عزة سامي: طائرة بوينج‏727‏ قادمة من جنوب إفريقيا علي متنها مائة رجل من المرتزقة وأسلحة كان من المفترض تسليمها في زيمبابوي حيث تم تفتيش الطائرة في مارس‏2004‏ ليزاح الستار عن محاولة انقلاب للاطاحة بالرئيس ابيانج نيجما الذي يحكم غينيا الاستوائية منذ عام‏1979‏ لصالح سيفر يرو موت أحد المعارضين المقيم باسبانيا والذي كان ينتظر بفارغ الصبر نجاح العملية في جزر الكناري للاستيلاء علي السلطة في تلك المنطقة التي يطلقون عليها كويت إفريقيا‏.‏
مدبرو العملية هما البريطاني سيمون مان والجنوب إفريقي نيك دوي توا المدير السابق لشركة الخدمات الأمنية الخاصة ايجزكتيف أوت كامز والذي يقال إنهما كانا سيحصلان علي مكافأة مالية في حال نجاح العملية بما يقدر بنحو مليون دولار‏,‏ في الوقت الذي يواجه سير مارك ثاتشر إبن رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارجريت ثاتشر تهمة المشاركة في تمويل العملية بمساعدة أحد كبار المسئولين بالبنتاجون‏..‏
عملية انقلاب ضد ديكتاتور ما في دولة ما من دول القارة الإفريقية هي في الواقع أمر عادي ويكاد يكون مألوفا في قارة تعج بالحروب الأهلية سواء علي أساس عرقي أو في محاولة للسيطرة علي الثروات الطبيعية إلا أن اللافت للنظر في عملية الانقلاب الفاشلة الأخيرة في غينيا الاستوائية أنها كانت من تدبير وتنفيذ غربيين لمساعدة أحد المعارضين علي الاستيلاء علي السلطة ليس من أجل تحقيق مصلحة الشعب بتحريره من القبضة الحديدية لديكتاتور ـ كما ادعي السير مارك ثاتشر في معرض دفاعه عن نفسه‏,‏ و إنما الثابت أن الهدف الحقيقي وراء العملية هو السيطرة علي مخزون النفط في خليج غينيا لصالح الشركات الأمريكية التي بدأت منذ حرب الخليج تبحث لها عن مصادر طاقة أخري بعيدا عن منطقة الشرق الأوسط‏.‏
لقد تصور البعض خطأ أن ظاهرة المرتزقة أو كما تعرف ب‏'‏كلاب الحرب‏'‏ في القارة الإفريقية قد شهدت نوعا من التراجع بعد أن كانت مسيطرة بشكل فج وصريح منذ عام‏1960‏ في الكونغو وفي الفترة مابين‏1970‏ ـ‏1980‏ في الكوموروس وبنين وغينيا وزيمبابوي وانجولا حيث كانت بريطانيا وفرنسا وجنوب إفريقيا الموردين الرئيسيين لهذا الجيل من الجنود المرتزقة التي كان روبرت دينار‏-‏ والملقب ببوب‏-‏ أحد اشهر رجالها عندما كان يجوب القارة من مشرقها إلي مغربها ومن شمالها إلي جنوبها يمارس أنشطته تحت دعوي محاربة الشيوعية‏,‏ مؤكدا أنه لم يعمل يوما ضد مصلحة بلده الأم فرنسا هذا الجيل من المرتزقة الذي كان يتخذ من الشعارات الإنسانية ستارا يخفي وراءه حقيقة أطماعه الشخصية في الحصول علي مكاسب مادية كان يعمل في أغلب الأحيان لصالح أجهزة مخابرات أو كبري الشركات الغربية كشركة البترول الفرنسية ألفا أما تلك الشعارات الإنسانية كمحاربة الشيوعية وغيرها فلم تكن سوي مجرد ادعاءات تتلاشي إذا ما القينا نظرة سريعة علي حجم الدمار والنهب والسرقة والفوضي التي كانوا يخلفونها وراءهم في أي دولة يوجدون فيها ولعل ماشهدته الكونغو في عام‏1960‏ أبرز دليل علي كذب تلك الادعاءات‏.‏
هذا الجيل مدعي الإنسانية اختفي ليحل محله جيل جديد من المرتزقة الذين يحاولون تغليف انشطتهم بغلاف من الشرعية تحت غطاء شركات الخدمات الأمنية الخاصة ومن أبرزها شركة اجزكتيف أوت كامز‏,‏ والتي تعد النموذج الأمثل لهذه الشركات حيث قامت بتوسيع حجم نشاطها ليشمل بالإضافة إلي تقديم الخدمات الأمنية‏,‏ خدمة التدريب وتقديم المشورة في مجال المعلومات والتنقيب عن المعادن والبحث عن البترول وهذه الشركة والتي كان مقرها الرئيسي جنوب إفريقيا حتي قرار حلها رسميا عام‏1998‏ أعيد إنشاؤها من جديد وتضم نحو‏3‏ آلاف رجل معظمهم من قدامي القوات البريطانية الجوية الخاصة ومن الكتبية الـ‏32‏ بافالو بجنوب إفريقيا وغيرهم من قدامي الجنود النظاميين‏.‏
ولكن اخطر ما في الموضوع أن هذه الشركات قد بدأت تكتسب أرضية من الشرعية خاصة في السنوات الماضية علي المستوي الدولي فمن كان يظن أن يأتي اليوم الذي يحيي فيه أحد مسئولي الأمم المتحدة شركة من هذه النوعية علي ماتقوم به من جهود لمساعدة الحكومة الشرعية علي محاربة عصابة من الأشرار مشيرا إلي أن ماتواجهه هذه الميليشيات شبه العسكرية ـ بصرف النظر عن ماضيها ـ في هذا الوقت وهذه المنطقة يستحق التحية‏,‏ وكانت شركة اجزكتيف أوت كامز‏,‏ قد قامت في عام‏1993‏ بمساعدة الحكومة الانجولية علي استعادة السيطرة علي منطقة منابع البترول في سايو بعد استيلاء متمردي اليونينا عليها وفي عام‏1995‏ نجحت الشركة ـ بعد ان قامت بتدريب نخبة من العسكريين علي مدي اسبوعين فقط ـ في قلب ميزان القوة في سيراليون مما مكن الحكومة من استعادة السيطرة علي العاصمة ومنطقة استخراج الالماس التي كان يسيطر عليها المتمردون‏.‏
ولكن هل القيام بمثل هذه المهام في مقابل حفنة من المال حتي ولو كان يحقق مصلحة لحكومات شرعية يستحق حقا التحية من قبل مسئول يمثل منظمة دولية بحجم منظمة الأمم المتحدة؟ إن مثل هذه التصريحات وغيرها من التكليفات التي بدأت شركات الأمن الخاصة تفوز بها سواء في العراق أو منطقة البلقان أو في غيرها من مناطق العالم الملتهبة لكافية لكي تفتح الباب علي مصراعيه امام من كانوا حتي وقت قريب يلقبون بكلاب الحرب لاكتساب شرعية دولية ما كانوا يوما يحملون بها‏..‏ فعلي مر العصور وفي مختلف الحضارات التي توالت علي البشرية عرف المرتزقة بأنهم جنود لا يدينون بالولاء إلا لمن يدفع أكثر ولا يعترفون سوي بالقيم المادية والمصالح الشخصية فهم حقا كلاب الحرب‏.‏