بيروت - هوفيك حبشيان: عاد عازف البيانو العالمي راوول دي بلازيو الى بيروت ليحيي فيها حفلين موسيقيين بعد أن حضنت لقاءه الأول مع الجمهور اللبناني قبل نحو 9 سنوات، وها هي من جديد تشرع ابوابها بفعالياتها الرسمية الفنية للفنان الأرجنتيني “الغجري” الذي اطرب المستمعين بألحانه الجميلة على مدار عقدين من الزمن. وحول ظروف عودته وما تبدل منذ أن قدم حفله الأول في بيروت كان هذا الحوار معه.

تعود الى بيروت بعد غياب طويل. كيف وجدت المدينة وناسها؟
- عندما وصلت الى بيروت ادركت ما يعني ان يعود المرء الى بلد تركه قبل 9 سنوات. لقد تغير المكان كثيراً، ولاحظت ان بالامكان بناء الكثير من الامور في عقد واحد. لكن السؤال هو: هل يمكننا اعادة تعمير ما تدمر في النفوس البشرية؟ مشهد المدينة المألوف زال، وحل مكانه مشهد آخر. وهذا لافت حقاً. عندما جئت الى بيروت للمرة الاولى، كان قد مر على وفاة والدي نحو شهرين. هذه الذكريات جعلتني ادرك معنى الوقت. عام 1997 انفصلت عن زوجتي، وطلاقي منها أثّر في عملي. بعدئذ اصدرت ألبوماً اسمه “سولو”. كنت وحيداً في ذلك الحين، وألفت هذه الموسيقا وانا افكر في جمهوري. اتذكر ايضاً ان هذه المرحلة شهدت بداية اسئلتي الكبيرة عن علاقتي بالمستمعين. قبل الحفل، هناك تحضيرات طويلة من أجل ساعتين من الموسيقا، نصبح خلالهما اصدقاء مع الجمهور، اعطي الجمهور ما املكه من فن، ويعطيني ما لديه من احترام وتقدير بعد كل حفل، وبعدما اتسلل الى غرفتي، كنت اشعر بالوحدة. كان شعور بالأسى يجتاحني. كل شيء كان يعود الى طبيعته، والجمهور، حتى أولئك الذين يحبونني كانوا يغادرون المكان. عندما تكون وحيداً في غرفتك، لا تملك سوى نفسك.

ما المكانة التي تحتلها المرأة في اعمالك الموسيقية؟
- النساء مخلوقات غامضة ويجعلننا نعتقد بأننا نعلم كل شيء عنهن. مرة، ألفت مقطوعة موسيقية اسمها “بداخلك”، عبرت فيها عن رغبتي في التحول الى ذبانة لاكتشاف اسرار المرأة. عرفت الوحدة كثيراً في حياتي. في عام ،1998 عندما انتجت ألبوم “من مكسيكو” كنت وحدي، وأهديت هذه المعزوفة لمكسيكو التي لعبت دوراً مهماً في حياتي. هناك بلدان تعني لي الكثير، احدها لبنان... الذي أنوي تأليف أغنية عنه.

ماذا تعلمت فيه؟
لبنان يعني الصداقة، “عناق حار” بين شخصين يحب احدهما الآخر. الأغنية التي ستعبر عن محبتي للبنان يجب ان تكون ناعمة ورقيقة. كنت أفكر في هذا الموضوع طيلة الليل، ولم استطع النوم. المرة الاولى التي اتيت فيها الى لبنان كنت خائفاً. لم تكن حياتي مثالاً يحتذى. الموسيقا مهمة جداً لوجودي وتكويني لكنها ليست كل شيء. كذلك الأمر بالنسبة الى السفر والحفلات الموسيقية. فهي امور ضرورية للفنان الذي تهمه محبة الجمهور. لكن هذه المحبة لن تسعده اذا كان ينقصه الحنان والعطف المنزليان. منذ وقت ليس بعيداً ادركت انه علي ان اعيش مثل أي إنسان يعيش حياة طبيعية.

رغم شهرتك، لست نجماً. لماذا؟
- لست نجماً. ما الفرق ان يكون المرء معروفاً او مشهوراً؟ لم تهتم وسائل الاعلام يوماً بتفاصيل حياتي الشخصية. لا تعنيها منها غير الموسيقا التي أؤلفها، وهذا ما يؤكد انني لست نجماً الا في مجال اختصاصي الموسيقي. هناك فرق بيني وبين بلاسيدو دوميجو ولوتشيانو بافاروتي وريتشارد كلايدرمان. انا فنان من الدرجة الثانية. ولكني أرغب ان أصبح مثالاً للأجيال المقبلة. الذين يستمعون الى موسيقاي هم من المحافظين. بريتني سبيرز شيء وأنا شيء آخر.

