الشعوب تتأدب بأبجديات الحياة حولها، وهي، من أسف شديد، تنجرف حول مصائرها المدمرة احيانا عندما تطول المعارك وتكثر الجبهات وتنقسم الصفوف وتبدو “الطاسة” ضائعة بالفعل. هنا تتوه الأجيال وينسلّ من أياديها كثير من المبادئ والأخلاقيات.
وبما اننا دخلنا سنة جديدة ونحن تحت هذا الغطاء العسكري باحتلال العراق، خصوصا في منطقة الخليج، اذا اعتبرنا القضية الفلسطينية قد تعاقبت عليها اجيال من انجبوا من انجبونا عليهم رحمة الله جميعا، فإننا لا بد ان نسأل اولئك المهووسين بإشعال حرائق وهمية، ومن استساغوا لفظ الحرب، وباتوا يوهموننا بأننا نعيش حروبا اخرى على اخلاقياتنا ومبادئنا، أوهمونا بالتوجس وجعلوا الفسح الأخرى المتاحة كأنها كمين كبير يستهدف ملتنا ولوننا فقط.
هذه الحروب المصطنعة وما يلقى فيها من كلام كثير يقدمه بعض الاعلاميين وأساتذة الكلام، هي التي تؤكد فشل البعض الذريع، الذي يحيل التنظير الى خطب ومواعظ، وقد غفل عن ادبيات اللغة والالتزام أحيانا بالوقت، مع أنهم يفترض أن يكونوا اول المؤمنين بقيمة ووزن الكلمات ومعيارها. فبدلا من مواجهة هذا الواقع المثقل ودرء الأخطار الحقيقة بما يتناسب معها، ها هم يعلقون جل مصائبنا على الفضائيات، او كما يسميها البعض “الفضائحيات”، وان لم يجدوا شيئا آخر، فإنهم سيبحثون عن سلسلة اخرى في جدول التناسق نفسه.
الهروب من وإلى المصائر الغامضة، نظريات التربص، فتح قواميس جديدة لمصطلحات مبتكرة تتماشى مع جدول الابتكار الانفعالي، كلها تمثل قواعد الحوار الاعلامي بكافة أطره لدى البعض.
اظن والله اعلم، ان الكثير لا يزالون يستهوون المكبرات الصاخبة، وان الحدة الأعلى في الصوت تعبر عن بلوغ الآمال وشحذ الهمم ليهبوا الى الحياة. وتناسى الكثير اننا وان كنا في حالة الحرب هذه، والتي ابتلينا بها، فإنه لا بد ان نستوعب سلبياتها، وان الهروب من اي نفق تأتي منه المخاوف والكوابيس، تعادله نوافذ وابواب يمكن للهواء ان يدخل منها.
وليس الاعلام الفضائي وقنواته المفتوحة السبب الاول والاخير في ضياع الشباب، بل اننا نسينا تفشي اسباب اكثر خطورة كالمخدرات والبطالة وتطور الجرائم الاخلاقية وارتفاع معدلات الإحباط لدى هذا الجيل، وغيرها كثير.
لست مؤيدة ابدا لما تفرزه الفضائيات التي حولها البعض الى “فضائحيات” وتعلقوا بهذا الاختراع والمصطلح، الا اننا يجب ان نؤمن بأنها واقعية اخرى تتيح لنا بدائل عدة، أولها وأهمها ان نغلق التلفزيون او ندير الريموت الى محطات اكثر تأدبا وسترا!