لا يحتاج المراقب إلى جهد لاستنتاج أن الشرق الأوسط موعود بما هو أدهى. يمكن القول إن الفصول الحالية، على قسوتها، قد تكون مجرد مقدمات. أخطر ما في الصورة هو غياب صمامات الأمان. لم تستطع الأمم المتحدة منع الحرب الأميركية في العراق. لم تستطع أيضاً التدخل لضبط اخطارها بعد اندلاعها. لا شيء يوحي الآن أنها تملك حلاً. وربما كان الحريق العراقي الحالي مجرد فصل من حرائق أوسع.
يتجه العراق إلى انتخابات هي جزء من برنامج دولي. لكن هذه الانتخابات لا تعد باطفاء الحريق. هناك قوة احتلال تعجز عن فرض الأمن. فشل برنامجها الأصلي الداعي إلى قيام ديموقراطية نموذجية تحرض أهل المنطقة على الاقتداء بها. هذا لا يعني أن الجيش الأميركي سيجمع حقائبه غداً ويرحل. الانتخابات قد تعطيه عذراً للانتشار بشكل مختلف. في المقابل، ليست هناك قوة بديلة في حال انسحاب الأميركيين. الانقسام بين العراقيين لا يدور فقط حول جدوى اجراء الانتخابات في ظل الاحتلال. إنه انقسام حول المستقبل وموازين القوى الجديدة. الضربات التي توجه إلى الاحتلال تختلط أحياناً برائحة حرب أهلية تنتظر فرصة الإعلان عن نفسها بصورة أكثر صراحة. وهذا يعني أن الحريق العراقي مرشح للاستمرار وتخطي الحدود الدولية.
ما شهدته الكويت قبل أيام يشكل جزءاً من الصورة. عراق ما بعد صدام حسين قد يكون أشد خطورة من عراق صدام حسين. عثر المقاتلون الجوالون في أرض العراق على فرصة اشتباك وفرصة انتاج أجيال جديدة على دوي هذا الاشتباك. انفجارات الكويت بعد السعودية توحي بأن المنطقة بأسرها ستكون مسرحاً لهجمات المقاتلين الجوالين.
على الجبهة الفلسطينية - الإسرائيلية تبدو الصورة قاتمة أيضاً. تطالب إسرائيل محمود عباس (أبو مازن) بتقديم ما لا يستطيعه أو ما لا يريده أصلاً. في المقابل تطالب «حماس» و«الجهاد» عباس بمواقف تنسف قدرته على التفاوض وتلغي أي مبرر لوصوله إلى الرئاسة. تحاول إسرائيل دفع عباس إلى الاصطدام بجزء من شعبه. تحاول «حماس» و«الجهاد» دفع عباس إلى الاصطدام بإسرائيل وأميركا معاً.
في جنوب لبنان، يحاول «حزب الله» تكريس قاعدة أن صدور القرار 1559 لا يمنعه من الاستمرار في عمليات المقاومة في مزارع شبعا. والمقاومة حق لا يمكن انكاره، لكن السؤال هو عن مخاطر اندفاع لبنان، ومعه سورية، إلى حال من العزلة الدولية بفعل الاصطدام بالشرعية الدولية والقوة العظمى الوحيدة معاً.
إنها ملامح الصورة المقلقة. أميركا القوية غامرت باستقرار المنطقة حين اقتلعت نظام صدام حسين استناداً إلى أوهام حول البدائل الممكنة. أميركا محتلة في العراق ومنحازة إلى المحتل في فلسطين. وفي المقابل، الأمم المتحدة عاجزة هنا وعاجزة هناك. لهذا يبدو الشرق الأوسط مدفوعاً نحو ما هو أدهى، فقد أطاحت المغامرة العراقية بآخر صمامات الأمان.