«أنا أكره العرب أكثر بكثير من الرئيس الحالي».. هذه هي رسالة جون كيري والحزب الديمقراطي المبطنة. هكذا قال أمريكي أبيض كان جالساً معنا لمشاهدة الخطاب وتحليله، «هذا هو مؤتمر مايكل مور، في ما يخص كراهية العرب، التي كانت حاضرة في كلمة مرشح الرئاسة، وفي الاحتفاء بمايكل مور صاحب فيلم (فيهرنهايت 9/11)».
فرح العرب بالفيلم، لأنه ينتقد سياسات بوش، ولكن فات كثيرين منهم التركيز على العنصرية الصارخة في الفيلم، المتمثلة في رسم صورة للسعوديين تظهرهم أناساً مدعاة للتشكك، وأن التعامل معهم فيه شيء من الخيانة والدناءة معاً. وبالطبع، بالنسبة للمشاهد الأمريكي لا فرق بين سعودي أو جزائري أو يمني أو مصري، كلهم عرب في الصورة النمطية، وكلهم يلبسون «الزي العربي».
دعك عن مرور القرود في الفيلم، عندما تطرق فيلم مايكل مور إلى موضوع المغرب، فكانت تمر صور القرود والحديث عن المغرب، وكأنهما شيء واحد. ولم يكن مور عنصرياً ضد العرب فقط، لكن حديثه عن دول التحالف، مثل كوستاريكا وظهور صور الناس والدواب معاً، كل ذلك فيه احتقار وعنصرية شديدان. ورغم ان العنصرية هي كل متكامل، إلا ان ما يهمني هنا هو العنصرية ضد العرب، لأنني أكتب بالعربية، أما ما سطرته باللغة الإنجليزية فهو أشمل بكثير.
حضور مور في مؤتمر الديموقراطيين وتصويره للسعوديين بهذا المنظر المقزّز، على أنهم أناس غير أمناء، وأنهم مصدر شبهة، كان بمثابة المقدمة لحديث جون كيري غير المسؤول، عن الأسرة المالكة السعودية. حديث عن السعوديين في الفيلم عنصري ومفضوح، أدى إلى جملة كيري الخاصة في خطابه. والغريب أن كيري، في خطابه هذا، لم يذكر سوى دولتين اجنبيتين، هما العراق والسعودية. وبغض النظر عن المعركة السياسية حامية الوطيس، بين جورج بوش وجون كيري، إلا أنه كان من واجب الديموقراطيين، من العرب الأمريكان، الاحتجاج على وجود مور في المؤتمر. كذلك كان عليهم الاحتجاج على طريقة تعاطي كيري مع الشأن السعودي بهذا التخصيص، الذي لا يخلو من دعوة إلى زعزعة استقرار دولة حليفة. هذا شأن يحتاج إلى نقاش من أصحاب الشأن نفسه، لكن النقطة الأساسية هنا، هي أن ما قاله كيري، جاء في سياق مقبول، لأن الديموقراطيين احتفلوا بهذا الفيلم العنصري، لذلك لم تهتز لهم شعرة عندما أطلق كيري طلقته باتجاه السعودية شعباً وحكومة، وظني أن السعوديين قادرون على الدفاع عن أنفسهم، فلديهم من الكتّاب والمثقفين ما يكفي، وليس هذا دوري هنا، لكن ادخال مور في القصة بدا أكبر بكثير من الخصوصية السعودية. والأمر الآن يتعلق بطريقة الحديث عن العرب داخل الحزب الديموقراطي، طريقة عنصرية تتطلب اعتذاراً واضحاً لا تشوبه شائبة، ورفض أية محاولة للتملص من الاعتذار.
لكن يبقى حديثي الآن موجهاً إلى العرب، وهو حديث مرتبط بالسذاجة التي تلقى بها كثير من كتابنا ومحللينا هذا الفيلم العنصري، وصفقوا له، وكأنه عمل في صالح العرب وفي صالح قضيتهم. انني أدعو من كتبوا عن هذا الفيلم إلى مشاهدته مرة أخرى، في ضوء قراءة هذا المقال، لكي يروا ما رأيت. رأى كثير من العرب الفيلم في إطار الشعار المعروف «عدو عدوي.. صديقي»، بينما مور هو عدو للرئيس بوش، الذي يراه بعض كتّابنا رمزاً للشر. فمور، لا بد أن يكون بالضرورة، بطلاً حتى لو استخدم العرب كوقود في حملته ضد بوش. استخدم كراهيته للعرب وعنصريته تجاههم كأول أدلة الاتهام ضد بوش، الذي يضع يده في يد هؤلاء «الخونة الملوثين» من وجهة نظره.
