خواطر:إلى راشد صطوف


-1-
بعد أن داهم الأمن منزلي في عام 1986 لاعتقالي، كنت قد هربت سلفا، جاءني القرار من قيادة الحزب بالذهاب إلى حلب والتخفي في العمل السري للحزب، حيث عرض علي الذهاب إلى بيروت ورفضت حينها. وفي رسالة الحزب موعد مع رفيق لا أعرفه من قبل، كان هذا الرفيق هو راشد الصطوف- أبو الريش- وكان يومها قيادي في منطقية دمشق لحزب العمل الشيوعي في سورية. كانت هذه هي المرة الأولى التي ألتقي فيها براشد، ولم أعرف أن هذا راشد صطوف إلا بعد أن اعتقل قبلي بأشهر خمسة في نيسان 1987. وعدنا لنجتمع في السجن ونقضي معا في مهجع واحد السنة الثانية عشرة والأخيرة من حكمي في سجن صيدنايا العسكري. رجل مستقيم لكنه عصبي قليلا- ولا يحب الفاينة- كما يقول أهل الشام، خرج من السجن بعدي بسنة تقريبا، كنت أجلس مرة مع صديقة عزيزة، في مقهى الهافانا، ومن خلف الزجاج رأيته عابرا ورغم أنني تبعته سريعا إلا أنه تاه وسط الزحام في دمشق. ولم أعد أرى راشد، لكنني كنت أتابع أخباره دوما عن طريق الأصدقاء. مرة أخرى منذ يومين3.1.2008 أعادوا اعتقال راشد صطوف، وهو ليس في عمل سري. بل عضوا في المجلس الوطني لإعلان دمشق، ولم يستطع حضور اجتماع المجلس الأخير. ليس اعتقال راشد هو مناسبة هذا الحديث فقط، بل تذكر بديهية بسيطة: أن أكثر ما يجعل النظام الأمني الآن، في حالة من الانكشاف أمام العالم، أنه لم يعد هنالك عمل سري لقوى المعارضة في الداخل السوري. لأنني أذكر ويذكر معي الكثيرون، أن العمل السري يجعل العقل الأمني مرتاحا لانتشاره الأفقي في شوارع المدن السورية. أما عمل المعارضة الحالية لا يحتاج إلى هذه الكثافة الأمنية. بل يحتاج إلى تركيز محدد وعلى أشخاص محددين، وفي مناطق محددة، كمنطقة الجزيرة السورية مثلا! حيث هنالك نشاط علني ومتزايد للحركة الكردية في سورية. أذكر أنني حتى وصلت إلى موعدي مع راشد في منطقة القصاع في دمشق مر بطريقي أكثر من ثلاث دوريات لاستخبارات العسكرية، التي كانت تلاحق الحزب وقتذاك. حضرتني طرفة في هذه المناسبة، وهي طرفة حدثت مع أحد أعضاء نشطاء المعارضة السورية، حيث كان ولازال تحت الرقابة الأمنية، فكان كلما خرج من بيته ليذهب مشوارا ولو كان إلى السوق لشراء حاجة كان عناصر الأمن يتبعونه في سيارة تاكسي أجرة، بينما هو كان يركب في ميكروباص عمومي، وتكرر الأمر مرارا، فتقدم منهم الناشط مرة، وقال لهم: كونكم تأخذون تاكسي لمراقبتي وتتبعي، فلماذا لا أركب معكم فيها وتعرفون بذلك أين أذهب وتوفرون على زحمة الميكروباصات العمومية، ولقاء الأجرة المقدر خمس ليرات سورية.


