عشية الاحتفال بمرور خمس سنوات على عملية حرية العراق
كتاب عرب تحدثوا لإيلاف عن التاسع من نيسان 2003


سيف الخياط من بغداد:خمس سنوات على عملية حرية العراق والجدل ما زال مستمرا من قبل جميع التيارات الفكرية والسياسية العربية، بل ويتعدى العرب الى مراقبين من جنسيات مختلفة، ويستند الجميع في رؤاهم لهذا الحدث الذي افتتح الالفية الثالثة الى إيديولوجيات القرن المنصرم وما دار فيه من صراع اليمين واليسار والتدين والإلحاد والحروب العالمية والرأسمالية والاشتراكية وحركات التحرر الوطني، وجميعها أغرقت العالم بسيل من الافكار وكان بحق قرن الصراع الفكري، وعلى أبواب القرن الجديد الذي تصور الجميع بأنه سيجلب ما يجلب من اهتزازات على جميع الأصعدة المعرفية الا ان نوعية وطبيعة الأطروحات مازالت هي ذاتها منذ خمسين عاما دون الاستفادة ولو قليلا من التغييرات السريعة والجبارة على الاقتصاد والعولمة والاتصالات وتطور المجتمع المدني، وأصبح الانشداد الى الماضي في طرائق التفكير هي السمة التي ترافق غالبية المفكرين والكتاب، ولم يشهد العقل العربي أي حداثة تذكر في طرائق التفكير، وما زال العقل مسجونا خلف قضبان العتيق والقديم.

سعينا في هذا الاستطلاع السريع لنخبة من المفكرين العرب والكتاب المهتمين بالبحث عن تصورات غير تقليدية كالتي نسمعها في وسائل الاعلام المرئية او المقروءة والمسموعة سنقدمها حسب ما وردتنا من مصادرها.

يقول الدكتور شاكر النابلسي من المملكة الأردنية quot;رغم كل محاولات وجهود العرب والعجم الجبارة على إجهاض وتدمير quot;بغداد 2003quot; الجديدة وخنق

شاكر النابلسي
حفل الحرية والديمقراطية الذي ولد صباح التاسع من نيسان 2003، ورغم إعلام العرب والغرب بإلصاق كل الجرائم التي ارتكبت في العراق منذ فجر ذلك اليوم إلى يومنا هذا بقوات التحالف التي غزت العراق، إلا أن هذا كله لم يطمس الحقيقة الساطعة وهي أن quot;بغداد 2003quot; الجديدة قد تحولت فيها المعركة بين عهد صدام حسين وأميركا إلى معركة بين الليبرالية والأصولية، بين الحداثة والقدامة، بين الدكتاتورية والديمقراطية، بين الإرهاب والكتاب، بين الإتباع والإبداع، بين فكر الأموات وفكر الأحياء، بين الاستبداد والعدالة. ولا بُدّ لكل دولة ولكل شعب أن يمر بعد التحرير بمرحلة الفساد والسرقة والفلتان الأمني، ولكن هذه المرحلة ستكون الرحم الذي ستخرج منه مرحلة الحداثة والإبداع والفكر الليبرالي الجديد. ولنا من اليابان وكوريا وألمانيا وأوروبا الشرقية خير الأمثلة على ذلكquot;.

فيما يقول الكاتب فرنسوا باسيلي من جمهورية مصر مقيم في نيويورك في الولايات المتحدة الاميركية quot;كان سقوط بغداد هو التتويج الاعظم صدمة وزلزلة لمسلسل الانهيارات العربية المستمر على مدى الثلاثة عقود الماضية، كان سقوط بغداد هو الاعلان الاعلى لسقوط النظام العربي بأكمله في كافة صوره وصيغه وفي صميم كيانه النفسي والمجتمعي، سقوط تركيبة ومكونات هذا الكيان، سقوط نمطه وعاداته وأفكاره ومنظوماته، وسقوط ثقافته اللغوية الصوتية الفارغة من اي محتوي مؤثر مبتكر، وكما هو منتظر من هذه الثقافة فاقدة المحتوى، فإن زلزال سقوط بغداد لم يؤد الى اي بشائر لاستيقاظ منتفض رافض ينهض نفسه بنفسه ويعيد ولادة ذاته ولادة جديدةquot;.

