حوار مع سامي عنقاوي (1/2):

لا بد من تطوير هيئة العلماء ومنافقوا النظام هم أعداؤه الحقيقيون

حاوره أحمد عدنان: دائما ما كنت أقول لأصدقائي الذين يزورونني في جدة : "إذا لم تدخلوا إلى منزل فزيارتكم ناقصة"، ربما يكون المنزل الالوحيد في جدة المبني على الطراز الحجازي، مزيج من الماضي والمعاصرة، بوابته وحدها عمرها 350 سنة، استهلك إنجازه 10 سنوات من تصميم وتنفيذ العنقاوي وزوجته أميرة مشاط بشكل مباشر. عموما، لن يكون حديثنا عن منزله في هذا اللقاء، بل عن مسيرة الإصلاح ومستقبلها في السعودية، (عنقاوي) حاصل على دكتوراه في العمارة من جامعة لندن، مؤسس مركز أبحاث الحج ورئيسه لمدة 14 سنة،أسس بعدها مركز عمار للتراث العمراني، عمل مع الأمير ماجد بن عبد العزيز – أمير منطقة مكة السابق- مستشارا، بعدها انضم إلى (هارفرد) عضوا لهيئة التدريس، وعاد للملكة قبيل أحداث سبتمبر، أخيرا.. اختير عضوا في ملتقى الحوار الوطني الثاني بمكة، وومؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي.

تحديد الثوابت والمتغيرات


* في البداية.. لماذا الإصلاح؟
- لا بد أن نعي قبل أي شيء أنه من سنن الكون، وجود الثابت والمتغير وبينهما الميزان، ولا يمكن التعامل مع متغير طارئ بنفس الأدوات التي تعاملنا بها مع متغير آفل وعنصر سالف، وحتى نعي ذلك حقيقة لا بد من التعرف على ثوابتنا أولا، ولله الحمد هي معروفة، الثابت الأزلي هوالله عز وجل، ثابت السنن الكونية مثل النسبية والمرجعية (الكتاب والسنة للمسلمين)، وأخيرا الثابت بالاتفاق، مثل احترام الوحدة الوطنية والتمسك بها وحكم آل سعود، وحتى في الفكر الإسلامي، فإن النظرة الفقهية تتعامل مع المتغيرات تبعا لاختلاف الزمان والمكان والبيئة والعرف، كل ذلك كان مأخوذا في الاعتبار استنادا إلى الثابت، بدليل أثر (صلاة العصر في بني قريظة) وفتاوى الإمام الشافعي بين العراق ومصر، ومن هذا المنطلق فإنه لكل زمان ميزان يضبط العلاقة بين الثابت والمتغير، ويصلحها إن حدث اضطراب بينهما، وقد أشار الأثر (يأتي على رأس كل 100 سنة مجدد) إلى شيء قريب من هذا المعنى ولكنه ليس كبده، ومشكلتنا تكمن في أننا قعدنا تقريبا 250 سنة دون تجديد، وبالتالي فإن أفكارنا وأدواتنا صالحة لظروف ومعطيات المتغيرات التي تخص زمان الأمس وليس زمن اليوم، حيث كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله وأثابه - آخر مجدد، ولم يأت بعده من يكمل ما وصل إليه من تجديد! والسؤال هنا.. هل يعقل أن تمر كل هذه السنون دون أن نلمح بين ظهرانينا مجددا واحدا؟، ونستنتج من التساؤل أننا آثرنا الركون إلى الجمود، نمشي على فكر واحد ورأي واحد وطريقة واحدة، وكأنه ليس لدينا إلا مشكلة واحدة لها حل واحد من منظور واحد، هناك فرق شاسع بين مرحلة التأسيس ومرحلة البناء، وأبسطها بمثال سهل، أنك حين تريد الجري أوالمشي للوصول إلى نقطة ما فإنك تسعى على قدمين، أما حين تصل وتجلس وتستقر لتبني مجدا وحضارة فإنك تحتاج إلى مقعد له أرجل أربعة غير قدميك.


هيئة كبار الحكماء !

