القاهرة: يواصل الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر عملية “الترميم الداخلي”، فقد أقصى ثمانية من أمناء المحافظات في الحزب، يمثلون نحو ثلث أمناء المحافظات، في خطوة تمهد لتحسين أداء الحزب على ضوء انتخابات التجديد النصفي ل “مجلس الشورى”، والتمهيد لانتخابات “مجلس الشعب” (البرلمان) في العام المقبل، والتي يرجح أن تجرى في ظل ضمانات أوسع لعدم التدخل الحكومي في مسارها، وأن تخضع للإشراف القضائي الكامل.
وكان قد سبق هذه الخطوة عملية تصحيح لعلاقة الحزب الحاكم بالحكومة، تحت شعار “حكومة الحزب وليس حزب الحكومة” ويعني عدم اعتماد الحزب الحاكم في نفوذه على الدعم الحكومي واستفادته من أجهزة الدولة في مواجهة أحزاب المعارضة، ليكون الحزب قويا من دون الارتكان إلى سلطة وأجهزة الدولة، كما جرى إنشاء ما يسمى ب “التجمع الانتخابي”، الذي يهدف إلى ضمان المرشحين الأكفاء في الانتخابات، وعدم تركها لقيادات الحزب العليا، اعتمادا على تقارير سرية، كثيرا ما جاءت مخالفة للواقع، وتسببت في حالات تمرد داخل الحزب عند تحديد المرشحين، أثمرت عن فوز المتمردين بعدد كبير من المقاعد في مختلف الانتخابات، لكن التجمع الانتخابي لم يؤت الثمار المرجوة في انتخابات مجلس الشورى الأخيرة، والتي حصد فيها المتمردون على ترشيحات الحزب نحو 18 مقعداً، مقابل مقعد واحد لجميع أحزاب المعارضة، وهو ما يجعل التمرد الداخلي من أهم العقبات التي تواجه الحزب الحاكم، وتبين أن نفوذ البعض داخل الحزب يفوق حضورها الجماهيري، مما يعني اعتماد المرشحين على نفوذ الحزب في الانتخابات، وهو ما قد يفقده الكثير من المقاعد في حالة إجراء الانتخابات في ظل ضمانات أقوى تقلص التدخل الحكومي في مسار العملية الانتخابية.
ويهدف الحزب الحاكم إلى أن يكون مؤتمره العام الذي ينعقد حلال شهر سبتمبر/ أيلول الحالي إلى تدشين مرحلة جديدة يكون فيها مهيئا لمرحلة الإصلاح السياسي المرتقبة، وأن يثبت جدارته بالحفاظ على الأغلبية مهما كانت الظروف، في ظل تعقيدات إقليمية ومحلية بالغة الدقة، حيث الضغوط الخارجية تتزايد من أجل التغيير، في الوقت الذي يقترب فيه استحقاقا انتخابات مجلس الشعب ورئاسة الجمهورية.
ويتحرك الحزب الحاكم بواقعية، فهو يرى أن الإصلاح يبدأ من داخله، بوصفه الحزب الذي سيتصدى لكل هذه التحديات، ولهذا بدأ حملة تطهير هادئة لعدد كبير من رموز الفساد داخل الحزب، وأطاح بسيطرة الحرس القديم الذي كان الدكتور يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة السابق أهم رموزه، بينما تقلصت صلاحيات آخرين لتمهد لخطوة أخرى في هذا الاتجاه، وجاء التغيير الوزاري الأخير معبرا عن هذا التوجه، سواء فيما يتعلق بمعدل أعمار الوزراء أو في اختيار شخصيات لا يعتريها الشكوك ولا يعرف عنها ارتباطها بدوائر الفساد، وظهر عدد من المؤشرات على استمرار حملة “التنظيف” منها ما يتعلق بالتحقيقات الجارية مع وزير الإسكان محمد إبراهيم سليمان، والذي يتهم بأن له دورا في قضية القبض على المهندس ممدوح حمزة في لندن، بتهمة تدبير محاولات اغتيال لعدد من المسؤولين المصريين، بعد خلاف بين الوزير ورجل الأعمال والمهندس الشهير، لتفتح قضية لندن أبواب الجحيم على الوزير الذي بات مهددا بالإبعاد خلال أيام.
واكب هذه الخطوة تباشير حملة قوية على الفساد في جهاز التلفزيون المصري، وخرجت إلى الصحافة تقارير عن إهدار مئات الملايين في اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ولا يبدو أن خروج مثل هذه التقارير قد جاء مصادفة، لأنها جاءت بعد تولي الدكتور ممدوح البلتاجي مقاليد الوزارة بأسابيع قليلة، لتمهد لإعادة هيكلة هذا الجهاز “المتكلس” والعصي على الإصلاح، نظرا لوجود شبكة متماسكة من أصحاب المصالح ظلت تديره لعقود طويلة، وبالطبع سوف تمس هذه التقارير بمكانة صفوت الشريف أمين الحزب الحاكم ورئيس مجلس الشورى، والذي يبدو متمسكا بالجمع بين المنصبين، مؤكدا سيطرته على مقاليد الأمور في الحزب، نافيا وجود أي مخططات لإبعاده عن موقعه الأهم كأمين عام للحزب خلال مؤتمر الحزب الوشيك.
أما المعارضة فترى أن الإصلاح يجب أن يكون أشمل وأوسع، وأن يهيئ المناخ لانطلاقة جديدة في العمل السياسي، ولهذا تواصل حشد قواها “المحدودة” لاستغلال هذه الفرصة المواتية، ولهذا نشهد ربما للمرة الأولى اجتماعا يضم 11 من رؤساء أحزاب المعارضة، رغم أن العدد الأكبر منهم لا يكاد يعرفهم أحد، لكن التقاء أحزاب المعارضة المعروفة والمجهولة يعكس حرصها على خوض غمار المنافسة مع الحزب الحاكم، ولا يقتصر الأمر على محاولة تجميع أكبر عدد من القوى إلى صفوف المعارضة مثل ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني، إلى جانب النقابات المهنية وأساتذة الجامعات، بل تبدى ذلك في اللهجة الخشنة التي كانت قد اختفت طويلا من قواميس أحزاب المعارضة التي كانت توصف ب “المستأنسة”، فيما يبدو أنها تشق عصا طاعة الحزب الحاكم، بل تخطت ما كان يسمى بالخطوط الحمر التي تفصل بين المسموع والممنوع في انتقاد رموز الحكم، وبلغ الأمر حد رفض ما تسميه المعارضة “الجمهورية العائلية”، وتوجيه انتقادات حادة لجمال مبارك نجل رئيس الدولة ورئيس لجنة السياسات المتنفذة في الحزب الحاكم، وهو ما يوحي بأن الحياة السياسية المصرية مقبلة على خريف مملوء بالزوابع، قد يعقبه عام شديد التقلبات وعامر بالمعارك السياسية.
التعليقات