ينتابني شعور بالأسف وانا اكتب عن الاحتلال الاميركي للعراق وانحياز اميركا لمغتصبي ارضنا في فلسطين، وكنت اتمنى لو ان شعبا غير الشعب الاميركي العظيم هو الذي كتبت عليه الايام ان يتعثر نظامه السياسي فتصطاده حبائل الصهيونية وتتفرد به براثنها، وهو الشعب الذي يتوقد في ضمائر ابنائه جمر الحرية ويتألق في عيونهم وهج تمثالها العملاق، الحرية التي اورت زنادها حرب الاستقلال وحرب تحرير العبيد، وزينتها مبادئ ويلسون في السلام العالمي، لتزهو بعدها صورة اميركا وسط اطار رائع نافست به امما كثيرة عشقت الحرية وسارت في ركابها، ولا يمكن لي من باب الانصاف القول بان الشعب الاميركي قد خرج من هذا الاطار وان صورته المشرقة قد تغيرت، فلقد سبق لي وبحكم تسفار الوظيفة الطويل ان نزلت ضيفا على عدد من العوائل الاميركية وشاركت بعضها الاستمتاع بالديك الرومي على موائد عيد الشكر ولمست من الطيبة وكرم الخلق والاحساس بانسانية الاخرين ما لمسته وعاشته من قبلي كل الجاليات العربية التي ساكنت الاميركان ونازلتهم في بلادهم منذ سنوات بعيدة، اما الصورة التي تنعكس اليوم في عيوننا لاميركا فهي الصورة المزيفة التي منتجها ولون ملامحها السحر الصهيوني الاسود الذي «سلا» مئات الالاف من الاميركيين ليعبر بهم البحار باتجاه بلاد الرافدين بعد ان جيشوا الجيوش وتسربلوا خَلَقَ الحديد.
واتوقف في هذه المقالة امام واحد من جنود المارينز الذي عبر في من عبروا ليجد نفسه وجها لوجه امام المقاومين العراقيين على مثلث الموت في الفلوجة عندما سأله صحفي اجنبي في لقاء ميداني مصور بثته قناة الجزيرة قبل عدة اسابيع، وهي القناة التي حرم الاحتلال مراسليها من نقل اي تقرير مباشر عن حرب العراق، فالتجأت مضطرة للتقارير التي يبعث بها المراسلون الاجانب، سأل الصحفي جندي المارينز سؤالا فتح به حوارا ساخنا معه، ولانني لم اسجل الحوار بحذافيره وفق ما تقتضيه امانة النقل، لذلك ارجو ان اعذر على اكتفائي بالمضمون الذي يعكس تلك اللحظة التي كان جندي المارنيز يقف فيها فوق برج دبابته ليمطر المقاومين العراقيين بشلال من لهب الرصاص وليبادلوه اللهيب شلالا بشلال، قال الصحفي موجها الكلام لجندي المارينز: لماذا انت هنا؟ وما الذي حدا بك ان تقف على فوهة الموت؟ فرد اخو اميركا: جئت لامنح الحرية للشعب العراقي.. فقال الصحفي: وما هي الحرية برأيك؟ فقال الجندي: الحرية ان ارى العراقيين وقد استمتعوا بمنتجات الهمبرغر والبيرغركنج «واشار الى سلسلة مطاعم اميركية بعينها». فقال الصحفي مستغربا: أهذا هو مفهوم الحرية التي تقاتل من اجله اميركا؟ فرد الجندي: نعم، فلو كان في العراق سلسلة من هذه المطاعم لما حاربناه، واردف قائلا: وهل سمعت ايها الصحفي ان اميركا حاربت بلدا لديه سلسلة من هذه المطاعم؟ وقبل ان يرد الصحفي بـ«نعم» او «لا» قطعت قذيفة هاون ارسلها احد مقاومي الفلوجة الحوار، فلاذ الصحفي بالابتعاد عن مرمى النار، ولاذ جندي المارينز متحصنا ببرج دبابته.
لقد جاءت قذيفة الهاون لتذكر جندي المارينز بمعنى الحرية الحقيقية، المعنى الذي قاتل لمثله في اميركا جورج واشنطن وابراهام لنكولن، وقاتل لمثله عرب العراق في ذي قار عندما ردوا غزو الاعاجم عن بلادهم ووقف صناجة العرب يومها لينشد:
«لو أنّ كُلَّ مَعَذٍّ كانَ شاركنا
في يومِ ذي قار ما أَخطاهمُ الشرفُ»
في ذي قار «الحِنْوِ» استعاد العراقيون حريتهم من الاكاسرة، وفي ذي قار الفلوجة سيعيد العراقيون المدافعون عن ارضهم وحريتهم وليس الارهابيون، سيعيدون الى جنود المارينز حرية الهمبرغر.