* وما أبرز ملامح ميزان هذه المرحلة ومتغيراتها إن استعرت تعبيراتك؟
- لم يكن الميزان يوما بكفة واحدة، أقلها كفتين، وقد تحتاج إلى أكثر من ذلك في بعض الأعمال، وبالتالي ونحن في هذه المرحلة بالذات بحاجة إلى فتح المجال لكل رأي فاعل ووجهة نظر مؤثرة، وأن لا يقتصر ذلك على الرأي الديني، فغير أنه جزء من كل، هوأقرب للثوابت، أما المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية فتتطلب اختصاصات قد لا تكون لها صلة مباشرة بالدين، ولكنها ملتحمة بحياتنا اليومية وحركة الكون، وهنا تأتي نعمة الإسلام بشموليته وتكامله، خذ مثالا، أهل العلم في الماضي وفي عصر الحضارة الإسلامية تحديدا، لم يتقوقعوا في العلوم الدينية وحدها، بل انطلقوا إلى المجالات كافة، وتعويضها اليوم في ظل عجزنا كأفراد أن نلم بكل العلوم لكثرتها وتشعبها، أن ننوع الآراء دون أن نحصرها في الشق الديني، وننوعها في داخله أيضا، ونبدأ من مكة والمدينة خاصة وأنها أصل ذلك في التاريخ، ومن ثم نتوغل في علوم دنيانا من أجل رفعة أوطاننا، ومن خلال ذلك وعبره، أرى أننا بحاجة إلى تأسيس هيئة أومجلس للحكماء توازيا مع هيئة علمائنا، تتنوع فيها الآراء والتخصصات والتوجهات، فتقيم الأمور وتبحث فيها من مختلف الزوايا والأبعاد السابقة أواللاحقة والحاضرة أيضا، الثابت منها والمتغير، ونحن نعلم أن الحكمة ضالة المؤمن، حتى هيئة كبار العلماء نفسها بحاجة إلى تطوير حتى تحوز على مصداقية أكبر وفاعلية أكثر : أين دور المرأة فيها وأين التنوع المذهبي ودور الشباب؟!

* ومجلس الحكماء هذا، هل قصدت منه سد جانب لم يتناوله خطابنا الديني؟
- أعتقد أنه ثمة قطيعة بين خطابنا الديني وحياتنا المعاصرة، والفجوة تمضي في ازدياد، وهي انعكاس لعزلة شاملة وتامة بين أمتنا وهذه الحقبة الحضارية من حيث الفعل المنتج، إن جفاف الخطاب الديني وأحاديته السبب الرئيسي للإرهاب تضافرا مع الوضع الاقتصادي (بطالة وفقر) والاجتماعي والسياسي، ومعالجة ذلك تكون بتفعيل الحوار بين كل الأطراف، بين الصغير والكبير، والمواطن والمسؤول، دون تسلط ولا وصاية ولا حجر، ومن هنا البداية، فتدريجيا سيصطبغ الحوار بالنظامية والتنظيمية، وبالتالي ستترجم الاستفادة بشكل كبير وواضح، وعلى إثرها نضع الأولويات ونرتبها، ولعل أبرزها التركيز على البحث العلمي والابتكار، لقد تغير العالم من حولنا وكثرت المتغيرات، حتى أصبحت تدخل إلى مجالسنا ومنازلنا، وكنا من قبل نخرج إليها، وأصبح المستحيل بعينه أن نتجاهلها أو نقفل في وجهها الباب، علينا أن لا نخشى الحضارات الأخرى ما دام إيماننا قويا وثقتنا في نفسنا متينة.

* ولكن الخوف أن تفرض هذه الحضارات رؤيتها علينا، فكيف الخروج من مأزق ضرورة الانفتاح وخوف الضياع؟
- طبيعي أن تفرض رؤيتها علينا عفوا أو قصدا لأننا لا نملك رؤية من الأصل، لقد أصبحنا مثل الطفل الذي يريد الاختباء، أتعلم ما الذي يفعله؟ إنه يغمض عينيه معتقدا أنه حين لا يرى أحدا فإن أحدا لن يراه !! يا أخي " إن الله لن يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ".


