لم يحدث رقم الالف قتيل من الجنود الاميركيين منذ بداية الحرب في العراق، اهتزازاً في شعبية الرئيس الجمهوري جورج بوش، فبقي متفوقاً في استطلاعات الرأي على المرشح الديموقراطي جون كيري الذي لم يكن في استطاعته الا ان يركز على الاستنزاف المادي الذي يشكله العراق بالنسبة الى الاميركيين، لانه في اوقات الحرب لا يليق بـ المحارب في فيتنام سوى شد عزيمة القوات المسلحة عوض اشاعة الاحباط في صفوفها، دون ان يمنع ذلك من القول ان الحرب في العراق كانت قراراً خاطئاً.
لقد تمكن بوش من تخطي مقولة ما اذا كانت الحرب في العراق قراراً خاطئاً ام قراراً سليماً. ونجح بامتياز في تقديم هذه الحرب على انها معركة في سياق الحرب الاشمل على الارهاب. وقالها للاميركيين بعبارات واضحة في المؤتمر الوطني الجمهوري لن انسى 11 ايلول 2001 واصدق كلمات مجنون قاصداً الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وهكذا تمكن بوش من اقامة رابط محكم بين الحرب العراقية التي تستنزف الولايات المتحدة بشرياً ومادياً. ولولا هذا الرابط لما كان هناك ما يستدعي هذا الارتفاع في شعبيته. ولما كان الاميركيون يقبلون بدفع هذا الثمن الفادح من ارواحهم ومن جيوبهم. انهم بتأييد بوش يستجيبون شعاره الذي يردده دوماًً: فلنقاتلهم في اراضيهم افضل من ان نقاتلهم على اراضينا .
وتمكن بوش ايضاً من تصوير خصمه كيري على انه الرجل الذي قد يعرض اميركا للخطر ان هو تسنم سدة المسؤولية. فاضحى الخصم هكذا في موقف الدفاع عن النفس من دون ان يجروء على انتقاد واضح للحرب في ذاتها، ومن دون ان يكون قادراً على اقامة تمييز جلي بين الحرب على الارهاب والحرب على العراق. لقد اقام بوش الرابط، لكن كيري عجز عن اثبات العكس كما يرد في ادبيات الكثيرين من معارضي حرب العراق، لكن من مؤيدي الحرب على الارهاب.

ومن هنا لم يحدث رقم الالف قتيل الصدى الايجابي الذي كان يتوقعه كيري واخفاقه في اقناع الاميركيين بانه افضل من بوش في ضمان أمن الاميركيين الذين لا يريدون على ما يبدو، ان يسمعوا عبارات من مثل تلك التي يرددها المرشح الديموقراطي من انه كان الافضل ترك مفتشي الامم المتحدة يكملون دورهم في العراق، الامر الذي كان جنب الولايات المتحدة خوض الحرب وتكبد هذا الكم من الخسائر.
وبعد ثلاثة اعوام على هجمات 11 ايلول، لا يزال اثر الصدمة التي ولدتها هذه الهجمات حياً في نفوس الاميركيين، وتزيد من تعبئتهم الهجمات التي تنفذ ضد المدنيين في اندونيسيا واسبانيا والمغرب وتركيا وروسيا، فيصبح كلام بوش عن الارهاب اكثر صدقية في اذهانهم.

ومنذ البداية، كان كيري يخوض معركة صعبة ضد بوش، فلا العزلة الدولية تهم الاميركيين، ولا يهمهم كره العالم الخارجي لرئيسهم كما تبين في الاستطلاع الذي اجري في 35 دولة، كما لا تهمهم الامم المتحدة ولا دورها في العالم. ان ما يهمهم اليوم امنهم الذي اختُرق صبيحة 11 ايلول. لذلك يتخبط كيري في معركته رغم تخبط بوش في العراق.
والى ان يقتنع الاميركيون بان نهج بوش يقودهم الى صدام لا جدوى منه قد يمتد عشرات السنين، تكون المعركة الافضل لكيري تلك التي خاضها في فيتنام.