تكتسب قمة دول مجلس التعاون الخليجي الخامسة والعشرون التي تنعقد على أرض مملكة البحرين دلالات مهمة مميزة يضاعف من اهميتها انعقادها وسط ظروف ومتغيرات اقليمية وعربية ودولية متسارعة بالغة الدقة.
* أولاً: ان انعقاد هذه القمة على ارض البحرين في هذا التوقيت أو المرحلة لا يخلو من مغزى باعتبارها اول قمة للمجلس تعقد في هذه الدولة العضو بعد اعلان وانطلاقة المشروع الاصلاحي الذي يقوده عاهلها الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حيث ان هذا المشروع الوليد كان ومازال منذ انطلاقته يشد أنظار العالم ومحط متابعة المراقبين. الى جانب ذلك فإن القمة تنعقد بعد ايام قليلة من منتديين دوليين مهمين شاركت فيهما كل او معظم دول مجلس التعاون، وكانت قضية الاصلاح والديمقراطية من اهم المحاور الحوارية التي تخللتهما، الأول عقد على أرض المغرب تحت عنون “منتدى المستقبل” الذي تميز بمستويين من المشاركة رسمية وشعبية. وشاركت فيه دول كبرى مهمة على رأسها الولايات المتحدة. والثاني انعقد على ارض احدى دول المجلس ألا وهي دولة الإمارات العربية المتحدة تحت عنوان “المنتدى الاستراتيجي العربي”، وهو الآخر تميز بمستويين من المشاركة الرسمية والشعبية. وكانت قضية الاصلاح ودمقرطة الأنظمة العربية من أهم محاور المنتدى.
* ثانياً: ان هذه القمة هي اول قمة تعقد بعد تسلم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان زمام الحكم في دولة الامارات العربية المتحدة بعد وفاة المرحوم الشيخ زايد بن سلطان مؤسس الدولة وأحد الرواد الاوائل المؤسسين لمجلس التعاون.
* ثالثاً: ان القمة تعقد على أعتاب مرور ربع قرن من تأسيس المجلس بما تفرضه هذه المناسبة من مراجعة جادة لمسيرته ورسم آفاق تطوره.
* رابعاً: ان القمة تعقد كما ذكرنا وسط ظروف وتحديات أمنية دقيقة تمر بها دول المجلس بوجه عام وثلاث دول كبرى في الاقليم بوجه خاص هي السعودية والعراق وايران: الأولى حيث تتعرض بين الفينة والأخرى لمخاطر الارهاب الداخلي التي تقوم بها بقايا الجماعات المتطرفة، والثانية حيث تواجه تحديات جمة لتحقيق استقرارها الداخلي في ظل الاحتلال الامريكي واستمرار أعمال العنف جنباً الى جنب مع مساعي الحكومة المؤقتة لتأمين ظروف مواتية لإجراء انتخابات عامة من اجل تشكيل جمعية تأسيسية تسن دستوراً عصرياً يتم بموجبه انتخاب سلطة تشريعية وتشكيل حكومة جديدة منتخبة تحظى بحد أدنى من القبول الشعبي وتعمل على تخليص الوطن بكل السبل المشروعة من الاحتلال في اقرب اجل ممكن.
أما الثالثة ايران فهي تواجه في ظل مصاعب داخلية من عدم الاستقرار والصراعات السياسية تحديات خارجية اقليمية ودولية بارزة تضطلع سلطتها بمسؤوليات كبرى من اجل تخطيها.. فإلى جانب الضغوط الدولية التي تواجهها طهران لإخضاع منشآتها النووية للتفتيش فإنها تضطلع بمسؤولية رئيسية كجار في المساهمة بتحقيق أمن واستقرار العراق وضبط ومراقبة حدودها الطويلة معه على نحو صارم، هذا اذا ما ارادت ابعاد الاتهامات المتجددة والمتصاعدة بتورطها في اعمال التخريب داخل العراق. اما من جهة علاقاتها مع جاراتها دول المجلس فهي مطالبة بالتجاوب مع الايدي الممدودة لها من قيادة دولة الامارات بوجه خاص ودول مجلس التعاون بوجه عام بتسوية قضية جزرها الثلاث المحتلة طنب الصغرى وطنب الكبرى وابوموسى وفق الوسائل السلمية والقانونية الدولية المشروعة بما يكفل حق الامارات وسيادتها على هذه الجزر.
ولا شك بقدر ما تسهم ايران في تذليل العقبات التي تحول دون ترسيخ علاقات الجوار والتفاهم فيما بينها وبين دول المجلس من جهة وفيما بينها وبين العراق من جهة اخرى، فإنها تسهم ضمنياً في تخفيف وطأة التحديات الامنية الخارجية التي تواجهها بما فيها الضغوط الدولية المغرضة التي تستهدف نظامها السياسي.
ويمكن القول تأسيساً على كل ما تقدم ان ثمة جانبين متداخلين من الاصلاح يفرضان نفسيهما على القمة: المبادرة بالاصلاحات الداخلية او تطوير القائم منها من جهة وإصلاح ودمقرطة هياكل ومؤسسات المجلس من جهة أخرى.
ولا يمكن تحقيق هذا الاصلاح في بنية المجلس من دون تحقيق الاصلاحات الداخلية، أو تسريع وتعميق وتائرها. كما يمكن القول ان هذين الجانبين هما وثيقا الارتباط والتداخل مع التحديات الأمنية، ففي غياب الاصلاحات تتعرض الجبهات الداخلية لمخاطر الخضات والزعزعة وكتحصيل حاصل تفقد الجبهات الداخلية بدورها مناعتها في مواجهة التحديات الخارجية.
وبقدر ما تتمكن القمة من معالجة هذين الجانبين من التحديات الآنية الملحة التي تواجهها (التحدي الاصلاحي والتحدي الأمني) في مناخ من الشفافية والمصارحة وبدافع من الارادة الجادة الخيرة، بقدر ما ستتمكن من الخروج بقرارات تتجاوب ولو مع أدنى القليل للتطلعات والآمال التي ترنو اليها شعوبها التي طال احباطها منها منذ سنوات طويلة.