-2-
كان راشد- في سجننا ذاك- عاشقا من طراز خاص، وكنا أحيانا نعاني معه، كي لا يشعر غربة من معاناته هذه. لكنني مرة غضب الله علي، وكنا في لحظة بوح خاصة، قلت له حديثك عن العشق والمرأة سببه السجن فقط، ولكوننا نقضي السنة الثانية عشر من سجننا، لهذا تتحول حالة العشق إلى وله، وتتحول صورة المرأة إلى هوامات، وهيامات، لا يمكن أن تكون ذاتها لو كنا خارج السجن. المرأة تتحول إلى ملاك بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، تزال عنها أية صفة إنسانية، وتطير مع هياماتنا وهواماتنا كملاك يرتدي رداءا أبيض اللون على طول الخط. فلا نعود نراها إلى في هذه الصورة، هل هذا صحيح أم أنه حالة مرضية أورثنا إياها السجن؟ نظر إلى بغضب وكأنني صفعته، وقال لي:
لا يمكن لإنسان أيديولوجي محض مثلك، إلا أن يرى الأمور كما تراها، وفي نفس الوقت من الصعب عليه أن يعيش حالة عشق حقيقي، هذه مشاعري الآن ولكونها مشاعري الآن فهي حقيقية تماما. ولأنك مخرب الرأس أيديولوجيا، من الصعب عليك أن تشعر بما أشعر! يبدو يا صديقي راشد الآن عرفت أن المشاعر صادقة ربما لمجرد أن يشعر المرء بها، ويعيش في داخل أمواجها. أرجو ألا تعاد رغم كل تلك المشاعر، أرجو ألا تعاد تلك التجربة، وتخرج إلينا سريعا لكي تعيش العشق كما هو على الأرض طبيعيا وعاديا كحق طبيعي، ولا تعود مرة أخرى لتجربة العشق من داخل السجن، وكما يقول العامة- الله يفك أسرك ياصديقي، أنت وكل معتقلي العقلية الأمنية السورية.
راشــد محمد الصطوف تولد الرقة 1958.
- متزوج و أب لطفل ( تيم ) تولد 2006.
- سـياسي معارض من كوادر حزب العمل الشيوعي في سوريا ( سابقاً ) و ناشط اجتماعي على خلفية الحراك المجتمعي العام ( تظاهرات ndash; إعتصامات ) و متابع لحراك ربيع دمشق إبان فترة المنتديات و عضو في المجلس الوطني لإعلان دمشق إلا أنه لم يحضر اجتماع السبت 1/12/2007.
- درس بالمعهد العالي لدار المعلمين ثم انتقل للدراســة في كلية الفلسفة بجامعة دمشق إلا أنه لم يتمكن من متابعة الدراسة نظراً لملاحقته أمنياً في بداية الثمانينات.
- سبق له و انتمى لحزب العمل الشيوعي و توارى عن الأنظار منذ عام 1984 و استمر في حالة التواري متنقلاً ما بين المدن السورية لثلاث سنوات إلى أن اعتقل بدمشق بشهر نيسان عام 1987 و أحيل بعد ما يقارب الخمس سنوات من الاعتقال للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة العليا بتهمة الانتماء لجمعية تهدف لتغيير أوضاع المجتمع الأساسية سنداً للمادة / 306 / عقوبات و مناهضة أهداف الثورة وفق المادة / 3 / من المرسوم / 6 / لعام 1965 إضافة لمقامة النظام الاشتراكي و التي أصدرت حكمها عليه بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً.
- أفرج عنه عام 2001 وقد بلغ من العمر في ذلك الوقت حوالي / 44 / عاماً، و بعد ثلاث سنوات من محاولات الاندماج مع المجتمع وجد عملاً في قطاع التعهدات الخاص و بمسعى فردي و شخصي من أحد الأصدقاء.
- يعاني من شـكاية قلبية ( تسرع بالقلب ) و التهاب أربطة مفاصل اليدين و القدمين و الظهر جراء ما تعرض له إبان فترة الاعتقال الأولي سابقاً.
- متابع للحراك المجتمعي العام و يعتقد أن احتجازه الأخير كان قد تمّ على خلفية عضويته في المجلس الوطني لإعلان دمشق.

غسان المفلح