الخبر - سعود الريس: طوال 50 عاماً كانت العلاقات السعودية - الأميركية محط انظار الدوائر السياسية حول العالم. وتنوعت تلك العلاقات لتشمل التحالف والمصلحة والصداقة. بيد ان دوام الحال من المحال, اذ طوت احداث 11 ايلول (سبتمبر) تلك الصفحة واستبدلت بها صفحة جديدة يشوبها الكثير من الغموض والتوتر, ولا تزال معالمها غير واضحة حتى الآن. وفيما تسعى الدوائر الرسمية في البلدين الى التخفيف من هذه الصورة القاتمة, إلا ان الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان ان السعودية لم تعد ذلك الحليف للولايات المتحدة, وإذا كان البلدان لم يسعيا الى الوصول الى ذلك المنعطف الكبير في علاقاتهما فإن أطيافاً في المجتمع الأميركي حرصت على استغلال ما حدث في 11 ايلول لخلق مزيد من التوتر. وهنا تجدر الإشارة الى الدور الإسرائيلي في تلك التطورات لا سيما ان القضية الفلسطينية, على رغم العلاقات الجيدة التي كانت تربط السعودية بالولايات المتحدة, كانت حاضرة دائماً على اجندة الأعمال بينهما. وتسبب عدم الرضوخ السعودي للضغط الأميركي في ما يتعلق بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي بالكثير من الاضطراب في العلاقات, ما دفع الدولة العبرية الى استغلال مشاركة 15 سعودياً في اعتداءات 11 ايلول لبدء مرحلة تصفية الحسابات.

ولكن بعد مرور ثلاثة اعوام على هذه الأحداث, كان لها فعلاً الأثر الأكبر في زعزعة العلاقة بين البلدين ام انها كشفت عن خلافات كانت موجودة اصلاً وكان يعمد الى تجاهلها؟ وإلى اين وصلت العلاقات, بل الى اين يمكن ان تصل, في ظل التهديدات التي يطلقها المرشح الديموقراطي للرئاسة جون كيري الذي قال غير مرة ان علاقات بلاده القديمة مع المملكة ستخضع في حال فوزه لمراجعة شاملة تعتمد اساساً على تقليل اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط؟

يؤكد جمال خاشقجي المستشار الإعلامي للأمير تركي الفيصل سفير السعودية لدى بريطانيا ان احداث ايلول اثرت في شكل كبير في العلاقات, "ولا شك في ان العلاقات توترت وحاول بعضهم ان يزيدها سوءاً والاصطياد في الماء العكر. وهذا ليس بمستغرب لأن القوى الصهيونية في الولايات المتحدة كانت دائماً منزعجة من العلاقات الوطيدة التي تجمع البلدين منذ عقود طويلة. وبنظرة على الذين شنوا حملات على السعودية نجد انهم من دوائر قريبة من اسرائيل ونجحوا في تشويش العلاقة كما حاولوا ان يورطوا المملكة في احداث 11 ايلول". وأوضح ان تلك الدوائر "سعت لتحويل مشاركة 15 سعودياً خارجين على القانون وكأنها مشاركة رسمية سعودية, وعملت على ايجاد قرائن لتؤكد وجود علاقة مع تلك الفئة مع اي جهاز بالدولة مهما كانت ضآلة تلك العلاقة. لكن التحقيقات الأميركية نفسها اثبتت عدم وجود اي علاقة, بل اكدت ان المملكة تعاونت في ملاحقة بعض هؤلاء قبل الهجمات, ولو كان هناك تنسيق اكبر وتفاعل مع ما قدمته السعودية لكان من الممكن منع تلك الجريمة".

وزاد خاشقجي ان تقرير اللجنة المكلفة التحقيق في احداث 11 ايلول التي اعلنت نتائج تقصيها قبل نحو شهرين "أكدت ذلك بوضوح" لكن تلك التأكيدات ضاعت تحت ركام الحملة الإعلامية التي تستهدف الرأي العام الأميركي".
ولكن هل يعني ذلك ان علاقات البلدين تأثرت فقط جراء تلك الأحداث؟ يجيب الخاشقجي بالنفي, ويقول ان هناك "امرين اثرا كثيراً في العلاقات اولهما الخلاف حول قضية فلسطين, والثاني هو الحالة الدولية التي تغيرت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. اذ ان طبيعة العلاقة التي تميزت بالشراكة في مواجهة الخطر الشيوعي واجهت اختفاء ذلك الخطر. لكن على رغم ذلك بقيت هناك مصالح متبادلة لأن السعودية دولة مستقرة وهو ما تحرص عليه الولايات المتحدة بعلاقاتها الدولية الى جانب النفط الذي كان ركناً متيناً في العلاقة".

