تفتح المحاكمة الصغيرة، للمجندة الاميركية ليندي انغلاند، على اسئلة كبيرة حول المعنى والمغزى للتعذيب الجنسي على العراقيين في السجون العراقية (ابو غريب وسواه) وعلى العرب عموما، المنتهَكين جنسياً وبطرق اكثر ابتكاراً، في سجون بلادهم، من قبل سجّانيهم وبني جلدتهم.
إن من الاهمية بمكان ان تحاكم ليندي انغلاند ويحاكم زملاؤها ومسؤولوها، لكننا لم نعلم بعد الكثير عن أعماق هذه المحاكمة. الصورة فقط هي دليلنا الى مثل ذلك النوع من التعذيب الجنسي. وهي الصورة وحدها دليلنا الى مثل تلك المحاكمة. اما أكوام التقارير وحيثيات التحرشات، دوافعها وأسبابها، فلم تزل خارج الصورة وخارج مداركنا. كل ما رأيناه صبية قصيرة متهتّكة، تي شيرت غامقة وسروال عسكري مرقّط ووجه ذي ملمح سحاقي بقصة شعر قصير، تُرخي نهم الكاميرا باللعب السافر مع المساجين العراة، والتفرّس في عوراتهم وملامسة أعضائهم lt;lt;الحميمةgt;gt; وتهديدهم ببنانها الصغير المنتصب نشوة ولعبا. هذا ما نقلته لنا الصورة. وهي الصورة ذاتها التي حبست lt;lt;ابو غريبgt;gt; في إطارها، وفجّرت النواح العالي للذكورة العربية المُهانة، التي صمتت طويلاً عن انتهاكات lt;lt;المحارمgt;gt; وزنى ذوي القربى.
ليست إنغلاند وحدها، التي خرقت اتفاقية جنيف بشأن الاسرى والمساجين. نحن بحاجة الى ان نعرف ما هو أبعد من هذا. بحاجة الى معرفة الذي جرى ويجري في سجوننا العربية. ليس الانتهاك الجنسي ما يعنينا فحسب، بل ماهية التهمة والجرم الذي يستلزم سنوات من العتمة تفوق الاربعين والثلاثين والعشرين!! نحتاج ان نعرف اية انتهاكات شيطانية يلقاها المواطن العربي في سنوات سجنه المديدة، المقتطعة من عمره والمهدورة بين حيطان مسنونة اربعة. بجرم او من دونه، تنثال ايامه ولياليه في حجر، ولا تثور ثائرة الاقلام العربية والذكورة العربية من اجل حقه بالهواء والشمس. لا أحد يسأل عنه ما دامت مؤخرته مصانة وعضوه العزيز بالحفظ والصون. هذا وتطالعنا الاخبار بين دهر وآخر، عن عزم الدولة الفلانية او العلانية عن الإفراج وبكل فخر عن السجين فلان بعد 39 عاماً قضاها في السجون معززة مؤخرته من دون مسّ. ما هو هذا الذنب الذي استدعى حياة سوداء كالفحم؟ وهل نفتقد الى كتّاب عرب كسيمون هرش الذي فجّر فضيحة lt;lt;ابو غريبgt;gt; عبر كتاباته التي عرضت للعرب بوصفهم الشعب الاكثر هشاشة حيال الفضائح الجنسية، ولديهم نقاط ضعف ازاء التهديد الجنسي، ولا يفهمون الا لغة القوة. ثمة ما هو أدهى للعربي من مؤخرته المفضوحة. ثمة انسانيته وحقوقه وحريته المنتهكة على مدى عمره، من دون وازع ولا جرم احيانا. هل يعرفنا lt;lt;نورفل دي أتكنgt;gt; اكثر مما نعرف أنفسنا، كما بيّن في كتابه القديم lt;lt;العقل العربيgt;gt;؟ أليست انتهاكات قصوى: انظمتنا وحكامنا ورجالاتنا وساستنا وسجوننا وأحوالنا؟ أليس ما يلاقيه العربي على الحدود بين بلده وبلد عربي آخر، انتهاك ما بعده انتهاك؟ بئس المؤخرات في عفّتها، فالروح مفضوحة حتى آخرها.