جورج جحامن بيروت - في مجموعة (رجع الصهيل) للشاعر الاردني خالد الكركي وعلى ما فيها من ذهاب الى التاريخ ونفس ملحمي احيانا ما يمكن ان نصفه باجتماع الكلمة والصوت وquot;الصورةquot; بمعناها الشعري والتشكيلي.

اما الصوت فهو ناتج عن الكلمة ذاتها التي تأتي مشبعة بمعان كما تأتي مدوية تحمل احيانا صفات منبرية يصعب فصلها دائما عن الشعر العربي التقليدي وحتى عن الشعر الحديث المعاصر في نماذج منه ليست بالقليلة.

والواقع ان للشاعر quot;شريكاquot; في العمل ليس بشريك ثانوي هو الفنان الاردني يوسف الصرايرة. وقد حمل الغلاف وصفين متجاورين للعمل هما quot;شعرquot; وتحته اسم الكركي وquot;جرافيكquot; وتحته اسم الصرايرة.

ووصف الناشر الكتاب على الشكل التالي quot;شعر عربي معاصر زائد فن تشكيلي (جرافيكquot;) واشتمل الكتاب على تسع قصائد وما لا يقل عن 36 لوحة فضلا عن لوحتي دفتي الغلاف.

الكتاب الفني الصقيل تألف من نحو 110 صفحات كبيرة القطع. وقد صدر عن (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) وطبع بدعم من وزارة الثقافة الاردنية.

في الكتاب كثير من الغوص في التاريخ انطلاقا من الحاضر ثم عودة من التاريخ الى هذا الحاضر. وفي بعض القصائد المطولة خاصة الاولى التي اعطت اسمها للمجموعة نفس ملحمي.

الشاعر لا يسير باستمرار وفقا لاسس القصيدة التقليدية العربية الا انه حيث يعدد الاوزان والقوافي يحتفظ بصورة او اخرى بنفس القصيدة الكلاسيكية او باجواء من روحها اذا صح التعبير.

يقفز الى الذهن ان في القصيدة هذه بعض اجواء مسرحية quot;بتراquot; للاخوين رحباني وفيروز.

وضعت للقصيدة quot;التاريخيةquot; مقدمة تحدثت عن غزو ابراهيم باشا (1832 ميلادية) لبلاد الشام وحصاره لمدينة الكرك quot;التي أجارت ثوار نابلس.. قاسم الاحمد ورفاقه.

quot;وقد صمدت المدينة باهلها وشيخها ابراهيم الضمور. اما السيدة الكركية علياء زوجة الشيخ فقد وقفت الى جانبه وهو يتسلم تهديد الغزاة باحراق نجليه الاسيرين لديهم علي وسيد او تسليم المدينة والمستجيرين باهلها وقد دحر الغزاة وظل علي والسيد شهيدين في تراب الكرك..quot;

يقول في مكان من القصيدة quot;وعليا/ بنت هذا العشق/ مذ كانت مؤاب تمور بالخصب المؤجل/ والحصاد المر/ والرايات اذ تزهو على شيحان/ كان هلالها صبحا/ وقهوتها دليل القلب للركبان/ في الليل الذي يضفي مهابته/ على كل المنازل والدروب..quot;

وينتقل الى القول quot;عليا/ وما من سيد الاه/ ابراهيم/ تلقاه على شرفات قلعته.. شموخ النسر في الزمن المهيب/ عليا/ وما من فارس الاه/ يحملها على كفين من عبق وطيب/ عليا وجمر عند باب مؤاب ملتهب/ وخلف الباب قطاع الدروب../

quot;ها وجه ابراهيم جلله الندى والحزن/ والنيران في المرج القريب../ ابناي في كف المنايا/ والمدى قفر فماذا ظل لك (يأتيه حلم من غيوم الروح.. ) لا تحزن فان الدم حناء المدينة/ كي تظل عزيزة/ فاصبر له لو اوجعك/ النار موقدة غدا/ والله يجعلها على الشهداء بردا/ ثم يأخذ منك ما قد اودعك.quot;

القصيدة تحفل باشارات الى معتقدات عربية قديمة والى اساطير فضلا عن اشارات واستشهادات باحداث تاريخية. نقرأ عند الشاعر ما يذكرنا بما روته العرب عن quot;الهامةquot; او الطائر الذي يخرج من رأس من قتل ظلما ويظل يصرخ quot;اسقونيquot; الى ان يؤخذ بثأر القتيل المظلوم.

