يقظان التقي: ديانا مقلد ويولاند خوري وكلود ابي ناضر هندي من الاسماء القليلة تلفزيونياً اللواتي يشتغلنّ بعناية ودقة التحقيق التلفزيوني او الريبورتاجات المصورة. تحقيقات عادة ما تكون غير محددة ويلزمها وقت طويل في التحضير والاعداد وكثير من الاشياء الصعبة التي تتعلق بالبلد والموضوع والمحرمات والمقدسات والرقابة والطقس واشياء اخرى، تجعل من الصعوبة بمكان ربط العمل في توقيت محدد ونهائي، مما يجعل التواصل مع مثل هذه البرامج موسمياً ومتقطعاً وفي تواقيت بث تقررها الادارة ولها مبرراتها التسويقية والاعلانية، وهذا شأنها..
هكذا نفهم عودة ديانا مقلد اول من امس في حلقة "ظاهرة المغنيات الجدد" بعد جولاتها البعيدة في افغانستان وشمال العراق وروسيا واماكن اخرى فيما يسود من ثنائية السياسة والدين وتجاوزاً على ما يبدو في الحلقات الجديدة الى قراءة واقع المدينة العربية ومحاولة رسم بورتريات لنماذج اكثر اقتراباً من الواقع في نواحي يتنفسها الشارع العربي وتشكل اشياء من عوارض الحداثة العربية او ما بعد الحداثة في تداخل سلوكيات العيش مع الافكار الحرّة المثيرة والصدامية احياناً.
حلقة "المغنيّات الجدد" تعكس جزءاً من يوميات المدينة بيروت بكل ما يختلط فيها من واقع النجومية والشهرة التي يحدثها عالم الفيديو كليب واستيهامته الوهمية وربما المكبوتة المقيمة عندنا او تلك التي تثير اماكن كسر لتابوات اجتماعية لا يمكن كبتها او مواجهتها.
ديانا تشتغل على صورة الظاهرة مرفقة بنص شفوي كان يمكن تكثيفه اكثر في الشرح والتفصيل والمقابلات فيكفي التعاطي مع الصورة في التعامل مع دلالات الاشياء بدل الاشياء نفسها، لكنها ديانا مقلد لا تتوقف تحكي وتتحرك وتتحرى وتناقش ولا تكف عن السؤال عما يحدث في حقل صناعة النجومية والمغنيات. موضوع مفضل للبحث والمطاردة يستوعب تعددية في الآراء أوسع ومتخصصة، وهو يظهر آنيات لبطلات الشاشة والصورة يصدمنّ الساحة بالتحولات والنظرات الجديدة لاسيما في كيفية التعامل مع الجسد او "اللوك". او السعي الى واجهة الاضواء في تسريع هائل من الوقت ترصده مقلد بالعين المجردة في صالونات التجميل ووكلات عرض الازياء وفي زوايا وجوهه الصبايا الجميلات ونظراتهنّ في الوقت التي تخرجنّ فيه من مبضع عمليات التجميل الى العراء او العلن.
كأن شكل المدينة يبدو للتو مفاجئاً وصاخباً في ولادة نجمة او مغنيّة جديدة، مجرد لوك من صوت او من دون صوت يريد ان يخترق الشارع ويعمل قبل ان يتأخر العمر. وفي صدارة الصورة صالون التجميل كأنه المدينة بيروت قائمة في المكان.
تحقيق من دون فواصل تقنية في باب الوصف والاعداد بين الريبورتاج والوثائقي، يترك اثراً ما فيما تحسه من فرح الصورة او حروب الصورة الجميلة التي تتشابه وتتناسخ في وجوه واحدة ومن عاطفة او من غير عاطفة.
امر آخر هو الحياة المريحة مادياً تعبر بفضول وجرأة عن رغبتها في العيش والنجومية وان تتخلص من الاشياء التي تخلفها وراءها، ولكنها بالواقع لا تترك الكثير لا بل تختفي كما لو انها اشياء من جمال في صناديق تلمع وتختفي بين بيروت والقاهرة.
اشياء من جمال لا يمكن الا ان تحترمها وتحترم آليات تسويقها كصناعة مستقلة وفي غلاف الصورة كأن صبايا بيروت في ايام عزوبيتها الاولى وهي تحاول الاتصال بالعالم. ديانا مقلد ترينا الاماكن وليس بالضرورة فقط في العاصمة، تزور النجمات في منازلهن الريفية وتهبط وتصعد مع الحلوات مدرجات النجومية، وتستمع الى ما يقلنّ وما لا يقلنّ. وبالنهاية الجمال بساطة . لكنه ستار لفهم شباب اليوم وما يفكر به وستار من الحلم وفوران، وكلها عوارض شبابية تصر المخرجة نادين لبكي على انها "حالة جمالية لبنانية صرفة وتشبه نفسها فقط"،
حسن داود تحدث عن سباق في الجمال و"المقياس او المعيار اللبناني فرض نفسه على غير عاصمة عربية". لكنه جمال بنظام او لوك واحد بمثابة الرمز للانوثة البيروتيه يتحرك بدءاً من الانف الى الحاجبين الى اسفل السرير والى ايقاع الجسد ومواجهة تيار من الغناء دشنته هيفاء وهبي (سعيد الماروق)، يشكل عالماً مختلفاً على الصعيد الأخلاقي مع اننا نراها ظواهر يومية في الشوارع وامامنا، ونظل معها مواطنين كما في اسفل الشاشة الى حين.
بالمحصلة الجسد ليس فكرة سيئة ونملك اليوم الكثير من الوقت للتفكير والتماشي معه ويعكس واحدة من نظراتنا المتحولة اليه والى كل الاشياء، وإن كان ايقاع اليوم لا يستطيع اللحاق به، لاسيما مع نجمات سريعات جداً. خاصرة مدينية جمالية نزولاً بطريقة سلسلة لكن بطريقة الحاضر الفجائي الذي لا ندرك فيه تماماً فيه كلام اصحاب الصالونات عن حفلات خاصة؟ كأننا امام شارعين للغناء: واحد تزدهر فيه الاصوات وآخر يصدر هناك..
فكرة ديانا مقلد للخوض في هذه الموضوعات جريئة ذلك ان هناك اموراً كثيرة نتوهم اننا نفهمها، لكن هذا لا يعني ان المجتمع يهضمها جيداً، كمثل الجسد "الحدث" والعودة والتعليق، ومن الضروي بمكان معالجتها بحيادية ايجابية وربما بإيقاع مختلف وبفضول شغوف لجراحة واقع يبدو للبعض غرائبياً.