الإصلاح بين المعارضة والولاء

* نحن من جهة أخرى لا نستطيع إغفال وجهة النظر التي حكمت بأننا غير مؤهلين لخطوات إصلاحية، فكيف تنظر إليها في هذا السياق؟
- لا تعني (غير مؤهل) غير أنك تريد الهلاك، لا أريد أن أتساءل لماذا أغلقنا الباب لأننا لم نفتحه من الأساس ! بدليل أن كثير من هذه الأسئلة وغيرها حاولت الإجابة عليها بالتقريب منذ 30 سنة، وهذا معناه أن أحدا لم يكن يسمع باستثناء القليل، لأن السواد الأعظم انشغل عن بناء عقله بملء بطنه وجيبه،وآمل أن يكون علو نبرة اليوم يقظة ورغبة في حل جدي وحقيقي لواقعنا وليس مجرد مجاملة أو أمنية.

* وكيف لا تكون أمنية في ظل تصارع بين أفكار توزعت بين ليبرالية وإسلامية، الكل يرى أنه يمتلك الحقيقة، ويمتاز بحق تصديرها وفرضها؟
- لدينا معضلة عويصة علينا أن نعزم حلها، أقسمها إلى شقين : التصنيف والتعميم، بيننا نصنف ونقول هذا إسلامي وهذا علماني، أو هذه حداثة وهذا تراث، وفي الخارج نعمم قائلين هؤلاء كفار، وهذا الخطأ بعينه والجهل برمته، المفروض أن نعمم بيننا ونقول (كلنا مسلمون)، ونصنف في الخارج، ونقول هذا كتابي، وهذا ملحد، وهذا كافر جاهل، وهذا كافر متغطرس، ونتعامل مع كل صنف بأسلوبه، هكذا علمنا القرآن، وأعتقد أن هذا العمى الذي شوش بصيرتنا مرده إلى أننا لم نفهم مرجعيتنا، وإن فهمناها فإننا لم نعمل بها، لا يوجد دين أو مذهب يدعو إلى الحرية، مثلما دعا إليها الإسلام، فلماذا نقول ليبرالي وإسلامي؟ لماذا نجعل من ديننا قفصا أو إطارا بينما هو في الأصل مرجع، لقد وضع الله الحدود على الكبائر والمحرمات، وليس حول الانطلاق والتفكير، بعدها تلقائيا ودون تصنع أوتزمت سيصل العقل بين أفكارك ويربطها بمرجعك، ثم يأتي القلب ويصادق على هذا أو يرفضه، لقد أتاح عز وجل حرية الإيمان والكفر في نصه " من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "، فإذا أتاح ربنا ومنح حرية الكفر والإيمان، فلماذا نأت نحن ونحجر على أنفسنا ونخنق إبداعنا وأفكارنا بزعم الدين؟! بل وبأي حق وعلى أي أساس والقرآن كله من أوله إلى آخره حوار، بين أصحاب المراجع المختلفة أو المتفقة، فكيف تريدني أن أعقل أننا عاجزون عن إدارة الحوار فيما بيننا ونحن مسلمون مرجعنا الكتاب والسنة؟!

* أخيرا أسألك متكئا على إجاباتك الفارطة.. هل الإصلاح يعني المعارضة، أوهل لا بد من معارضة إن أردنا إصلاحا؟
- لا أعترف بالمعارضة، إننا بحاجة إلى جبهات مساندة على أساس " المؤمن مرآة أخيه "، والمساندة هنا لا تعني الاتفاق في الرأي، والاختلاف في الرأي لا يعني عدم الولاء، بل هو الولاء بعينه، لأن إظهار غير الحقيقة للمسؤول، يعني نفاقه والتدليس عليه، وهذه هي المعاداة والكذب والهدم، وهذا هو المرفوض جملة وتفصيلا، وإذا أردت اختصارا لما سبق، فإنني ألخصه في أنه لا بد من العمل في المرحلة المقبلة للإنسان في سبيل الإنسان من جهة، وبناء الأوطان من جهة أخرى، ووطن الإنسان حيث يجد العدل والحرية والمساواة، وهكذا نبني أوطاننا.

يتبع