سيظل التنجيم المتكرر كل عام مطلوبا حتى لو كرهه الناس وأنفوا تصديقه . وسيظل مشترو كتب المنجمين بالالاف مع انهم لن يكونوا من هواة اقتناء هذا النوع من الكتب التي يرتبط جزء ضئيل منها بكل مشتر او من يسعى لقراءة بخته خلال العام الجديد .
لكن الرصد الاهم هو للقراءة السياسية التي تكون على وجه الاجمال خالية من التنجيم كونها تعتمد على الوقائع المعاشة وعلى المعطيات المتوفرة وهي عديدة في منطقتنا ومتوفرة بسهولة لمن يريد معرفة الحقائق القادمة الموجودة في بطن الاحداث والمفرزة من خلالها . ولهذا ، شكل محمد حسنين هيكل هذا العام نقطة الضوء في قراءة مستقبل المنطقة ، بل انه قدم قراءات موجزة تغطي الحاجة لفهم عناصر الازمات في منطقتنا .

اثبت هيكل ان افق الحلول مسدود ولأمد طويل .. وهذا النوع من القراءة يعتمد عليه هيكل في كل لقاءاته .. وكلام من هذا النوع فيه المسؤولية السياسية كما فيه المعنى العميق للوضع المتجلي امامنا والذي يأخذنا دائما للتفكير به ويحثنا على ان نكون اسراه على الدوام .
هنالك لامفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين وبين السوريين والإسرائيليين . وهنالك سنة متكررة مع مصاعب جديدة في العراق . وهنالك تقييم خاطئ للاستراتيجية الايرانية في منطقتنا . يعدد هيكل هذه الامور ويحسم فيها بكلام قاطع ينبئ بان آراءه تلك غير خاضعة للنقاش . والذي يؤسسه هيكل في نقاش حساس من هذا النوع يتحول الى شبه اعتراف بان الحالة القائمة في بلاد العرب ليس لها قيامة في الظروف الحالية وان مستوى مجابهتها للتحديات انتهت لان العرب يفتش كل منهم عن امنه الذاتي نتيجة الخوف من اميركا او حسابات المستقبل القائمة على الخوف منها .
لاينجّم هيكل ولا يقرأ في بلورة بقدر مايعتمد على تجربته الطويلة وثقافته الواسعة وامتلاكه للمعلومات من مصادرها ومتابعتها الدقيقة والمتوازنة للاحداث وحسن الخروج بخلاصات متأنية تكاد كل خلاصة منها معلومة جديدة . ولان هيكل يراعي كثيرا ضرورات الصح والتصحيح وتكاد اجوبته المدروسة بدقة الموضوع المحكى عنه ان توظف شتى الاجتهادات كي لايكون الجواب مبتسرا او خاليا من شروط الديالكتيك .
سيكذب المنجمون ولو صدقوا .. اما الاجتهاد السياسي القائم على المعرفة والدراية وحسن الربط بين المعطيات فهو الحقيقة، الحقيقية تماما مثل الطيار الذي يحسن قراءة قوة الريح واتجاهاتها وهو يجلس داخل طائرته على امل ان تكون قيادته خالية من العقبات التي قد يواجهها في رحلته الطويلة او القصيرة .