ولكن ماذا عن استمرار الحملات على السعودية وهل هي حال انتخابية ام انها سياسة مستقبلية؟
يجيب الخاشقجي: "للأسف ان التعريض بالسعودية دخل في الحملات الانتخابية ومارسه الديموقراطيون اكثر من الجمهوريين. لكنني اعتقد ان ما سيعزز حاجة البلدين الى بقاء علاقتهما متميزة هو طبيعة البلدين نفسيهما. إذ ان اميركا مهمة للسعودية كدولة عظمى, والسعودية مهمة لأميركا باستقرارها واقتصادها وتاريخ العلاقة بينهما. لذلك لا أتوقع ان تسوء العلاقة اكثر أو ان تبلغ حد القطيعة. وعلى رغم كل ما نسمعه من كيري فإنه لو فاز سيدرك انه يحتاج الى السعودية وستتغير مواقفه. وفي حال بقاء الرئيس جورج بوش في منصبه فلا اعتقد ان هناك خلافاً سوى على قضية فلسطين".

ومن جهته, يرى المحلل السياسي عادل الطريفي ان السعودية "نالت ولا تزال النصيب الأكبر من الهجوم والتشويه حتى قبل احداث 11 ايلول. بيد ان هذه الأحداث رفعت حدة الانتقادات, وساهم الإعلام الأميركي في حملة اتهامات واسعة وجّهت للسعودية. وأصبح الفرد السعودي أياً كان في نظر الصحافة والإعلام الأميركي مسؤولاً عن الإرهاب. واستغلت هذه المزاعم هشاشة النظام المالي للمؤسسات الخيرية السعودية لتلحق بها كل تهمة من دون تقديم ادلة. هناك ارهابيون سعوديون وهناك متعاطفون مع الجهاد عموماً من دون ان يكونوا راضين عن الأعمال الإرهابية التي تطاول المدنيين. وهذا ما لم يتمكن الإعلام الأميركي من فهمه. لذلك دينت السعودية بالإرهاب وتحقق هدف اسامة بن لادن بإشعال حرب دينية بين الشرق والغرب. وصاحب ذلك حضور اعلامي ســـعـــودي باهـــت داخــل الولايات المتحدة, مما كرّس الصورة النمطية السلبية عن السعوديين".
واستعرض الطريفي العلاقات بين البلدين والتي تجاوزت نصف قرن, منذ التقى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت بالملك عبدالعزيز في طريق عودته من يالطا عام 1945. "وتميزت هذه العلاقات بصلابتها وأعطيت الشركات الأميركية امتياز التنقيب عن النفط لعقود, ولعبت الثروة السعودية دوراً مهماً وحيوياً بالنسبة الى الأميركيين. فالتحالف الأميركي - السعودي ظل متماسكاً على رغم المتغيرات التي عصفت بالمنطقة ولا سيما تأثيرات القضية الفلسطينية وحظر النفط عام 1973.

وبحلول العام 1974 تبينت ملامح العلاقة الجديدة التي ستربط الطرفين طوال الثمانينات والتسعينات. وكانت العلاقة الجديدة تقوم على التزام السعودية انتهاج سياسة نفطية معتدلة تضمن اعتدال اسعار النفط وضمان استقرار الاقتصاد الدولي المشترك. وفي المقابل تعمل الولايات المتحدة على إحلال سلام شامل في الشرق الأوسط وضمان تطوير السعودية اقتصادياً وعسكرياً. وبقيت هذه الأهداف السبب الرئيس وراء رغبة البلدين في الحفاظ على علاقة ودية بينهما". ولكن هل كان لذلك اثر ايجابي لدى الرأي العام؟ ينفي الطريفي ذلك ويذكر بأن استطلاعاً للرأي نشرته مؤسسة "زغبي انترناشيونال" عام 1993 "أظهر ان 36 في المئة من الأميركيين الذين شملهم الاستطلاع ينظرون الى السعودية نظرة سلبية, في حين ينظر إليها 41 في المئة بإيجابية. وخلال سنوات التسعينات تعززت نظرة الأميركيين الى السعودية لتصل الى مستوى جيد من الصداقة. إذ اعتقد 56 في المئة منهم ان السعودية بلد صديق وحليف يعتمد عليه, وكانت نسبة المشككين اقل من 28 في المئة. وبعد 11 ايلول هبط المعدل الإيجابي الى 24 في المئة فيما ارتفع المعدل السلبي تجاهها الى 58 في المئة. وفي الأشهر التالية اظهرت استطلاعات اخرى تفاقم النظرة السلبية لدى الأميركيين الى المملكة, إذ اظهر استطلاع اجري نهاية عام 2002 ان واحداً فقط من بين كل خمسة اميركيين رأى في السعودية حليفاً: اي ان غالبية الأميركيين يصنفون المملكة كدولة لا يمكن الوثوق بها, وهي نسبة بلا شك ترضي اسامة بن لادن".
ولكن ماذا على الصعيد الرسمي؟ يوضح الطريفي انه "لا يمكن وصف العلاقات بين البلدين بعد 11 ايلول بالفتور, بل ان مفردة التصعيد الخفي هي عبارة مناسبة ودقيقة لوصف حال العلاقات. فعلى رغم التزام الطرفين بعبارات المجاملة السياسية ولغة الصداقة إلا ان التقارير والتصريحات كانت بالغة الوضوح في كيل الاتهامات بالتقصير والخطأ من كل طرف للطرف الآخر.