ألم تحاول يوماً ان تؤلف موسيقا للأفلام.
- ربما لن تصدق اذا قلت لك ان الكثير من الصور يحضر الى ذهني حين اكتب نوتات الموسيقا. وألفت موسيقا كان يمكن أن تصبح موسيقا تصويرية لأفلام.

ماذا تفعل حين لا تؤلف الموسيقا؟
- انا اعيش في الخارج، امارس الرياضة، من كرة المضرب الى الجولف فرفع الاثقال . اتجول في المدينة على متن دراجتي النارية، رغم ان أصحابي يخافون حين اركبها، ويخافون من ان تتشوه يداي. لكن ماذا افعل؟ فما من شركة تقبل التأمين عليهما لأني اركب الدراجة النارية.

هل تحن الى البيانو الذي بدأت العزف عليه؟
- أحن الى البيانو الذي اشتراه لي والدي عندما كنت في العاشرة من العمر. لظروف معينة بيع هذا البيانو وأمضيت 3 سنوات، وانا ابحث عنه. أمّا أكثر بيانو تعلّقت به، فله قصة مؤثّرة جدًا. منذ سنوات قليلة، حين ضرب اعصار جنوب أمريكا، خلّف وراءه دمارًا هائلاً من بينه صالة عرض بيانو كان يملكها صديق لي. ذات يوم، اتصل بي قائلاً ان نحو 150 آلة بيانو دُمرت نهائيًا، الا واحداً أهداه اليّ. حين لمسته اختلجتني أحاسيس غريبة. اقتينته لفترة وألّفت عليه أفضل اغنياتي من بينها أغنية “سولو”. ولكن مصيره كان البيع من دون علمي.

هل لأحداث 11 سبتمبر/ ايلول تأثير ما على اعمالك الموسيقية؟
- هذا الحدث غيّر موسيقاي، لكن السياسة مغيبة على نحو كامل عن الفن الذي أصنعه. الموسيقا تنقل الكثير من الافكار عندما يمتنع صانعها عن الافساح عن آرائه ومعتقداته.

ماذا تعرف عن الموسيقا العربية؟ اتستمع اليها؟
- خلال اقامتي هنا، اريد ان اتعمّق في جوهر الموسيقا العربية وأمزجها باللاتينية وأكوّن فكرة واضحة أنقلها معي لأعمل عليها، خصوصاً ان للموسيقا العربية هذه الايام تأثيرًا كبيرًا، مثال على ذلك الديو بين ستينج والشاب مامي، وسارة برايتمن وكاظم الساهر. أنا معجب جدًا بصوت عملاقة الموسيقا العربية فيروز، سمعت عنها الكثير وأنا معجب بصوتها وأرغب أن اقدّم معها عملاً مشتركاً. أنا بطبعي كلاسيكي تأثرّت بشوبان وديبوسي وبيتهوفن، ولكن أفكّر في التعاون مع عازفي أورجن لأكوّن بصمتي الخاصة واواكب تطوّر الموسيقا.

كيف تقوّم تجربتك مع المغني مايكل بولتن؟
- عزفت مع أوركسترا لندن السمفونية وشاركني مايكل بولتن في اغنية “El Dia Que Me Quieras” وكانت المرّة الاولى التي يغني فيها بالاسبانية. تعرّفت اليه عن طريق صديقي المنتج رودي بيريز، وسجلّنا فيديو كليب لقي استحساناً من الجمهور.

ماذا عن التانجو الذي لا تزال متمسكاً به في عصر الموسيقا الالكترونية؟
التانجو موسيقا مفعمة بالإثارة والجاذبية. قدمت التانجو لجمهوري في لبنان، وأظهرت له طريقتي الأرجنتينية الخاصة في عزفه. التانجو موسيقا بلدي الفولكلورية ولم ابتعد عنها يومًا. انها تحرّكني، تلمس أعماقي، تحاكي جذوري. لقد ربيت على هذا الفن وتدربت عليه.

بماذا تحلم اليوم؟
- أحلم لو جئت الى لبنان بأوركسترا ضخمة، وأقمت حفلة حضرها 50 ألف متفرج.