طبعاً لا أتمنى أن نعيد عرض فيلم مور في دور السينما العربية ونزيد إيراداته، كل ما أوده هو أن يعيد النقاد الذين كتبوا بدافع الانتقام من جورج بوش، الكتابة بدافع فضح العنصرية ضد العرب في هذا الفيلم البغيض. بالطبع أنا لا أحاول التأثير في أن يتبنى كثير منا مواقفه السياسية المعادية أو المناصرة لسياسات بوش، كل ما احذر منه هو أن كراهية بعض العنصريين، هنا، للعرب، تتحول بقدرة قادر إلى شيء يصفق له الجمهور بمن فيه العرب أنفسهم.
تصفيق بعض الراديكاليين العرب لفيلم هو، في نهاية المطاف، يحض المواطن الأمريكي على كراهيتهم، هو شيء غير مفهوم بالنسبة لي، وأن الاضرار الناتجة عن هذه السذاجة كبيرة وكبيرة جداً.
فلو لم يجد المرشح الديمقراطي جون كيري قبولاً لمثل هذه الكراهية ضد العرب، وضد السعوديين تحديداً، في أروقة مؤتمر الحزب، لما تجرأ أن يكون بمثل هذه المباشرة في حديثه عن السعودية.
لم يكن هذا رأيي، لكن هذا كان محل اجماع عشرة من المثقفين والصحافيين الأمريكان، الذين اجتمعت معهم لمشاهدة حديث كيري، وكنت أنا وعربي آخر معهم، ولم نحاول أن نؤثر في رؤيتهم، فقط جلسنا واستمعنا وفوجئنا بما حدث.
ابتعد الحديث عن جون كيري، وتحول إلى جذور المشكلة المتمثلة في عنصرية فيلم مايكل مور ودوافعها، لكن يبقى المؤتمر أمراً مهماً، وما جاء فيه ايضا أهم. فالنقاط الأساسية في تعليقات الجالسين، انصبّت على أن حديث كيري لم يكن استراتيجياً، وخلا من عنصري الإلهام والوعد المتعارف عليهما في الخطب الأمريكية من هذا النوع، فلم يكن هناك إلهام ناتج عن شخصية كارزمية، ولم يكن هناك وعد بالجنة، أو بأشياء كبرى تطلق عنان الخيال لدى الناخبين.
اختصر الأمريكيون مؤتمر الديموقراطيين في كلمة زوجة كيري، تيرسا هاينز، التي بدأ الحديث عنها الآن، على أنها مصدر خطر على كيري، وليست مصدر قوة.. تيرسا هاينز، لم تكن هيلاري كلينتون، التي تعرف حدود التوقف عن الكلام. هاينز امرأة لا تعترف بالحدود، ويبدو أنها لا تدرك أنها ليست المرشحة للرئاسة.
كل من هاينز ومور، سيكونان أدوات تحطيم لكيري لا أدوات إنقاذ، هذا رأيي. أما ما هو أهم بالنسبة للعرب اليوم، فهو كشف عنصرية مور وفضحها، حتى لا يتجرأ آخرون على القيام بنفس العمل. عنصرية مور فاقت عنصرية هوليوود، كما انها أخطر منها، لأن عنصرية مور الآن، أصبحت وقوداً لحملات انتخابية، يبدو أن العرب سيكونون ضحيتها الأولى. فمطلوب الآن من المثقفين العرب، أن يقفوا بالمرصاد ضد حملة استخدامهم بشكل عنصري في الانتخابات الأمريكية.
على العرب أن يحاولوا قراءة ما بين السطور، ولا يفرحوا، لأن مور يكره بوش، أو أن كيري يكره بوش، لأن كراهية مور وكيري للعرب الآن، تبدو وكأنها أكبر بكثير من أي شيء رأيناه في إدارة بوش.