وتجاوز الأميركيون حدود العرف السياسي في مثل هذه المسائل. ولا ادل من ذلك على اتهام مسؤولين سعوديين بأنهم ربما ساهموا في تمويل الخاطفين السعوديين في احداث 11 ايلول مالياً. وانهالت كذلك تقارير امنية اميركية تكرر اتهامات مماثلة تارة تلميحاً الى عدم جدية الحكومة السعودية في الحملة على الإرهاب, وفي احيان اخرى تقديم قوائم بأسماء افراد سعوديين متهمين بالإرهاب تطلب واشنطن تسليمهم إليها من دون تقديم اية ادلة على تورطهم". ويعتقد الطريفي بأن "أكثر اوقات التوتر كانت في محاولة سحب البساط من تحت اقدام السعوديين من خلال التقرير الذي نوقش في اجتماع عقد لمجلس استشاري تابع لوزارة الدفاع الأميركية في 10 تموز (يوليو) 2002. ووصف التقرير الذي قدمه لوران موراوييك المحلل في مؤسسة راند السعودية بأنها عدو للولايات المتحدة, وأوصى بأن يوجه المسؤولون الأميركيون انذاراً للمملكة للتوقف عن دعم الإرهاب. هذا التقرير كان متحاملاً للغاية ومبنياً على افتراضات لا يمكن ان يؤسس عليها اي بحث مقبول في الرؤية الاستراتيجية, ما دفع وزارة الدفاع الأميركية الى المسارعة بالاعتذار, بل انها وصفت الباحث بعدم الموضوعية. وكان هذا الحادث كما يصفه احد المعلقين الأميركيين نقطة نهاية للتوتر الذي احدثته هجمات 11 ايلول, وعكس موقف الإدارة الأميركية من تقرير الكونغرس الأولي عن التحقيقات في الهجمات, والذي فرضت السرية على 28 صفحة تتعلق بالسعودية, موقفاً متفهماً لدور السعودية في مكافحة الإرهاب. ومع نهاية عام 2002 وظهور رغبة الإدارة الأميركية في غزو العراق بدأت العلاقات بين البلدين في التقارب من جديد ومحاولة تلافي الخلافات القائمة. وخلال عام 2003 وبداية الحرب السعودية على الإرهاب في الداخل, كانت الولايات المتحدة حريصة على دعم حليفها وإظهاره بصورة الشريك في الحرب الدولية على الإرهاب. وتقرير لجنة 11 ايلول الأخير الذي صدر اخيراً يعكس نوعية العلاقات المتحسنة بين الطرفين, اضافة الى التنسيق في قضايا اقليمية ودولية عدة بدءاً من المسألة العراقية حتى اوضاع السعوديين في غوانتانامو. ويبقى ان هناك خلافات عالقة متعلقة بالضغوط على السعودية في موضوعات داخلية مختلفة, وتأخر اميركي عن الرغبة السعودية في تفعيل عملية السلام في الشرق الأوسط".
وتوقع الطريفي ان يستمر التقارب بين الطرفين مع الوقت. واستبعد ان يتأثر مستقبل العلاقات السعودية - الأميركية كثيراً بتغير الإدارة الحالية على رغم الدعاية السياسية الداعية الى عدم الاعتماد على النفط السعودي".