ويضيف باسيلي quot;ولكن هل كان احتلال بغداد ربحا لاميركا؟ المحصلة النهائية لم تحسم على المدى الطويل بعد، وان كانت الدلائل تشير الى ان الغزو الاميركي للعراق سيكون خسارة اميركية تتعلق باهتزاز المصداقية في السياسة الاميركية، لتصرفــــها من دون شرعية، ثم لافتضاح تهافت معلوماتها الاستخبارية، مع الاتهامات التي تلاحقها بأنها بالغت او لفقت الخطر العراقي واختلقت اسطورة اسلحة الدمار الشامل لتبرير احتلال العراق لمصالحها الخاصة. ثم هناك الخسائر البشرية والمادية التي تتكبدها بسبب الوضع المتفجر الذي خلقته وفي النهاية هناك احتمال الخسارة الاعظم اذا ما انتهت العملية كلها بتنصيب نظام ديني على الاطار الايراني في العراق، ولكن الولايات المتحدة بثقافتها العقلانية ومجتمعها المنفتح ونظامها الديمقراطي ستتمكن من تجاوز هزائمها واخطائها فتأتي ادارة جديدة بفكر جديد يستوعب الدروس فيظل قابضا على مفاتيح انتاج القوة والتقدم. وستظل الثقافة العربية هي الخاسرة ما دامت تبقى عاطفية لغوية دينية تخلط الدين بالدنيا وتخسر الاثنين معاquot;.

ومن العراق يقول الدكتور ضياء الشكرجي باحث في الشأن السياسي والفكر الديني المقيم في ألمانيا quot;خمس سنوات مضت على حرب التحرير عبر
ضياء الشكرجي
الاحتلال، أو الاحتلال المنتج للتحرر، وكان المطلوب توظيف فرصة التحرر لإقامة الدولة الديمقراطية المنشودة، وممارسة الفعل السياسي لإنهاء الاحتلال تدريجيا، لكن القوى السياسية لم تستثمر فرصة التحرر لتطرح مشروعا وطنيا، بل حملت قوى الإسلام السياسي الشيعية مشروعها الشيعي المشتمل على عنصرين، يكفي أي منهما لهدم المشروع الوطني الديمقراطي، ألا هما الإسلام السياسي والتشيع السياسي، وبدور داعم من مرجعية النجف وإيران، والسنة لم يفرزوا بين واقع الاحتلال وفرصة التحرر، فضمّنوا مشروع مقاومة الاحتلال رفضهم للتحرر عمليا، واستغرق الكرد في مشروعهم القومي على حساب تقديم نموذج ديمقراطي رائد في كردستان، ما همش المشروع الوطني العراقي، هذا إلى جانب تخبط الأميركيين في أخطاء قاتلة لم تضر بالمشروع الوطني العراقي حصرا، بل شمل ضررها مصالحهم، وأكبر أخطائهم تكريسهم عمليا لدور المحتل على حساب دور المحرر، وساهم في تكريس الوضع الكارثي شبه الغياب للقوى الديمقراطية الوطنية المعتدلة الليبرالية العَلمانية، والتي لم تنضج مشروعها البديل بما فيه الكفاية لغاية اليوم، ولا يمكن إنقاذ العراق اليوم إلا بإعادة صياغة مشروع الدولة العراقية على أسس أولوية الهوية الوطنية، وتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية، ومركزية الديمقراطية الحقيقية، والتعددية السياسية الحقيقية، واللامركزية غير الطائفية في إطار وحدة العراق، وعَلمانية الدولة، وتخليص العراق من الطائفية السياسية وتسييس الدين، وطرد النفوذ الإقليمي، واستكمال السيادة الوطنيةquot;.

يقول الاستاذ اشرف راضي صحافي ومحلل سياسي من القاهرة في مصر quot;بعد مرور خمسة أعوام على quot;عملية حرية العراقquot;، سألني زميل صحافي مصري، معلقا على المواجهات الدامية بين قوات الأمن العراقي وميليشيا جيش المهدي، ما الفارق إذا بين ما يفعله رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وما كان الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين؟، كانت إجابتي على الفور ودون تردد أن أحدا في العالم العربي لم يكتب كلمة على جرائم الطاغية الذي أطيح به، بينما الأقلام لا تكف عن انتقاد الحكومات العراقية التي تعاقبت بعد ذلك، وأضفت أن المالكي لا يجزل العطاء على ما يبدو مثلما كان يفعل صدام، لم أجد غير هذه الإجابة الساذجة للرد على سؤال أكثر سذاجة، وبالطبع الفروق كبيرة بين العراق في عهد صدام حسين وبين عراق ما بعد التاسع من أبريل ولا يتسع المجال لسردها في معرض تقويم quot;عملية حرية العراقquot; والتحديات التي يواجهها عراق ما بعد صدام، ولا أجد ردا على كل من يتجاهل الأسباب التي تقف وراء مشاهد العنف والصراعات الدامية في العراق اليوم سوى القول بأن للتقدم والحرية والديمقراطية ثمنا لا بد وأن تدفعه الأجيال الحالية كي لا تدفعه الأجيال القادمة أضعافا، ولا شك في أن لعملية quot;حرية العراقquot; خصوما كثيرين داخل العراق وفي الدول المجاورة، وككل الصراعات المماثلة في المنطقة تتداخل عوامل كثيرة وتساهم في تشويه الصورة وتسبب عدم وضوح في الرؤية، وقد يكون من المهم في هذا الصدد التنبيه إلى أنه لا مستقبل في العراق غير الديمقراطية وأن الذين قدموا وما زالوا يقدمون التضحيات جديرون بالحرية ولن يقبلوا بأقل منها جائزة، ولتتكاتف جهود أبناء العراق لبناء عراق ديمقراطي تعددي يتسع للأحرارquot;.

