن الموعد الدستوري لإنطلاق الدورة العادية الثالثة للبرلمان الأردني سيكون في الأول من الشهر المقبل، لكن مصادر عدة تحدثت إليها quot;إيلافquot; قالتإنّ الملك يعتزم إرجاء الموعد نحو شهرين وفقًا لصلاحياته الدستورية، وهي رسالة إستياء ملكية أخرى إن تقررت فعلاً، بما يفتح المجال أمام حل للبرلمان.

يقول مسؤول أردني سابق عمل عن قرب من العاهل الأردني في القصر الملكي لـquot;إيلافquot;: quot;ما فعله الملك مع الأيتام أمس رسالة بالغة الوضوح أن العاهل الأردني يريد من الحكومة الأردنية أن تجد ما تهتم به من ضمن قائمة أولويات وطنية أبرزها الملك مرارا خلال مناسبات وطنية، ومن بينها الإهتمام بملف الأيتام، وعدم الإستمرار في التركيز على الملفات التقليدية من تكوين تحالفات سياسية الى جانبها إن في البرلمان أو على الجبهة مع الإعلام، لأن مالت المسألة برمتها إليه من خلال نصوص الدستور الأردني التي تعطي للملك تفويضًا لإجراء التغييرات التي يراها مناسبة... لكن الرسالة الأبرز أمس أن الملك يعتبر أن وجود الأيتام على مائدته بات أمرًا أكثر أهمية لديه من أن يصافح رجال السياسة ويدعوهم الى مائدته، فهؤلاء رغم اليسر المادي الذي يعيشونه فإن سجلهم خال تماما من أي معونات أو هبات لمؤسسات عامة وخاصة ترعى الأيتام... أنا أعتقد أن شرائح أردنية أقل حظًا ستكون خلال الأيام المقبلة على مائدة الملك، وأن هذا العام على الأرجح لن يشهد أي مآدب ملكية للساسة وطبقة الحكمquot;.

يشار الى أن الملك الأردني الراحل حسين بن طلال كان قد فاجأ حكومة عبدالكريم الكباريتي عام 1997 بزيارة مفاجئة الى أحد مراكز رعاية الأيتام الحكومية، وهاله ما شاهده في ذلك المركز، قبل أن يوجه إنتقادات قاسية جدًا للكباريتي الذي لم يقبل الملك دفاعه وتبريراته، إذ قام على الفور بتحويل أحد قصور الحكم الى مبرة للأيتام، في واقعة أبكت الأردنيين الذين عاينوا تقصيرًا حكوميًا هائلاً بحق الأيتام عبر مشاهد بثتها وسائل الإعلام الأردنية لأيتام مرضى وجوعى، إذ كانت تلك الحادثة واحدة من جملة أسباب أقصي الكباريتي بموجبها عن رئاسة الحكومة، وكان أول رئيس وزراء يلقى تقريعًا ملكيًا شديدًا في رسالة قبول إستقالته.