غسان تويني

الأمين العام السفير الديبلوماسي العريق لا يحب الاحتكار... ولا تضييع الوقت، وخصوصاً في الزواريب الدستورية اللبنانية...
لذلك عوض ان يعود ليقوم بجولة ثانية بين الأقطاب، يحاول جمع من لا يجتمع، ثم يعود الى القاهرة ليشرح للوزراء العرب ما قد لا يصدّقون من المواقف المتناقضة بين الذين يفترض أنهم أجمعوا على اختيار رئيس واحد للجمهورية التي تكاد تتبخّر لأن رأسها مكشوف في ظل الشمس العربية المحرقة...
لذلك قرر ان يقترح ndash; ويقال ان الرئيس نبيه بري وافقه على الاقتراح أو يكاد... لذلك قرر ان يقترح دعوة quot;لجنة الحوار اللبنانيةquot; التي طوى الرئيس بري مقرراتها ومحاضر المناقشات، على أن يدعى الى الاشتراك في الاجتماع وزراء الخارجية الذين قرروا quot;المبادرة العربيةquot;...
هكذا يستمتع الوزراء العرب بالاستماع، بل التفرّج إلى وعلى كل المواقف التي استحال على الأمين العام التوفيق بينها على انتخاب المرشح المتفق على انتخابه قبل ان تذيب حرارة المواقف ذلك التوافق وquot;ينقضي الأمر الذي به تستفيانquot;!

فكرة ممتازة حقاً. نقول الأمر بكل جدية، ولو لسبب واحد هو ان المحاورين ومن يمثلون سيتعذّر عليهم، وربما استحال ان يقولوا بعضهم أمام البعض، وأمام الوزراء العرب غير الذي قالوه واتفقوا عليه وهو مدوّن في المحاضر التي quot;يحرسهاquot; رئيس مجلس النواب، رئيس طاولة الحوار، كما حرس من قبل سلفه الرئيس السيّد حسين الحسيني محاضر مؤتمر quot;الطائفquot; التي يطوف المؤتمرون بذكرياتهم عن المقررات، يهوّلون تارة بضرورة الرجوع اليها لتعديلها، ويهوّلون طوراً بالتحذير من خرقها، من غير تحديد ماذا يريدون تعديله وماذا يتخوّفون من خرقه... والله أعلم!
لذلك، هيّا بنا قبل فوات الأوان، وعلى المكشوف وquot;بساط أحمديquot;...
هيّا بنا نتكاشف، وأمام صاحب الحل الذي كثيراً ما حمّلناه غيابياً مسؤولية الحل والربط كذلك.

وفي رأينا أننا هكذا نعود بالمفاوضات في شأن quot;المبادرة العربيةquot; الى ما يجب ان تدور حوله، أي ماذا تراها تكون المواضيع التي توافقنا على أن تتناولها سياسة العهد المقبل وما هي المقررات التي اتُخذت في شأنها واحداً واحداً، وما هي الأمور التي تصارح المتحاورون بالاختلاف عليها، ولماذا؟
وهكذا نضع حداً للجدل العقيم بل السخيف الذي كاد يغرق عمرو موسى في quot;زواريبهquot; الدستورية، وهو الجدل الذي لم يكن أيام طاولة الحوار مطروحاً. عنينا quot;رياضياتquot; المقاعد الوزارية الذي جعلنا نظن اننا انصرفنا الى شريعة غابه وكأننا نريد ان نتفق أولاً على طريقة التضحية بالتوافق وطريقة افتراس بعضنا بعضا، ناسين او متناسين ان الحكومات انما تتألف لتبقى وتعالج القضايا الوطنية المطلوب منها الحكم في شأنها، وتحكم ولا تتألّف وفق قواعد quot;تعطيلquot; الحكم وquot;ضمانquot; الافتراس أو عدم الافتراس!
ومتى عدنا الى مقررات quot;الحوارquot; في شأن قضايا الحكم المصيرية والى المحاضر عند الاضطرار تبين لنا ان الاجماع التوافقي كان هو القاعدة ولم يكن مستحيلاً إلا في ما ندر، وان احداً لم يستقل ولا اشترط للبقاء ان يكون متمتعاً لا بثلث quot;ضامنquot; ولا quot;بنصف زائد واحدquot;... وكان حول الطاولة اياها اكثر من مرشح واحد ولم يفترس أي منهم الآخرين ولا quot;استقالquot; او انسحب بثلثه المعطل او من دون ثلث!!!

أما المواضيع التي يحسن بالوزراء العرب ان يشاركوا المتحاورين على الأقل في الاستماع الى استذكارها، فقد لا يكون هنا مجال كافٍ لتقديم جردة بها.
حسبنا ان نقول، وبمسؤولية، إنها تناولت كل شيء، من الاستراتيجية الدفاعية ضد العدو الوحيد اسرائيل، الى طريقة اقامة علاقات طبيعية حسنة مع quot;الشقيقةquot; سوريا مبنية على قاعدة بسيطة هي أن quot;لبنان لا يُحكم ضد سوريا ولكن لا يمكن ان يحكم منهاquot;. وكان ذلك في عز زخم الانسحاب السوري من لبنان، وانتهى البحث الى نتائج منطقية من غير ان يفترس أحد أحداً.
وغني عن القول إن البحث تناول، في شمولية، القضايا السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية، فضلاً عن القضايا التي ذكرت في اتفاق الطائف ولم تتخذ في شأنها القرارات التنفيذية والدستورية، كإلغاء الطائفية، كيف ومتى، وانشاء مجلس الشيوخ وقانون الانتخاب.
وبالصراحة الكلية التي تميّزت بها الحوارات، لم تُغفل المسؤوليات العربية في الأزمة اللبنانية التي كانت، ولاتزال بعض ابرز اسبابها تحويل لبنان من وطن موحّد الى ساحة لتصفية بعض الصراعات العربية وامتداداتها الدولية.

ولعل أبرز مبررات الحاجة الى quot;مبادرة عربيةquot; لحل الأزمة اللبنانية ووضع حد للفراغ الرئاسي هو الحاجة الى مصالحة عربية تنتهي معها حاجة العرب الى ساحة حرب خارج حدود المتحاربين.
وسماع الوزراء العرب هذا القول، بل الاتهام، مباشرة وفي شبه علانية ndash; وليس بالمسارة بل الوشوشة! ndash; قد يكون الطريق القويم لا لحل الأزمة اللبنانية فحسب، بل ربما للساهمة اللبنانية في معالجة الصراعات العربية التي يدفع ثمنها لبنان وسوريا والفلسطينيون كذلك.
ولعل الحوار اللبناني ndash; العربي هذا يكون المدخل الأفضل الى قمة عربية تعقد بالافضلية في دمشق وتنتهي بغير عبارات التمويه التقليدية، حتى لا نقول التكاذب الذي صار مألوفاً! اذذاك يصير ممكناً ان يُنتخب عربياً رئيس لا يملأ الفراغ الدستوري فحسب (ولو ساء ذلك بعضهم) بل يحمل الرسالة اللبنانية، وبتوافقية، الى الفراغ العربي الذي نخشى ان يجد بعضنا نفسه مضطراً الى ملئه بالارهاب،... دستوراً!