يقول الكركي quot;وغدا أراني والمنايا/ ذابحات القلب لا عضد لديه ولا يدان/ ابكيه ثم اراه يخرج من دماه طائران/ واصيح.. يا علياء.. نجماك قد صعدا الى عليا الجنان...quot;

ثم نصل الى اشارة دينية عن قصة النبي يوسف والسنوات السبع وقد تحولت الى سبعين.

يقول quot;وأرى العجاف السبع سبعينا من العتمات/ والحسرات والنسيان/ ستقاتلون/ فليرتفع/ صوت الاذان/ وتدق اجراس الكنائس/ واكتبوا بالدم/ في كف المدينة../ اننا باقون ولنقسم لها بالواحد الرحمن..quot;

نصل الى اشارة الى اسطورة ادونيس وما يشبهها حيث تتحول دماء ضحية الخنزير البري الى شقائق نعمان حمراء فيقول quot;والان قد طاب الهوى والموت/ حتى يستجيب لها الزمان/ سيكون موت/ ثم تنهض من رماد الموت ابراج/ ورايات وتطلع في ربيع مؤاب/ من دمكم حقول الاقحوان...quot;

وعندما يدعو في نهاية القصيدة الى ان يرتفع صوت النحيب والنواح يستعمل رثاء شعبيا بالمحكية معروفا في الاردن وفيه quot;يا برق سلم عليهم كل ما تلمع/ واحنا افترقنا وسبحانه الذي يجمع...quot;

في واحدة أخرى من القصائد الثماني الباقية وعنوانها (لحن الرجوع الاخير) ينطلق الشاعر من الحاضر يقارنه بالماضي او ينقضه به ويستحضر من الزمن السالف او من انواع مختلفة من تراثه عبرا ودروسا.. او غصات.

يصور حالات من الضعف والهوان والجهل والظلم الرهيب تهدد الشعب العربي بالاندثار المعنوي والفكري ولربما المادي فيقول quot;لنا اخر الليل/ لنا الخيل/ غير المغيرات صبحا/ لنا الريح/ لكنها صرصر عاتية/ تجيء اذا نام حراس ذات العماد/ وتجتاح بغداد/ سبع ليال/ وايامهن حسوم/ ونحن هنا ..وهناك/ كاعجاز نخل وما ظل من نارنا باقية/ لنا النفط والخوف والمسكنة/ ومقبرة لا شواهد فيها/

quot;تهاوى على الرمل بين المحيط/ وبين الخليج/ وتملا بالموت ايامنا الاتية/ لنا العسر/ فاقرأ على الانفس المطمئنة/ بالرعب/ ماذا يكون الجواب اذا جاءت الغاشية/ واقرأ لهم/ كتاب الذين تغشاهم الموج والهول../ عن ارم وثمود وفرعون/ عن نذر الشر/ حين استبد بنا الطامعون/ وعن حاكم اعلن العدل في الارض/ ثم غدا طاغية../

quot;يوم جعلنا العصا والدراهم/ مجد ابينا الذي يأتلق/ ويوم تبعنا الغوايات حتى اذا ضاقت/ بنا الارض قلنا لنار المجوس/ اضيئي لنا الليل/ حتى نرى/ دم الكرم في رائعات الشفق.../ اكان الذي quot;كانquot; وهما وغيمة صيف/ وتلك الفتوح/ الى السند والهند/ تلك المنارات بغداد والقدس/ شمس بخارى وسمرقند/ والارجوان على كل درب وسيف.../ يقولون ها شمسنا لم تغب/ فمن اين هذا الظلام/ ومن اين هذي السجون/ وكم من نبي/ على عتبات الحقيقة خر صريعا/ وكم من فتى ثائر قد صلب .quot;

(رويترز)