ويقول الكاتب والاكاديمي الفلسطيني احمد ابو مطر المقيم في أوسلو quot;في الذكرى الخامسة لسقوط النظام العراقي البائد، يختلف الكتاب والمحللون
احمد ابو مطر
والسياسيون العرب حول تقويم هذا الحدث الذي هو من أهم الأحداث التي مرّت على المنطقة في العقود الخمسة الأخيرة. البعض يتناسى نهائيا كل جرائم النظام الصدّامي التي طالت مئات الآف العراقيين قتلا وتعذيبا وتغييبا من كافة القوميات والطوائف، وهذا البعض يركز على فترة ما بعد سقوط النظام ليضع مسؤولية كل ما يجري من قتل وتدمير أيضا على الاحتلال الأميركي. والبعض الآخر يركز على جرائم النظام السابق فقط، قافزا عما يحدث في السنوات الخمس الأخيرة ، وكأن العراق أصبح واحة أمان وحرية وديمقراطية تفوق جمهورية أفلاطون المثالية،أعتقد أنه من مصلحة الشعب العراقي التمعن في المشهد البائس السائد حاليا، الذي جلب من الأحزان والموت والقتل ما هو ليس أقل مما كان موجودا وممارسا في زمن الدكتاتور البائد، فكيف الوصول إلى نظرة متوازنة إزاء تقويم مشهد السنوات الخمس الماضية؟. في البداية أرى أن قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية قدمت خدمة كبيرة وجليلة للشعب العراقي بكل قومياته وملله ونحله، بإسقاطها النظام الدكتاتوري المجرم البائد، وأعقب ذلك قرار الأمم المتحدة أن العراق دولة محتلة ، وبالتالي فقد أصبحت القضية العراقية دولية بكل أبعادها، فكيف تصرف العراقيون إزاء هذا الوضع الجديد؟. والإجابة الموضوعية على هذا السؤال لا بدّ أن تستدعي تجارب مماثلة من التاريخ القريب، فقد سبق لدولتين هما اليابان وألمانيا أن وقعتا تحت الاحتلال الأميركي نفسه، فكيف تعاطت الدولتان مع هذا الوضع الجديد المماثل تماما للوضع العراقي؟. اعتبرت الدولتان الاحتلال فرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي من كافة السلبيات والأخطاء التي استدعت هذا الاحتلال، بدءا من إعادة النظر في المناهج التعليمية في اليابان، إلى القضاء على الفكر النازي وممارساته في ألمانيا، ولنا أن نتصور اليوم إلى أين وصلت ألمانيا واليابان؟quot;.

ويضيف ابو مطر quot;الكرة الآن في ملعب الشعب العراقي بعد التخلص من النظام المجرم البائد، فهو من يقرر هل يريد وطنا ديمقراطيا فيدراليا موحدا يتساوى فيه الجميع أم الصراعات الطائفية والقومية الحالية ، التي هي من صنع الشعب العراقي نفسه ووقودها للأسف مئات القتلى يوميا إلى حد أن القتلى والجرحى والمغيبين في السنوات الخمس الماضية لا يقلون عمن سقطوا في زمن النظام البائد. الأحزاب والفعاليات العراقية التي تسلمت السلطة بعد زوال النظام البائد هي المسؤولة عن الوضع الحالي فهي التي بدأت المحاصصة الطائفية والقومية التي لن تؤدي إلا للصراعات الدموية الحالية، وحالة الفساد الذي جعل شعار أي مسؤول هو ( اسرق ما تستطيع بأسرع ما تستطيع )، الاحتلال قدّم خدمة كبرى بإسقاط النظام المجرم، والكرة منذ خمس سنوات في ملعب الشعب العراقي، فهو المسؤول عما يجري ويحدث في بلاده. والسؤال الأخير في هذا المشهد الدموي: ماذا سيحدث إذا انسحب الاحتلال الأميركي غدا؟. الجواب هو التقسيم واحتلال علني من دول مجاورة لأجزاء كبيرة من العراق، وسط ترحيب من العراقيين أنفسهم، بدليل أن العراقيين غير مجمعين على رحيل فوري للاحتلالquot;.