معلوم ان ستراتيجة الدول العليا تكون ثابتة في خطوطها العامة ولا تتعرض للتغيير الجذري مالم يطرأ تغيير في الاسس والمبادئ المعمول بها، قائمة على اسس ودعائم ستراتيجية جديدة مغايرة لما هو دارج منها.

أعتمدت ستراتيجية تركيا في التصدي على حزب العمال الكردستاني الارهابي منذ عام 1984 على عملية عسكرية وامنية بعيداً عن سبل معالجة ابعاد المشكلة اجتماعيا واقتصاديا وثقافياً والبحث عن سبل الحل لتداعياتها. وكانت قد عهدت الحكومات التركية السابقة قبل تولي حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب اردوغان سلطة الحكم في البلاد، عهدت امر التصدي لعناصر بكاكا الارهابية الى الجيش التركي على انها مهمة عسكرية بحتة. فقد نفذ الجيش 24 عملية عسكرية عبر الحدود مع العراق من عام 1984 الى 1999 وادت في مراحل معينة منها الى تحجيم نشاط المنظمة الارهابية الى درجة كبيرة واضعفتها بحيث اضطرت الى اعلان وقف اطلاق النار من جانب واحد مرات عدة. وكادت ان تنهار إثر القبض على زعيمها عبدالله اوجلان في نيروبي عام 1999 عندما انهت سوريا دعمها له وطردته خارج اراضيها، ولكن المنظمة اعادت تنظيم صفوفها واستعادت نشاطها بالاستفادة من الفراغ الذي تركه انسحاب النظام العراقي السابق من المنطقة الشماليه وانشاء منطقة آمنة شمال خط 36 من قبل قوات التحالف الامريكي /البريطاني /الفرنسي عام 1991 .

استندت تركيا على الاتفاقية التي ابرمت بين الحكومة التركية والنظام العراقي السابق، سمحتْ بموجبها لقوات الدولتين التوغل لمسافة 30 كم في اراضيهما لملاحقة عناصر خارجة على القانون للدولتين، وعليه توغلت القوات المسلحة التركية داخل الاراضي العراقية لملاحقة عناصر بكاكا التي حولت معسكرات لاجئي اكراد تركيا في شمال العراق الى قواعد تدريب وانطلاق، لتنفيذ عمليات القتل والارهاب داخل الاراضي التركية.
استمرت عمليات الجيش التركي ضد حزب العمال الكردي من عام 1992 بالاستناد على الاتفاقية المذكورة، بالتعاون والتنسيق مع مسعود البرزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني وبمشاركة قوات البيشمركة التابعة له في القتال ضد حزب العمال جنباً الى جنب مع القوات التركية.

كانت هذه هي السمة الاساسية لستراتيجية الجمهورية التركية في التصدي على منظمة بكاكا الارهابية حتى عام 2002، وهو التاريخ الذي تسلم فيه حزب العدالة والتنمية دفة الحكم في البلاد وبدأت تركيا تشهد نهجا جديداً مغايراً لما كان متبعا حتى ذلك الحين لحل المشاكل الداخلية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبضمنها معالجة المشكلة الكردية والتصدي لأرهاب حزب العمال الكردي وتحجيمه بمعزل من مطاليب القومية والثقافية الكردية وذلك باستخدام ستراتيجية مختلفة تعتمد في الاساس على معالجة الحجج والمبررات، بالتعويل على اجراء اصلاحات سياسية واسعة تشمل تعديل الدستور الحالي المعمول به منذ عام 1982 او سن دستور مدني حسب تسمية حكومة اردوغان باعتبار ان دستور 82 الذي وضعته حكومة عسكرية تقضي الضرورة الى اجراء بعض التعديلات فيه ليتوافق، من جهة ثانية، مع المعايير التي يفرضها الاتحاد الاوربي كشرط انضمام اليه.
حقق برنامح الحكومة نجاحات باهرة في مجال اصلاحات اقتصادية ومالية ومعالجة الفقر والبطالة المتفشية، لا سيما في منطقة جنوب شرق تركيا، ومحاربة الفساد الاداري والمالي في عموم البلاد تجلى في انخفاض نسبة التضخم الذي كان يعاني منه الاقتصادي التركي وفي ارتفاع سعر العملة التركية وتخليصها من اصفارها الستة. وعلى صعيد السياسة الداخلية استطاع حزب العدالة والتنمية الحاكم ذات جذور اسلامية ان يتصالح مع العلمانية واحترام مبادئ اتاتورك والتمسك بمعايير الديمقراطية والحرية، بناء عليه حصد معظم اصوات الناخبين الاكراد في جنوب شرق تركيا في الانتخابات التشريعية الاخيرة.
وعلى صعيد السياسة الخارجية سعت الحكومة التركية بجهود حثيثة للتوفيق ما بين توجهات تركيا التقليدية في الانتفاح نحو الغرب مبنية على توجهات باني الجمهورية التركية اتاتورك، والعمل على تحسين علاقات تركيا مع الدول العربية والاسلامية وحتى اسرائيل، الامر الذي كانت الحكومات السابقة قليلة الاهتمام بها.
وفي اطار التعامل مع الوضع المضطرب الذي نشأ بعد احتلال العراق وظهور منطقة كردية شبه مستقلة في حديقة تركيا الخلفية والسائرة نحو استقلال تام في حال تهيأة ظروف مواتية له، اعتمدت السياسة الاردوغانية على احتواء الحالة القائمة في شمال العراق على غرار سياسية احتواء المشكلة الكردية في الداخل من خلال ربط اقتصاديات الاقليم الكردي باقتصاديتها. فعلاً اصبحت المنطقة