لم يؤد إعلان وزير الدفاع العراقي بأن «ايران ما زالت العدو الأول للعراق» سوى الى تذمر شديد في الاوساط الشيعية العريضة في العراق، وذلك لما عبر عنه هذا التصريح من روح عدائية قصوى، تكاد تبلغ حد الاعلان عن حرب.
والغريب ان هذا التصريح، يستعيد نبرة وتوجه النظام السابق، الذي تورط في حرب طويلة مع الجارة ايران، دون التقليل من ممارسات عدائية لهذه الجارة. وهذا معنى ان «ايران ما زالت»، والمقصود انها كانت في ظل النظام السابق وما زالت حتى الان مع الوضع الجديد.
لقد كان وما زال يفترض، ان تكون هناك عقلية جديدة تسعى الى الحفاظ على مصالح العراق والتفاهم مع دول الجوار. وقد تكون هناك لدى الحكومة العراقية المؤقتة، ملاحظات جدية حول ما يعتبرونه سلوكا ايرانيا في بلدهم. وكان الجميع قد سمع قبل نحو اسبوعين مسؤولا في تيار مقتدى الصدر، حمل فيه بشدة على طهران. ومعنى ذلك انه حتى في بعض اواسط الشيعة، فان هناك ملاحظات وانتقادات للأداء الايراني. غير ان ذلك كله، يختلف اختلافا تاما عن اثارة حالة من العداء والقطيعة مع ايران الجارة الكبيرة والمسلمة ووصفها بـ«العدو الأول»، اذ ان من شأن ذلك قطع الطريق على الحوار وامكانية التفاهم، وتضييق شقة الخلافات كلما كان ذلك ممكناً.
ولما كان العراق في وضع يحتاج معه الى كل دعم واسناد لانهاء حالة الاحتلال ووقف موجة العنف الاعمى، وبالطبع شريطة عدم التدخل في الشأن الداخلي، فان تصريحا كالذي اطلقه الوزير في الحكومة المؤقتة، من شأنه اضفاء مزيد من التعقيد على الوضع، وفتح الباب امام اعباء جديدة، وذلك بالنظر الى ما تمثله ايران من مرجعية لدى فئات شيعية، وبالنظر الى ما ابدته طهران من تعاون مع الوضع الجديد منذ اكثر من عام، والاصح من ذلك هو السعي الى حل الخلافات بعدم تجاهلها والتقليل منها من جهة، وكذلك بعدم النفخ فيها وتصعيدها وايصالها الي نقطة اللاعودة من جهة ثانية.
انه لمن الخطأ الفادح اللجوء لاداء سياسي تجريبي، يثير من المشكلات اكثر مما يحلها او يحد منها. والى جانب ذلك هناك حاجة الى ارساء علاقات عراقية ايرانية على اسس واضحة وراسخة، بالافادة من اخطاء الماضي وعدم استغلال سيولة الوضع الانتقالي الحالي من قبل اي طرف خارجي. وذلك يتطلب ابداء اعلى درجات الحكمة والتمتع بروح المسؤولية، والتقيد بمرجعية وطنية تستهدي بمصالح العراق والعراقيين بالدرجة الاولى، وهو ما يملي بالابتعاد عن التسرع واطلاق الاحكام السلبية القاطعة، التي تنشر حالة من الشكوك العميقة والتربص المتبادل.
ومن المفيد هنا التذكير بان المؤتمر الاخير لدول الجوار العراقي الذي عقد في القاهرة خلال تموز الجاري، قد قرر عقد مؤتمر لوزراء داخلية دول الجوار في طهران، لتدارس ما يمكن عمله لصيانة الامن والاستقرار في العراق. ولا شك ان تصريحا كالذي اطلقه وزير الدفاع العراقي المؤقت، يضع عراقيل امام هذا المؤتمر الذي يشكل انعقاده مصلحة للعراق في هذه الظروف. اذ كيف يمكن بحث الاسهام الايراني في التهدئة، بعد اطلاق تصريحات معادية بالمطلق لـ«إيران»؟. لقد لوحظ ان رد فعل طهران على هذه التصريحات جاء هادئا قياسا بالحدة الشديدة، التي اتسمت بها تلك التصريحات وهو ما يثير التفاؤل بتطويق هذه الازمة. وان كان الامر يحتاج بطبيعة الحال الى اسهام ايجابي على الارض، يتجنب الظهور بمظهر من يتدخل في الشؤون الداخلية للاخرين، او محاولة استمالة فئات معينة والتأثير عليها وتوجيهها وجهة قد لا تتفق وظروف العراقيين، وحاجتهم الى اتخاذ القرارات المتعلقة ببلدهم بملء ارادتهم، وبعيدا عن اي توجيه خفي او ظاهر.