المأزق السياسي الذي أنتجه التمديد للرئيس اللبناني اميل لحود، سواء على الصعيد الداخلي، أم على الصعيد الخارجي، سيتكرر ويتضح أكثر خلال عملية تأليف الحكومة الجديدة التي يفترض ان يشهد لبنان ولادتها في النصف الأول من الشهر المقبل، بل ان الحكومة الجديدة سترمز الى هذا المأزق.
وفي الانتظار، يتجه أركان الفريق المحيط بالرئيس لحود الى تبسيط الحديث عن تأليف هذه الحكومة. وهم يعدون بحكومة من نوع مختلف تضم معارضين من «لقاء قرنة شهوان» وتسعى الى حل لعقدة تمثيل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والى تعاون بين لحود ورئيس الحكومة رفيق الحريري في محاولة لتبسيط العقد الرئيسة التي تقف عقبة أمام ولادة طبيعية لهذه الحكومة. وهم بذلك يناورون على الأرجح باظهار نيتهم حلحلة هذه العقد، التي يدركون ان معالجتها تتم بتسوية سياسية جديدة يأتي توزير البعض نتيجة لها لأن لا يعقل ان تأتي الحلول للعقد السياسية نتيجة توزير الاطراف الرئيسيين فيها.
ان لمحة سريعة عن هذه العقد، أو بعضها، كفيلة بتبيان حجم المشكلة:
1- ان فريق الرئيس لحود القريب منه، يعتبر انه الجهة المنتصرة، بحصول التمديد، على معارضيه، وبالتالي يرى ان الحصة الاكبر، والدور الأهم في تأليف الحكومة سيكون له، على رغم كل الحديث عن الانفتاح على جميع القوى السياسية وطي صفحة الماضي وإشراك المعارضة في التركيبة الحكومية المقبلة. ويقضي هذا التوجه باستبعاد بعض القوى السياسية التي عارضت التمديد، أو اعترضت على رجحان دور لحود وكفته في السلطة التنفيذية خلال السنوات الماضية، بالمقارنة مع دور رئيس الحكومة رفيق الحريري. وفي المقابل، فإن الحريري لا بد من ان يعتبر، انه كانت له اليد الطولى في التمديد وان لولا موافقته عليه لكان هناك شك في إمكان تأمين الاكثرية للتعديل الدستوري. وبالتالي، فإن هذا يفترض ان يتمتع بالدور الأهم الاكبر في تأليف الحكومة المقبلة لجهة حصته ورأيه في أحجام القوى الاخرى وتوزيع الحقائب المهمة. هذا التباعد في تقدير كل من الرئيسين لتأثير دوره بعد التمديد، وحده كفيل بحصول التصادم في عملية التأليف، مما يؤدي الى تدخل سوري لمعالجة الخلاف. ويبدو ان ادراك البعض صعوبة التأليف من هذه الزاوية، ربما كان وراء دعوة نائب رئيس الحكومة عصام فارس الى الابقاء على هذه الحكومة حتى الانتخابات النيابية، بحجة استمرار الحاجة الى الحريري.
2- ان الحديث عن الانفتاح على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كي يشارك في الحكومة، ما زال في اطاره الاعلامي. فحتى الآن، لم يُبذل اي جهد حقيقي في العلاقة معه، للحوار او لمحاولة اقناعه بذلك. وعلى رغم الحديث عن ان الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله يلعب دوراً من اجل تقليص مسافة التباعد بين حنبلاط ودمشق بعد التمديد، عبر لقاءاته مع وزير الثقافة السابق غازي العريضي، فإن المحيطين بجنبلاط يقولون ان اي اتصال سوري لم يحصل معه، بل ان حلفاء دمشق ينقلون عن قياديين فيها انها لن تركض وراء احد كي يشارك او ينضم الى خيارها. ومن يأتي الى خط الحلفاء ترحب به ومن لا يأتي فهذا شأنه. وفي المقابل، فإن جنبلاط، بحسب تصريحاته، ليس مستعداً للمشاركة في الحكومة، لأنه يعتبر ان هذه المشاركة تعطي شرعية للتمديد الذي يرفضه. ويخفي الموقف السوري من جنبلاط، وكذلك تحضير المحيطين بلحود أسماء بديلة لوزرائه، وموقف جنبلاط نفسه تباعداً يصعب ايجاد حل له. واذا كان الأخير يريد من دمشق ألا تتدخل في «الجزئيات» في السياسة اللبنانية. فهذا يعني انه يجب التغيير في دور لحود في السلطة وسياسته بكاملها، باعتبارها السلطة التي تقحم دمشق بالجزئيات. فهل ان الواقع الحالي يسمح بذلك؟
3- ان اشتراك المعارضة المسيحية، القريبة من البطريرك الماروني نصرالله صفير في الحكومة يكاد يكون مستحيلاً، اذا صحت الانباء القائلة ان اجتماع «لقاء قرنة شهوان» الذي عقد في 4-9-4002، اي في اليوم التالي للتعديل الدستوري، قرر في حضور صفير في الديمان عدم اشتراك اي من اعضاء اللقاء في الحكومة، وان البعض في اللقاء دعا الى تحريم هذا الاشتراك بالمعنى الديني. بل ان اتصالات أجراها المقربون من العهد مع عدد من نواب «قرنة شهوان» لجس نبضهم فكان الجواب سلبياً. وهذا سيؤدي الى اللجوء الى اسماء يراد منها الايحاء بارضاء صفير، فيما يكون واقع الحال انه غير راض عن الوضع برمته.
يقف الحريري امام وضع صعب مجدداً: فهو موعود بأن يكون شريكاً فعلياً في الحكومة خلافاً للسابق، ومفاعيل التمديد للحود، تتطلب خوض معركة ضد الذين عارضوا هذا التمديد (بدءاً بحليفه جنبلاط) لأن هؤلاء مستمرون في رفضهم السلطة القائمة. وهو بالتالي سيكون شريكاً في معركة شرسة ضدهم.
التعليقات